"بني زريق" أم "السبق"؟.. قصة أول مسجد قرئ فيه القرآن قبل الهجرة
كتبت – آمال سامي:
في المدينة المنورة وفي أحد أحيائها القديمة يقع مسجد بني زريق وهو أول مسجد قرئ فيه القرآن، وبينما يرى البعض أن مسجد بني زريق هو مسجد "السبق" حاليًا بالمدينة، إلا أن البعض الآخر يرى خطأ ذلك تاريخيًا، ويؤكد أن مسجد بني زريق درس مع الزمن ولم يتبق منه سوى تعريف موضعه الذي تحول لمحال تجارية.. فهل مسجد بني زريق هو مسجد السبق بالفعل؟ وما هي قصة المسجدين؟
تروي لنا الآثار قصة مسجد بني زريق، فيقول السيد أحمد ياسين الخياري في كتابه: "تاريخ معالم المدينة المنورة قديمًا وحديثًا"، أن مسجد بني زريق يقع محل الحظيرة التي تحولت إلى محلات السيد محمود أحمد عند باب جديد المدخل لحي الشونة، وهو ما يؤكد عدم صلته بمسجد "السبق" كما يقول البعض، ويروي الخياري قصة بناء المسجد قائلًا أن رافع بن مالك الزرقي لما قابل الرسول صلى الله عليه وسلم في العقبة اعطاه النبي ما نزل عليه من القرآن وهو في مكة، فلما عاد رافع إلى المدينة جمع قومه وقرأه عليهم في موضع المسجد، فكان هو أول مسجد قريء فيه القرآن، وروي عن يحيى بن عبد الله بن رفاعة قال: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وعجب من اعتدال قبلته، ولم يصل فيه.
وأشار الخياري في كتابه أن بعض المحققين قالوا ان مسجد بني زريق يقع الآن في موضع "القرقول" –وهو مركز الشرطة- وهو الذي بناه خالد باشا في المناخة بعد 1290 هجريًا.
أيضًا يؤكد محمد الأمين الشنقيطي في كتابه: "الدر الثمين في معالم دار الرسول الأمين"، أن مسجد سبق ليس من المساجد المأثورة حيث بناه أحد قضاة المدينة لصلاة أهل الحي، وإنه سمي مسجد السبق نسبة لوقوعه في منتصف ميدان سباق الخيل في المدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وكانت الخيل المضمرة تسابق من الحفياء الى المصلى والحفياء السهل الواقع بغربي جبل أحد وأما الخيل غير المضمرة فكانت تسابق من ثنية الوداع الشمالية حتى المصلى"، ويدعم الخياري ما قاله الشنقيطي أيضًا كتابه السابق ذكره مؤكدًا أن مسجد السبق بناه قاضي الحرمين العلامة السيد محي الدين الحنبلي في القرن التاسع الهجري، ومازال مقامًا حتى الآن.
أما عن سبب اختلاط الأمر بين مسجد بني زريق والسبق، هو ان مسجد السبق يقع في منتصف ميدان سباق الخيل، الذي ورد في إحدى أحاديث البخاري أنه كان بين الثنية ومسجد بني زريق، ففي كتاب فتح الباري في شرح حديث البخاري، اورد ابن حجر حديث أحمد بن يونس عن الليث بن نافع عن عبد الله رضي الله عنه انه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي لم تضمر، وكان أمدها من الثنية إلى مسجد بني زريق، وأن عبد الله بن عمر كان سابق بها"، وفي حديث آخر ذكره البخاري، قال ابن عمر رضي الله عنهما: سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل التي قد ضمرت، فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع، فقلت لموسى: فكم كان بين ذلك، قال ستة أميال أو سبعة، وسابق بين الخيل التي لم تضمر، فأرسلها من ثنية الوداع، وكان أمدها مسجد بني زريق، قلت فكم بين ذلك؟ قال: ميل أو نحوه..وكان ابن عمر ممن سابق فيها". وتدل هذه الروايات أن المسافة بين مسجد بني زريق والمسجد الذي بني لاحقًا وهو مسجد "السبق" ليست بالقليلة حتى يختلط بينهما، فالمسافة بين ثنية الوداع ومسجد بني زريق كانت حوالي ميل.
وكان السبق بين الخيل في عهد رسول الله يفرق بين الخيل المضمرة والخيل غير المضمرة، وهو ما جعل هناك خطين للسبق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وتضمير الخيل جاء من الضمور، وهو أن علف الخيل مدة طويلة زيادة عن حاجتها لتسمينها، وهكذا كان يفعل العرب مع الخيل للسبق والحرب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرق في السبق بين الخيل المضمرة، فيجعل المضمرة تجري مسافة طويلة، بينما الخيل غير المضمرة يجعلها تجري مسافة قصيرة.
فيديو قد يعجبك: