إعلان

قصص الأنبياء (5): نبي الله نوح عليه السلام الذي خانه ابنه وزوجته

03:49 م الثلاثاء 28 أبريل 2020

كتب- ايهاب زكريا:

في حلقات يومية، وخلال شهر رمضان المبارك، يقدم مصراوي للقارئ الكريم قصص الأنبياء، استنادا لمصادر معتبرة في السيرة والتاريخ الإسلامي.

وفي الحلقة الرابعة يقدم "مصراوي" قصة نوح -عليه السلام- الذي بعثه الله لقومه كما جاء في "قصص الأنبياء" لابن كثير بعد أن ظهرت فيهم الضلالات، والجحود بالله، فكان أوّل رسول يرسله الله إلى الناس في الأرض.

وقد كانت بداية عهد قوم نوح بالجحود بالله حينما عبدوا أصناماً كان قد بناها مَن قبلهم من الأجيال لرجال صالحين منهم؛ تخليداً لذكراهم بعد مماتهم، وقد بَقِيت تلك النُّصُب فترة من الزمن لا تُعبَد، حتى إذا هلك ذلك الجِيل، وذهب العلم، اتّخذ الناس تلك التماثيل أصناماً يعبدونها من دون الله -تعالى-، قال -عزّ وجلّ-: (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا)، [نوح: 23] فبعث الله فيهم نوحاً نبيا ورسولا.

تنوع طرق الدعوة من سيّدنا نوح لقومه

جاء تفسير الطبري أن نوحًا -عليه السلام- دعا قومَه باستخدام شتّى الأساليب؛ حتى يؤمنوا بالله، قال -تعالى- على لسان نبيّه الكريم: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا*وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا)،[نوح:7:5] فكانوا يَفرّون منه، ويجعلون أصابهم في آذانهم؛ كي لا يسمعوا كلامه، كما أنّهم كانوا يتّغطّون بثيابهم، مُصرِّين على جحودهم، ومُستكبِرين في عنادهم.

دعا نوح قومه سِرّاً فيما بينه وبينهم، كما دعاهم عَلناً بصوت مرتفع، وأمرهم باستغفار الله -تعالى-، وذكّرهم بعاقبة التائبين المُستغفِرين حينما يرسل الله عليهم السماءَ مُتتابِعةً بالرزق الوفير، ويُمدِدهم بالأموال، والبنين، ويُصيِّر أرضَهم جنّات، وأنهاراً، قال -تعالى-: (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا*ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا*فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا)، [نوح: 11:8].

وقابلوا دعوته بالعصيان، والمخالفة، والإصرار على ما فيهم من الجحود، والضلالة، ومَكروا لنبيّهم مكراً عظيماً، وحينما استيأس نوح -عليه السلام- من دعوة قومه، دعا عليهم، ومن دعائه ما جاء في قوله -تعالى- على لسان نوح: (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا)؛ [نوح:24] أي أن يطبع الله على قلوبهم بضلالهم فلا يهتدوا إلى الحقّ، ثمّ قال -تعالى-: (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا* إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا)؛ [نوح: 26] أي ربِّ لا تترك الكافرين على هذه الأرض؛ لأنّهم إن تُرِكوا، أضلّوا الناس عن سبيل الحقّ، والهدى، ولا يلدون إلّا الذي لا يؤمن بدينك، ويجحد نعمتك.

خيانة زوجتي نوح ولوط عليهما السلام

وجاء في التفسير الوسيط لوهبة الزحيلي أن قصّة نوح -عليه السلام- أكدت على مسألة عدم الانتفاع بمِيزة النَّسب، والرابطة الزوجيّة إذا كان الإنسان كافراً بالله -تعالى-؛ فقد ضرب الله -جلّ وعلا- في كتابه العزيز مَثلاً للذين كفروا، فقال:(ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)؛[التحريم:١٠]، إذ كانت كلٌّ من إمرأة نوح، وإمرأة لوط في عصمة نبيَّين صالحَين من عباد الله، وكانت واعلة زوجة نوح -عليه السلام - تُعين قومها على زوجها؛ حين كانت تتّهمه بالجنون، إلى جانب أنّها لم تؤمن بدعوته؛ فكان ذلك الأمر بمثابة خيانة لزوجها؛ ولذلك استحقّت تلك المرأة العذاب من عند الله -تعالى- مع مَن كَفر من قوم نوح، ولم تنفعها رابطة الزوجية مع رجل كانت مكانته عالية عند ربّه في دَفع العذاب عنها؛ فكلّ إنسان مسؤولٌ أمام ربّه عن نفسه.

سخرية قومه منه عند صنع السفينة

ورد في: "معجزات الأنبياء والمرسلين" لسيد مبارك أن السفينة هي معجزة سيّدنا نوح -عليه السلام-؛ حيث أوحى الله إليه أن يصنعَها، حتى إذا جاء أمر الله، وفار التنّور الذي كان مصنوعاً من حجارة، علماً أنّ الله جعل فوران الماء منه علامة على مجيء أمره، وقد أمر الله نوحاً أن يحمل على السفينة من كلّ شيء حيٍّ زوجَين؛ ذكراً، وأنثى، ولم يثبت عدد الذين حُمِلوا على السفينة في الكتاب، أو السنّة، ثمّ أبحرت سفينة نوح بهم عبر المياه المرتفعة، تدفعها الريح الشديدة مُشكّلة بذلك ما يُشبه الجبال في عُلوّها، وعظمتها.

كانت سفينة نوح -عليه السلام- مصنوعة من الأخشاب، قال -تعالى-: (وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ)؛ [القمر: 13] فقد بدأ نوح -عليه السلام- صناعة السفينة بأمر الله -تعالى- له؛ حيث جلب الأخشاب، وصَنع من مادّتها الألواح، ثمّ وضع الألواح بجانب بعضها البعض، وثبّتها بالدسر؛ أي المسامير، وكان قومه كلّما مَرّوا عليه يسخرون منه؛ لصُنعه السفينة على اليابسة، قال -تعالى-: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ)،[هود:38].

غرق زوجته وابنه مع الكافرين

وجاء في تفسير أحمد حطيبة أن زوجة نوح، وابنه كانا ممّن تخلَّفوا عن ركوب السفينة؛ بسبب كُفرهم، وعصيانهم لنبيّهم؛ حيث دعا نوح -عليه السلام- ابنه إلى ركوب السفينة قبل أن تُبحر في المياه، وكانت دعوته لابنه؛ لعدم يقينه من كونه أحد الكافرين الذين كتب الله عليهم الغرق في الطوفان؛ ظانّاً بعودته عن الكفر، وقِيل إنّه كان يأمل من ابنه أن يراجع نفسه فيلتحق بالمؤمنين في السفينة، ويترك الكافرين، إلّا أنّه رفض الاستجابة لنداء أبيه بالانضمام إليه، والتجأ إلى المَعزل الذي ظنَّ أنّه سيحميه من الطوفان بعيداً عن أهل الإيمان مُعتقدِاً أنّه سينجو، إلّا أنّه لا عاصم من أمر الله في هذا اليوم العصيب سوى من كَتب الله له النجاة برحمته.

نجاة نوح والمؤمنين في الطوفان وغرق الكافرين به

أورد تفسير الطبري أن عقوبة قوم نوح الذين كفروا كانت الغرقَ بالطوفان؛ بسبب خطاياهم، ثمّ عقوبة النار في الآخرة، قال -تعالى-: (مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا )، [نوح:25]، وبعد أن نجّى الله نوحاً، ومن معه، استوَت سفينته على الجوديّ؛ وهو جبلٌ في الجزيرة كما رُوِي عن مجاهد، ورُوِي عن الضحّاك أنّه جبلٌ في الموصل.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان