الحب في عهد الرسول.. قصة "عاتكة" و "مهاجر أم قيس" و"زينب"
كتبت – آمال سامي:
لم ينكر الإسلام عاطفة "الحب" ولا أصحابه، بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آية في الحب، ونقصد به ذلك الحب بين الرجل والمرأة، فكان صلى الله عليه وسلم محبًا لخديجة حتى كان يكرم أصحابها بعد وفاتها، ويحن إليها وإلى ذكراها رغم مرور السنوات، وتزوجه بغيرها، وكان صلى الله عليه وسلم كذلك يحب زوجته عائشة رضي الله عنها حتى أجاب حين سئل عن أحب الناس إليه قائلًا بطلاقة: عائشة، وقيل من الرجال: فقال: أبوها، فلم يحرم صلى الله عليه وسلم الحب لا على نفسه ولا على أصحابه، وقد تعددت قصص الحب في الإسلام سواء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعده، ومن بين تلك القصص ما أخذت بشكل سلبي لما فيها من شوائب، ومنها أيضًا ما كان من أعظم قصص الحب والوفاء.. واليوم نستعرض ثلاثًا من هذه القصص، أولاها قصة زينب وأبي العاص بن ربيع..
قصة بنت رسول الله و"ابي العاص"
تزوجت السيدة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي العاص بن ربيع، ابن خالتها، قبل النبوة، وانجبت منه علي وأمامة، وتوفى ابنها وتزوجت ابنتها فيما بعد من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعلى الرغم من الحب الذي جمعهما، إلا أن زينب أسلمت وحدها، بينما خشي العاص بن ربيع أن يقال أنه قد خذل قومه، فقال لها: "فهلا عذرت وقدرت؟" فقالت: ومن يعذر إن لم أفعل؟
وهكذا مضت قصة حبهما في طريق شائك حتى التقى أبوها وزوجها في غزوة بدر، ليحارب ابو العاص أمام النبي صلى الله عليه وسلم لتبكي زينب قائلة: "إني أخشى من يوم تشرق فيه شمسك ييتم فيه ولدي أو أفقد أبي"، وكانت هذه الغزوة مرحلة فاصلة في حياتهما معا، إذ أسر أبا العاص بعد هزيمة المشركين في بدر على يد عبد الله بن جبير الأنصاري، وبث أهل مكة أفديتهم فجاء في فداء ابي العاص اخوه عمرو، وبعثت معه زينب قلادة أمها خديجة، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفها، ورق لها، فيقول الذهبي في سير أعلام النبلاء أنه قال لأصحابه: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فعلتم، قالوا: نعم، وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العهد على أبي العاص أن يرد إليه ابنته، وفرق بينهما.
وتعود قصتهما لتشتعل مرة أخرى حين خرج أبو العاص في قافلة إلى الشام لعير قريش، فأخذها المسلمون وأسروا من فيها وهرب أبو العاص لتجيره زينب رضي الله عنها، وطلبت من أبيها أن يرد عليه متاعه، وبالفعل عاد أبو العاص إلى مكة ليرد الأموال إلى أصحابها، ويرجع مرة أخرى إلى المدينة مسلمًا، بعد فراق دام ست سنوات بينهما.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهد لأبي العاص بالوفاء، ففي البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أَنْكَحْتُ (زوَّجْتُ) أبا العاص بن الربيع فَحَدَّثَنِي وَصَدَقنِي"، وفي رواية أخرى قال: "وَوَعَدَنِي فَأوْفَى لي".
قصة "عاتكة" و"عبد الله بن أبي بكر"
هي عاتكة بنت زيد بن عمرو، زوجة الشهداء، وهي إحدى الصحابيات الكرام، وأخوها واحد من المبشرين بالجنة، أسلمت وهاجرت وعرفت بجمالها وحسنها، تزوجت عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه وكان يحبها حبًا شديدًا، حتى أمره أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن يطلقها لما رأى حاله منشغلًا هائمًا بها، فلما طلقها حزن حزنًا شديدًا، وأنشد قائلًا:
يقولون طلقها وخيم مكانها ** مقيما تمنى النفس أحلام نائم
وإن فراقي أهل بيت جمعتهم ** على كثرة مني لإحدى العظائم
ثم عزم عليه أبوه حتى طلقها فتبعتها نفسه فسمعه أبوه يومًا يقول:
ولم أر مثلي طلق اليوم مثلها ** ولا مثلها من غير جرم تطلق
يقول ابن حجر في "الإصابة في تمييز الصحابة" أن أبا بكر لما سمع ما قاله ابنه رق له وأذن له أن يراجعها، واتفق عبد الله بن أبي بكر مع عاتكة ألا تتزوج بعد وفاته، وجعل لها جزء من ماله، وقتل عبد الله بن أبي بكر في حصار الطائف، فرثته بأبيات شعرية عديدة منها:
فآليت لا تنفك عيني حزينة ** عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
لكنها تزوجت بعد ذلك وردت لأهله ما أعطاها من مال، فتزوجت زيد بن الخطاب، واستشهد باليمامة، ثم تزوجها عمر ومات شهيدًا كذلك.
قصة "مهاجر أم قيس"
"مهاجر أم قيس" هي قصة من أشهر قصص الحب في التاريخ الإسلامي، ويعتقد أن فيها ذكر حديثًا نبويًا شريفًا يعد من الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوضح قواعد الدين الإسلامي وهو حديث: " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ"، فما هي قصة مهاجر أم قيس؟
روى الحافظ بن حجر قصة مهاجر أم قيس عن ابن مسعود رضي الله عنه، وهو أن رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس فرفضت الزواج منه حتى يهاجر، فهاجر وتزوجها، فيقول ابن مسعود: فكنا نسميه مهاجر أم قيس. ولم ترد معلومات كثيرة عن مهاجر ام قيس سوى تلك القصة، بل يقول ابن حجر في فتح الباري أنه لم يصل إليه اسم هذا الرجل، بينما أم قيس فقد ذكر ابن دحية ان اسمها "قيلة"، واستنبط ابن حجر ان كلاهما (أم قيس والرجل الذي هاجر من أجلها) من الهذليين، لقول ابن مسعود "رجل منا" وابن مسعود هذلي.
وقيل في روايات أخرى إن مهاجر أم قيس كان مولى وكانت المرأة التي أحب عربية، وكان العرب لا يزوجون المولى العربية ليراعوا الكفاءة في النسب، فلما جاء الإسلام ساوى بين المسلمين في الزواج ولم يفرق بين عربي وأعجمي ومولى وحر وغيره، فهاجر كثير من الناس إلى المدينة ليتزوجوا من كان لا يمكنهم الزواج منه قبل ذلك.
فيديو قد يعجبك: