بعد اختيار رياضي هولندي إنهاء حياته.. "القتل الرحيم" في ميزان الشريعة الإسلامية
كتبت - آمال سامي:
أثار اختيار "فرناندو ريكسن" نجم كرة القدم الهولندي السابق لـ "القتل الرحيم" لإنهاء حياته بعد معاناته من المرض سنوات طوالا، التساؤلات مجددًا حول موقف الدين الإسلامي من موضوع "القتل الرحيم".
وفي التقرير التالي يرصد مصراوي أن هناك أمرين يجب التفرقة بينهما، الأول وهو أن يختار المريض أو الطبيب "الموت" لأن المرض لا شفاء منه وللتخلص من الآلام المبرحة التي يسببها، وهناك إجماع على حرمته بل واعتباره "قتلا" أو "انتحارا" ، أما
الثاني فهو عن مريض لا يمكنه أن يعيش إلا تحت أجهزة طبية ولا أمل في شفائه مطلقًا، وهي حالات الموت الدماغي وما يماثلها، وفيها رأيان أولهما يفتي بحرمته مطلقًا حتى إذا كانت حالة المريض ميئوسا منها ولا يرجى شفاؤه، والآخر
يرى بجواز نزع الأجهزة طالما ثبت أنها "عبث لا فائدة منه".
المريض الذي يعاني آلاما مبرحة وميئوس من شفائه، هل يجوز إنهاء حياته بما يسمى "القتل الرحيم"؟
يقول العلماء إن هذا لا يجوز بأي حال من الأحوال، فيرى الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الأسبق، أن قتل المريض الميئوس من علاجه حتى يتخلص من الآلام محرم، وأن مهمة الطبيب هي التخفيف عن المريض ومحاولة تقديم الجهد لعلاجه وشفائه أو تقليل آلامه أما النتيجة فهي لله وحده، "وعلى الطبيب ألا يستجيب لطلب المريض في إنهاء حياته، وإذا استجاب فيكون خائنا للأمانة، والعقاب للطبيب يكون حسبما يراه القاضى لكل حالة على حدة"، وأكد طنطاوي- رحمه الله- أنه لا يوجد في القرآن ولا في السنة ما يحل القتل الرحيم.
ويتفق مع طنطاوي في ذلك الدكتور عبدالعظيم المطعني، الأستاذ بجامعة الأزهر، حيث يرى أن مسألة القتل الرحيم ليست
إلا بيد الله، والله لم يبح قتل النفس أو إعدامها إلا "قصاصًا أو لفساد خطير متعمد في الأرض". ويؤكد المطعني أن رأي المريض أو موافقته هو أو أهله على هذا الأمر ليست مبررًا للإقدام على هذا الفعل.
أما الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق، فيرى الموضوع "انتحارًا أو قتلًا للنفس"، ففي رده على سؤال ورد إلى دار الإفتاء حول مشروعية القتل الرحيم ، يقول: ما حكم الدين
الحنيف في القتل الرحيم؛ بمعنى أن يطلب المريض من الطبيب إنهاء حياته بسبب شدة ألمه أو إعاقته، أو يقرر الطبيب من تلقاء نفسه أنه من الأفضل لهذا المريض أن يموت على أن يعيش معاقًا أو متألمًا، أجاب جمعة: "هو في الحقيقة انتحارٌ أو قتلٌ
للنفس التي حرَّم الله قتلها إلا بالحق، وهو حرامٌ شرعًا، بل من أكبر الكبائر؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَتْ بِهِ قَرْحَةٌ، فَلَمَّا آذَتْهُ انْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ
فَنَكَأَهَا، فَلَمْ يَرْقَأ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ. قَالَ رَبُّكُمْ: قَدْ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّة) رواه البخاري ومسلمٌ واللفظ له.
ما حكم نزع الأجهزة عن المريض بعد ثبوت عدم جدوى علاجه؟
في 2015 أصدر مجمع الفقه الإسلامي حكمه الأخير على قضية " القتل الرحيم" حيث أرجع الأمر في النهاية إلى تقدير الأطباء لحالة المريض، فإذا كان المريض ميئوسا من شفائه يجوز رفع الأجهزة الطبية عنه بعد ثبوت عدم جدوى علاجه، وكان لك
بإجماع معظم آراء المجمع، وأشار المشاركون في اجتماعه للدورة الـ22 بمكة المكرمة إلى أن بعض الأطباء والمستشفيات يستخدمون الأجهزة الطبية لبعض حالات الموت الدماغي وتعد عبثًا لا فائدة منه، ويتم فرض ذلك عليهم من وزارات الصحة
وخوفا من المسائلة القانونية، وأوضح البيان النهائي أن استخدام تلك الأجهزة يعرض المرضى وأسرهم للمزيد من الألم وينفق المزيد من التكاليف على العلاجات والأجهزة التي لا فائدة من استخدامها.
وقد اتفق مع هذا الرأي الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق، في فتوى سابقة نشرتها مواقع الكترونية، وأكد أن هناك ضوابط في ذلك وهي أن يتأكد الطبيب
بعدم جدوى الأجهزة في تحسين حالة المريض "فإذا كانت الأجهزة قادرة على إحداث أي تطور فلا يجوز نزعها، وألا يكون نزع الأجهزة يسبب ألمًا للشخص المريض". ومن وجه آخر قال أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر السابق أنه إن كانت هناك ضرورة لإبقاء الأجهزة ولا تتسبب في معاناة المريض أو في تكلفة مالية لا يطيقها أهله يجب أن تبقى، أما إذا كان العكس فلا مانع من نزعها.
أما في الكويت، فوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية أفتت بعدم جواز ما اسمته بـ"الموت الرحيم" مطلقًا، فحتى رفع أجهزة الإنعاش عن بعض المرضى أفتت بعدم جوازه. ويتفق مع وزارة الأوقاف الكويتية أيضًا إدارة الإفتاء في دبي، حيث
يقول الشيخ أحمد الحداد كبير المفتين مدير إدارة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي إن المريض الذي يعيش على أجهزة له حالتان: الأولى، أن
تتوقف حياته على هذه الأجهزة بحيث إذا نزعت منه مات. والثانية: أن لا تتوقف حياته عليها بل يعيش معها بتعب. في الحالة الأولى إن ركبت له هذه الأجهزة فإنه لا يجوز نزعها عنه حتى يموت موتاً حقيقاً؛ بأن يتوقف نبض قلبه ويبدأ تحلل
دماغه، كما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 17 في دورته الثالثة، فقد عرف الموت الدماغي، ونص على أنه يعتبر شرعاً أن الشخص قد مات وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعاً للوفاة عند ذلك إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين: إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه، وإذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه وأخذ دماغه في التحلل، وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص، وإن كان بعض الأعضاء
كالقلب مثلاً لا يزال على قدر من الحياة بفعل الأجهزة المركبة.
فيديو قد يعجبك: