الطواف وإيقاد الشموع.. هكذا كان يحيى أهل مكة والسلف ليلة النصف من شعبان
كتبت – آمال سامي:
تروي لنا كتب التراث سواء الكتب الفقهية أو التاريخية كيف كان يحيى أهل مكة والتابعين رضوان الله عليه ليلة النصف من شعبان، بل ذهب بعضهم إلى أن من أهل مكة أخذ باقي المسلمين في إحياء ليلة النصف من شعبان أقتداء بهم وبما يفعلونه من طقوس، فيقول ابن رجب الحنبلي في كتابه: "لطائف المعارف": وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر وغيرهم، يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها"، فكانوا يفرشون السجاجيد ويضيئون الشموع والمصابيح والمشاعل في الحرم الشريف ويجتمعون للصلاة سواء جماعة أو فرادى، ويطوفون بالكعبة ويعتمر بعضهم ويصلي البعض الآخر في الحجر الشريف، فيروي الإمام الفاكهي في كتابه "أخبار مكة": ذكر عمل أهل مكة ليلة النصف من شعبان واجتهادهم فيها لفضلها وأهل مكة فيما مضى إلى اليوم إذا كان ليلة النصف من شعبان، خرج عامة الرجال والنساء إلى المسجد، فصلوا، وطافوا، وأحيوا ليلتهم حتى الصباح بالقراءة في المسجد الحرام".
وحكى الرحالة المسلمون كيف كان يحتفل بتلك الليلة في كتبهم المشهورة، فروى ابن جبير في رحلته المعروفة باسم "اعتبار الناسك في ذكر الآثار الكريمة والمناسك" كيف كان يحتفل أهل مكة بليلة النصف من شعبان، فيقول أنهم كانوا يبادرون فيها إلى أعمال الخير والبر من العمرة والطواف والصلاة أفرادًا وجماعات، ويروي كيف شاهد احتفالهم بليلة النصف من شعبان أُثناء حضوره فيها، واصفًا احتفالهم بأنه كان عظيمًا بعد صلاة عشان أحد ليالي السبت التي وافقت ليلة النصف من شعبان، فصلوا "تراويح يقروؤن فيها بفاتحة الكتاب وبقل هو الله أحد عشر مرات في كل ركعة إلى أن يكملوا خمسين تسليمة بمئة ركعة"، ويصف ابن جبير مراسم الاحتفال راويا كيف بسطت الحصر وأوقدت الشموع والمشاعل والمصابيح، "ومصباح السماء الأزهر الأٌمر قد أفاض نوره على الأرض وبسط شعاعه فتلاقت الأنوار في ذلك الحرم الشريف الذي هو نور بذاته، فيالك مرأى لا يتخيله المتخيل ولا يتوهمه المتوهم".
أما ابن بطوطة فروى في كتابه "تحفة النظار في غرائب الأمصار" طقوس الأحتفال أيضًا، حيث ذكر ان ليلة النصف من شعبان من الليال المعظمة عند أهل مكة حيث ذكر أيضًا ان أهل مكة كانوا يبادرون فيها إلى أعمال البر والصلاة والاعتمار ويجتمعون في المسجد الحرام ويوقدون السرج والمشاعل والمصابيح، وذكر أيضًا ان طقوسهم تتراوح ما بين الصلاة بمائة ركعة ويقرؤون في كل ركعة بأم القرآن وسورة الإخلاص مكررة عشرة مرات، وأن البعض الآخر كان يصلي في الحجر منفردًا، ومنهم من يطوف بالكعبة ومنهم من يعتمر.
من أقوال العلماء والسلف الصالح في إحياء ليلة النصف من شعبان:
قال الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه "الأم" أنه يستحب فيها القيام والدعاء والذكر، حيث قال بعد أن ذكر عدة ليالي أخرى ومنها ليلة النصف من شعبان: "أنا استحب كل ما حكيت في هذه الليالي من غير أن تكون فرضًا" حسبما ذكر النووي في كتابه "شرح المهذب"، ونقل أيضًا قول الشافعي عن استجابة الدعاء في ليلة النصف من شعبان حيث قال في كتابه الأم: بلغنا أنه كان يقال: إن الدعاء يستجاب في خمس ليال: في ليلة الجمعة، وليلة الأضحى، وليلة الفطر، وأول ليلة في رجب، وليلة النصف من شعبان.
أما الإمام ابن تيمية فقال فيها: "ليلة النصف من شعبان ففيها فضل، وكان في السلف من يصلي فيها، لكن الاجتماع فيها لإحيائها في المساجد بدعة".
فيديو قد يعجبك: