"نفحات رمضانية" يقدمها الشيخ محمود الهواري: علوّ الهمة في رمضان (13)
كتب - محمد قادوس:
في حلقات خاصة لـ"مصراوي"، وعلى مدار الشهر الفضيل، يقدم الدكتور محمود الهواري، عضو المكتب الفنى لوكيل الأزهر، وأحد خطباء الجامع الأزهر، إطلالة رمضانية روحانية تتجدد مع أيام هذا الشَّهر الطَّيِّب، متعرضا لنفحات إيمانية قيمة ونصائح نبوية غالية، ومنها علو الهمة في رمضان.
يقول الهواري، عبر فيديو خاص نشره مصراوى عبر صفحته الرسمية على فيسبوك:
يأتي شهر رمضان فترى النفوس متشوفة إلى الطاعة، والقلوب منشرحة إلى العبادة، وتزداد الهمة، وهذه صفة لا ينبغي أن تغيب عن مسلم في أي وقت، أن يكون عالي الهمة، صاحب هدف.
والقرآن الكريم يدفعنا في كثير من آياته إلى علو الهمة، فيقول تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 148]، ويقول تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، ويقول تعالى: ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: 26].
وقد أعلن رسول الله ﷺ أن الله يحب أصحاب الهمة العالية، فقال ﷺ: «إن الله عز وجل يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سَفْسافها»[المعجم الكبير للطبراني].
وكان مِن دعائه ﷺ: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل»[متفق عليه]
ومِن هذا الدعاء نتعلَّم أن المسلم الذي يتأسى بنبيه ﷺ لا ينبغي أن يستسلم للعجز، ولا أن يسلِّم نفسه للكسل.
إن النبي ﷺ كان يحفِّز هِمَم الصحابة، ويدفعها للنشاط والعبادة؛ عن ربيعة بن كعبٍ الأسلمي، قال: كنت أبِيتُ مع رسول الله ﷺ، فأتيتُه بوَضوئه وحاجته، فقال لي: «سَلْ»، فقلت: أسألُك مرافقتَك في الجنة، قال: «أو غير ذلك؟!» قلت: هو ذاك، قال: «فأعنِّي على نفسِك بكثرةِ السجود».
وكان يعلمهم أن الفرص إذا ذهبت فربما لا تعود، وضرب لهم مثلا بعجوز بني إسرائيل التي اشترطت على موسى عليه السلام أن تكون رفيقته في الجنة لتدله على قبر يوسف عليه السلام.
إن أصحاب الهمم العالية لا يرضون بما دون الجنَّة، وإنهم ليتسابقون إلى الخيرات بلا كلل ولا ملل، يقول رسول الله ﷺ: «مَن أصبَح منكم اليوم صائمًا؟»، قال أبو بكرٍ رضي الله عنه: أنا، قال: «فمن تبع منكم اليوم جنازةً؟»، قال أبو بكرٍ رضي الله عنه: أنا، قال: «فمَن أطعَم منكم اليوم مسكينًا؟«، قال أبو بكرٍ رضي الله عنه: أنا، قال: “فمَن عاد منكم اليوم مريضًا؟»، قال أبو بكرٍ رضي الله عنه: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما اجتمَعْنَ في امرئٍ إلا دخل الجنة»[مسلم].
وكان عمرُ بن عبدالعزيز –رضي الله عنه- يقول: «أيها الناس، إن لي نَفْسًا توَّاقةً، لا تُعطَى شيئًا إلا تاقت إلى ما هو أعلى منه، وإني لما أعطيت الخلافة تاقت نفسي إلى ما هو أعلى منها، وهي الجنة؛ فأعينوني عليها يرحمكم الله»
اجتمع يوما عبدالله، ومصعب، وعروة - بنو الزبير - وابن عمر، فقالوا: تمنَّوْا، فقال عبدالله بن الزبير: أتمنى الخلافةَ، وقال عروة: أتمنى أن يؤخَذَ عني العلمُ، وقال مصعب: أتمنى إمرةَ العراق، والجمعَ بين عائشةَ بنت طلحة، وسُكينةَ بنت الحسين، فقال ابن عمر: أما أنا، فأتمنى المغفرة، فنالوا ما تمنَّوْا، ولعلَّ ابنَ عمرَ قد غُفِرَ له.
وهذا هو التنافس الشريف في أمر الدين وأمور الآخرة؛ قال الحسن: "مَن نافسك في دِينك فنافسه، ومن نافسك في دنياه فألقِها في نحره"، وقال وهيب بن الورد: "إن استطعت ألا يسبقَك إلى الله أحد، فافعَل".
يا أهل رمضان، يا أهل الصيام، ماذا عن همتك في رمضان؟ هل تنوي أن يغفر لك؟ هل تخطط للإكثار من ذكر الله؟ هل ستختم القرآن في رمضان أكثر من مرة؟ هل تتذلل لربك وتخشع بين يديه؟ هل تحافظ على صلاة التراوي؟ هل تجعل من بيتك قبلة؟ هل تتصدق وتنفق؟ هل تصِلُ أرحامك؟ هل تحافظ على أداء النوافل حتى يبنى لك بيت في الجنة؟ هل تشعر أن همتك هذا العام أعلى من رمضان الماضي؟
إذا لم تكن كذلك فمتى وهذه مواسم التجارة مع الله؟
إياك أن يشغلك الشيطان عن ربك، أو يصرفك عن هدفك، وإياك والتسويف فإنك لا تدري ما يخبئه القدر.
وما أروع كلمة ابن الجوزي إذ يقول: وإياك والتسويفَ؛ فإنه أكبرُ جنود إبليس.
عزيزي الصائم، راحةُ الآخرة لا تأتي براحة الدنيا، فإذا أردت نعيم الآخرة، فاتعَبْ في الدنيا، وإذا كانت همتك أن تكون في الصفوف المتقدمة في الجنة، فكُنْ كذلك في الدنيا.
فيديو قد يعجبك: