لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

موضحًا ماذا بعد النصف من شعبان.. الشيخ محمود الهواري: الجرأة على الفتوى جرأة على النار (حوار)

08:06 م السبت 11 أبريل 2020

الشيخ محمود الهواري

حوار - محمد قادوس

قال الدكتور محمود الهواري، عضو المكتب الفني لوكيل الأزهر، وأحد خطباء الجامع الأزهر الشريف، إنه لا بأس أن يسأل الناس عن دينهم، وهذه ظاهرة صحية، وليتهم يسألون عن كل حركاتهم في الحياة، إذا لانضبطت حركة الحياة على الشرع، وبالمناسبة: الشريعة لا تضيق على الناس، بل كلها سعة ومصالح ومنافع وفوائد كما نص أهل العلم.

وأكد الهواري أن هناك ضوابط كثيرة، حتى إن العلماء أفردوا كتبا خاصة لآداب المفتي، وليس من الآداب أن يخرج إنسان فيقول للناس: افعلوا ما ترونه مناسبا لكم، ويقول للناس: خذوا ما ترتاحون له، ويخرج بذلك على قواعد العلم، ومناهجه، وأدبه، ويخدع الناس ويستميل قلوبهم تحت ستر: لا وصاية لأحد عليكم، وهذا دجل معاصر.. وإلى نص الحوار:

* ماذا بعد النصف من شعبان؟

في الحقيقة سؤال عجيب، وحال أعجب.

وأنا أعرف السبب في إثارة مثل هذا السؤال من كل عام، فالناس تأخذهم كلمات الناس ذات اليمين وذات الشمل، فتارة يسمعون من يقول لهم: لا تصوموا بعد ليلة النصف من شعبان، وتارة يسمعون من يقول لهم: بل صوموا ما شئتم، فيقع الناس في حيص بيص.

*ما هو الفيصل في المسألة إذن أن يصوموا أو لا يصوموا؟

دعني قبل أن أتكلم في صحة الصوم بعد النصف من شعبان أذكر القارئ الكريم بحديث عن أُسَامَة بْنُ زَيْدٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».

وكذلك حديث آخر، عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُهُ إِلا قَلِيلاً بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ».

فهذان نصان صحيحان يشيران إلى أن الصيام في شعبان قد ينصرف إليه كله.

* لكن اسمح لي يا دكتور، ما سبب تساؤل الناس، والناس كل عام تقريبا يعيدون الأسئلة؟

لا بأس أن يسأل الناس عن دينهم، وهذه ظاهرة صحية، وليتهم يسألون عن كل حركاتهم في الحياة، إذا لانضبطت حركة الحياة على الشرع، وبالمناسبة: الشريعة لا تضيق على الناس، بل كلها سعة ومصالح ومنافع وفوائد كما نص أهل العلم.

لكن سبب تساؤل الناس المتكرر في هذه المواسم أنهم يسمعون من يفتي بحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا بَقِيَ نِصْفٌ مِنْ شَعْبَانَ فَلا تَصُومُوا».

وهنا أنبِّه إلى خطورة الفتوى بغير علم، والجرأة على الفتوى جرأة على النار.

* وإن كان هذا بعيدا عن موضوع الحوار، لكن هل هناك ضوابط للفتوى؟

بالطبع، هناك ضوابط كثيرة، حتى إن العلماء أفردوا كتبا خاصة لآداب المفتي، وليس من الآداب أن يخرج إنسان فيقول للناس: افعلوا ما ترونه مناسبا لكم، ويقول للناس: خذوا ما ترتاحون له، ويخرج بذلك على قواعد العلم، ومناهجه، وأدبه، ويخدع الناس ويستميل قلوبهم تحت ستر: لا وصاية لأحد عليكم، وهذا دجل معاصر.

ولو أخذ الإنسان بأي رأي يحبه، وبأي فهم يفهمه، كيف نخطئ حينئذ فهم الدواعش وغيرهم ممن خرجوا على الناس بالقتل وعلى المجتمعات التخريب، فأخذوا بما يحبون.

الحقيقة هذه شرعنة للفتنة.

وأنا في الحقيقة لست أعرف لمصلحة من يدعو هؤلاء الناس للتخلي عن الفقه والأحكام؟

يبدو أن الأمر يحتاج إلى حوار خاص لنرجع إلى اللبس الحاصل في الصوم بعد النصف من شعبان.

نعم قلنا إن الناس قد يسمعون من يفتيهم بحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا بَقِيَ نِصْفٌ مِنْ شَعْبَانَ فَلا تَصُومُوا» فيأخذ من هذا النص حرمة الصيام بعد النصف من شعبان.

وبعض الناس يتوقف ويرى تعارضا بين هذا الحديث والأحاديث المتقدمة التي تحث على صوم شعبان كاملا.

والأمر يسير جدا، فمن كان له عادة في الصيام قبل شهر رمضان، فهو يصوم من شعبان في كل عام، أ, يصوم يومي الاثنين والخميس، أو كان عليه نذر صيام في هذا الشهر، أو كان عليه قضاء من شهر رمضان السابق فهذا لا حرج عليه إن صام أول الشهر أو وسطه أو آخره.

أما من لم تكن له عادة صيام أي شيء فتطوع من نفسه بعد النصف من شعبان، فبعض أهل العلم أباحوا لمثل هذا أن يصوم من أول الشهر حتى منتصفه فقط، ويأخذون بالحديث السابق.

ولعل الحكمة من النهي عن الصوم بعد منتصف شعبان، والنهي عن صوم يوم الشك الذي يسبق رمضان مباشرة هو سد ‏ذريعة، وخوف التعمق في العبادة، والتشديد فيها؛ فربما يفضي صوم أيام قبل رمضان موصولة به إلى اعتقاد وجوبه فيؤدي ذلك إلى ‏الزيادة في العبادة، ومن المعلوم أن الغلو في الدين والتعمق فيه أمر مذموم والشارع لا يقره.

فالحاصل من أراد أن يصوم بعد النصف من شعبان فليتهيأ من أول الشهر، لا من بعد منتصفه، بحيث لا ينبغي أن يظل تاركا لصيام التطوع طوال العام، ولا يتذكره إلا بعد النصف من شعبان.

أما إذا كانت له عادة صيام كالاثنين والخميس، أو أنه يصوم من أول شعبان فيباح أن يصوم بعد النصف والله أعلم.

* دعنا يا دكتور نفهم المسألة، هل حضرتك تعني أن شعبان كله زمان للصيام؟

سبق أن ذكرت في بداية كلامي بحديث أُسَامَة بْنُ زَيْدٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ». وهو حديث صحيح.

وأضيف كذلك حديث السَّيّدة عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وقد سُئلَت عَنْ صِيَامِ سَيِّدِنا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: «كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ، أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا» والحديث في صحيح مُسلم.

ويفهم من هذا فضل الصوم في شهر شعبان، وأن من وجد في نفسه طاقة لصيام فلا ينبغي أن يتأخر عن الخير في هذا الشهر الكريم.

* لكن هل يصوم الإنسان فقط؟ أو السؤال بمعنى آخر: هل يعمل من الخيرات عمل آخر بخلاف الصوم؟

لقد قدم لنا سيدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مبررات صومه في شعبان، فذكر:

أولًا: أنَّه شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وهما شهران عظيمان، شهر رجب شهر حرام، ورمضان شهر الصيام، وربما ينشغل الناس بهما عن شهر شعبان، فيصير زمان غفلة.

وفي هذا الحديث إشارة إلى استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله - عز وجل - ولذلك فُضِّلَ القيام في وسط الليل لغفلة أكثر الناس فيه عن الذكر. والعبادة في وقت الغفلة لها فوائد متعددة، منها: أن العمل فيها أخفى وأبعد من الرياء، لا سيما الصيام فإنه سر بين العبد وربه.

ومنها: أن زمان الغفلة أشق على النفوس؛ لأنه قد لا يجد من يعينه، والأجر على قدر المشقة.

ومنها: إحياء السنن المهجورة خاصة في هذا الزمان الذي يغفل الناس عن فضله.

ثانيًا: أنَّه شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فأحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرفع العمل لله -تعالى-والعبد على أفضل حال وأحسنه وأطيبه لما في الصوم من فضائل عظيمة، وليكون ذلك سببًا في تجاوز الله -تعالى-عن ذنوب العبد حال توسله بلسان الحال في هذا المقام.

فالمسلم إذا استحضر هذين المعنيين النبويين: أنه زمان غفلة، وأنه يرفع عمله إلى ربه وهو صائم حثه ذلك على عمل أي لون من ألوان الصالحات، فالاستعداد لصوم رمضان بصوم قبله من العمل الصالح، وقراءة القرآن من العمل الصالح، وإخراج الصدقات من العمل الصالح، وصلة الأرحام من العمل الصالح، والإحسان إلى الجيران من العمل الصالح، والسعي في مصالح الناس من العمل الصالح، وبذل المعروف من العمل الصالح، وكثير من الصالحات ينبغي على العاقل أن يبذلها لله رب العالمين استعدادا لدخول رمضان بقلب طيب، ونفس مطيعة، وفؤاد محب، حتى تكتب الأجور والعطاءات الربانية.

وليسأل الإنسان نفسه عن حاله مع ربه، وكيف رفع التقرير الملائكي عنه إلى الله –سبحانه وتعالى-.

فشهر شعبان شهر الخيرات والقربات والصالحات، في نصفه الأول وفي نصفه الآخر، نسأل الله –عز وجلَّ- أن يرزقنا الصيام والقيام والقرآن، وأن ييسر أمرنا، ويكشف كربنا، وألا يحرمنا في رمضان من المساجد ولا من التراويح.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان