في ذكرى وفاته.. سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي الذي قضى على نفوذ الطاغية "الحجاج"
كتبت – آمال سامي:
"يرحم الله سليمان افتتح خلافته بإحياء الصلاة ، واختتمها باستخلافه عمر" إنه سليمان بن عبد الملك، الخليفة الأموي السابع، وبهذه الكلمات وصف ابن سيرين رحمه الله فترة خلافته، وهو ابن مراون بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، تمت بيعته بعد أخيه الوليد سنة 96 من الهجرة، وتوفي في مثل هذا اليوم، العاشر من صفر، يصفه الذهبي في "سير أعلام النبلاء" قائلًا: كان دينًا فصيحًا مفوهًا عادلًا محبًا للغزو، وكان على خاتمه نقش "أؤمن بالله مخلصًا".
كانت خطبته عندما تولى الخلافة كما ينقلها لنا ابن كثير في البداية والنهاية تدل على نهجه الجديد المختلف عن سابقيه حيث قال: "الحمد لله الذي ما شاء صنع ، وما شاء رفع ، وما شاء وضع ، ومن شاء أعطى ، ومن شاء منع ، إن الدنيا دار غرور ، ومنزل باطل ، وزينة تقلب ، تضحك باكيا ، وتبكي ضاحكا ، وتخيف آمنا ، وتؤمن خائفا ، تفقر مثريها ، وتثري فقيرها ، ميالة لاعبة بأهلها ، يا عباد الله ، اتخذوا كتاب الله إماما وارضوا به حكما واجعلوه لكم قائدا فإنه ناسخ لما قبله ولن ينسخه كتاب بعده اعلموا عباد الله أن هذا القرآن يجلو كيد الشيطان وضغائنه كما يجلو ضوء الصبح إذا تنفس إدبار الليل إذا عسعس".
ولد سليمان بن عبد الملك بالمدينة في بني جزيلة، ونشأ بالشام، وكان راويًا للحديث، حسبما يروي ابن كثير في البداية والنهاية، وكانت فترة خلافته تتسم بالاهتمام بالدين واتباع العلماء وسيادة العدل، فاختلف عمن سبقوه كثيرًا، وكان من أبرز ما فعله سليمان هو عزل ولاة الحجاج بن يوسف الثقفي والقضاء على نفوذه تمامًا، وتغيير النهج الذي كان يحكم به، فقسم على الرعية أمولًا كثيرة واستعان بعمر بن عبد العزيز في شئون الحكم، وكتب: "إن الصلاة كانت قد أميتت فأحيوها بوقتها"، وأيضًا أخرج سليمان بن عبد الملك أهل السجون منها وأطلق سراح الأسرى وبذل الأعطيات للرعية، وهو ما كان له أثر كبير في نفوس المسلمين إذ كانوا يستبشرون بعهده ويقولون عنه انه "مفتاح الخير"، فيقول الطبري في تاريخه: "كان الناس يقولون: سليمان مفتاح الخير، ذهب عنهم الحجاج، فولى سليمان، فأطلق الأسارى، وخلى أهل السجون، وأحسن إلى الناس، واستخلف عمر بن عبد العزيز".
كان سليمان تقيًا يشاور العلماء ويجاورهم، ومن بين هؤلاء كان عمر بن عبد العزيز، فيروي الذهبي أنه حج في خلافته، وصحبه عمر بن عبد العزيز، فلما نظر إلى الناس الكثيرة الكثيفة، قال لعمر: أما ترى هذا الخلق الذين لا يحصيهم إلا الله ولا يسع رزقهم غيره؟! فقال له عمر: يا أمير المؤمنين، هؤلاء اليوم رعيتك وهم غدًا خصماؤك، فبكى سليمان وقال: بالله استعين.
قضى سليمان بن عبد الملك أيامه الأخيرة مرابطًا بمرج دابق وكان قد أقسم ألا يغادرها حتى يأتي إليه بخبر فتح القسطنطينية أو يموت قبل ذلك، وهناك، بمرج دابق، أصيب سليمان بالحمى على قول بعض المؤرخين، بينما قال البعض الآخر أنه أصابه ذات الجنب، ولما شعر بدنو أجله استشار رجاء بن حيوة الكندي، وهو من علماء وفقهاء التابعين، فيمن يترك أمر الخلافة ليتولاه من بعده، فسأله قائلًا: من لهذا الأمر ؟ قال : ابنك غائب ، قال : فالآخر ؟ قال : صغير ، قال : فمن ترى ؟ قال : عمر بن عبد العزيز ، قال : أتخوف إخوتي ، قال : ول عمر ، ثم من بعده يزيد بن عبد الملك ، وتكتب كتابا ، وتختمه ، وتدعوهم إلى بيعة من فيه ، قال : لقد رأيت . وكتب العهد ، وجمع الشرط ، وقال : من أبى البيعة ، فاقتلوه.
وتوفى سليمان بن عبد الملك في مثل هذا اليوم العاشر من صفر سنة 99 من الهجرة، وهو مرابط على عهده فمات قبل أن تفتح القسطنطينية، وعمره يقارب الأربعين وقد استمرت خلافته عامين وتسعة أشهر وبضعة أيام، وتولى من بعده خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز رحمهما الله.
فيديو قد يعجبك: