كعبة كربلاء تثير الجدل.. ومبروك عطية يعلق: تكفير الناس ليس أمرًا هينًا
كتبت – آمال سامي:
مجسم بالعتبة الحسينية بكربلاء وضعه جماعة من الناس في احتفالاتهم بمولد الإمام علي في العراق، على الرغم من نفي "العتبة الحسينية" مسئوليتها عن وضعه، إلا أنه أثار جدلًا واسعًا وتدخلت عقب يومين لإزالته، وكان لرجال الدين الشيعة موقف حاد في التعليق على وضع هذا المجسم، وعلق مكتب المرجع الشيعي حسن الموسوي على ذلك بأنه عودة إلى الجاهلية الأولى وتحد صارخ لأوامر الله، وقال إنه حمل طابعا سياسيا لاستفزاز مشاعر المسلمين في العالم كله، بل وصفه البعض باعتباره كفرًا، حيث قال المرجع الديني الشيعي محمد مهدي الخالصي :"ما جرى من بناء هيكلية للكعبة المشرفة في مدينة الإمام الحسين الشهيد هو كفر بواح وارتداد عن الدين وافتراء وكذب على الله وتكذيب صريح للقرآن".
موقف علماء السنة من تجسيم الكعبة
وفي حوار خاص لمصراوي، علق الدكتور مبروك عطية، أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر الشريف، على هذا الأمر موضحًا الحكم الشرعي لتجسيم الكعبة، سواء في هذا الموقف، أو ما يفعله البعض لتعليم الناس والأطفال تحديدًا الطواف ومناسك الحج.
وأكد عطية أن تكفير الناس ليس بالأمر الهين لأنه موضوع كبير وخطير، ولكن يجب بيان ما يجوز وما لا يجوز، موضحًا أن الله سبحانه وتعالى جعل الكعبة في مكانها المعهود وقال: "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ "، وأشار عطية إلى أن مكان الكعبة معروف وفيها ما فيها من سرها الأعظم ومن بركات الله فيها، وليس لها مكان آخر ولا يجوز بحال من الأحوال وضع مجسم لها في مكان الآخر، إلا باستثناء واحد، وهو أن يكون ذلك المجسم صنع لتعليم الأطفال كيف يحجون، فهذا أمر آخر.
"العبث بالمقدسات لا يجوز شرعًا، وقد يفعله جاهل أو واهم بان ذلك من الحب أو تسلية النفس، فربما لا يستطيع العاشق أن يصل إلى مكانها في مكة"، لكن عطية يؤكد أن هذا غير جائز بأي حال، وقال أن تعليم الجاهل مأمور به شرعًا، ونصح الغافل مأمور به شرعًا، لكن إخراجه من الملة فلا يكون إلا إذا عتقد أنه يغني عن الكعبة في بيت الله الحرام فهو يحرف الكلم عن موضعه، أما كونها توضع في أي مكان لتعليم الكبار والصغار كيف يطوفون بطريقة عملية، يؤكد عطية أن هذا لا بأس فيه لأنه بمثابة وسيلة إيضاح وشرح، ولا يفهم منه أننا نقول للأطفال أن هذه الكعبة ويكفي ان تطوفوا حولها بدل أن تسافروا وما إلى ذلك.
ومن جانب آخر يوضح عطية اتفاق العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يصنع الأصنام والتماثيل إذا كانت بغرض العبادة والتعبد، لكنهم استثنوا جميعًا لعب الأطفال فلا كفر فيها ولا تأثير، فهي متعلقة بطفل يلاعب ويربى، لكن أن يفعل ذلك الكبار فلا يجوز بكل حال.
الافتاء تجيز مجسم الكعبة بهدف التعليم
"لا بأس بتعليم مناسك العمرة -عن طريق عمل مجسم للكعبة- بل إنه قد يرتقي إلى الاستحباب، وإذا لم يُمكِن فَهْمُ المنسك إلا به فقد يجب، على أن يتم ذلك في جو من التعظيم لشعائر الله كما قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)" هكذا أفتى سابقًا الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء أثناء توليه منصب الإفتاء، مؤكدًا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه بأساليب متنوعة، إذ جعل لهم ما يشبه اللوحات التوضيحية مثلما ورد في حديث ابن مسعود رضي الله عنه الوارد في البخاري إذ قال: خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطُطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ، وَقَالَ: "هَذَا الْإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ -أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ- وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الْخُطُطُ الصِّغَارُ الْأعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا".
وقال جمعة إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يمثل ما يحكيه بفعله كما في حديث الذين تكلموا في المهد، وكان يشبه الغائب بالشاهد لاستحضار الصورة، إذ شبه صلى الله عليه وسلم عدد من الأنبياء ببعض الصحابة، فورد في البخاري ومسلم تشبيهه لإبراهيم بأحد الصحابة إذ قال: " أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ"، يعني نفسه صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك ورد عنه تعليم الناس العبادات عمليًا في عدة أحاديث، وهذا ما كان عليه السلف الصالح أيضًا.
فيديو قد يعجبك: