لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في ذكرى وفاة محمد عمارة.. قصة تحول "معتقل يساري" لأبرز مفكر إسلامي في عصره

07:37 م الأحد 28 فبراير 2021

الدكتور محمد عمارة

كتبت – آمال سامي:

" نذرني أبي للعلم جنينًا وكان الوفاء واجبي منذ ولدت"، كانت هذه إحدى عبارات محمد عمارة المفكر الإسلامي الكبير، في أحد لقاءاته الصحفية لتلخص سيرته ومسيرته، فالمفكر الجليل الذي رحل عن عالمنا العام الماضي عن عمر يناهز 89 عامًا، ترك ميراثًا فكريًا ثريًا، فعلى الرغم من بداياته الماركسية، إلا أنه تحول في إحدى مراحل حياته كلية ليسلم الراية للفكر الإسلامي.

بداية ميلاد "المفكر" ودور كتاب المنفلوطي "النظرات"

في قلين بمحافظة كفر الشيخ، ولد محمد عمارة في إحدى قرى الريف المصري في الثامن من ديسمبر عام 1931م، وكان موافقًا للسابع والعشرين من رجب عام 1350 هـ، وكعادة أبناء عصره التحق عمارة بالكتاب ليتم فيه حفظ القرآن الكريم، ثم التحق عقبه بالمعهد الديني بدسوق عام 1945، وهكذا أستمر في سلسلة التعليم الديني حتى تخرج في كلية دار العلوم، وحصل منها على الماجستير في الفلسفة الإسلامية عام 1970، ثم الدكتوراة في نفس التخصص عقب ذلك بخمسة أعوام.

كان أول كتاب اشتراه عمارة في حياته كلها كتاب "النظرات" للمنفلوطي، وهو في السنة الثانية الابتدائية، حيث كان سئل أحد أساتذته التلاميذ عمن يشتري كتابًا خارج المقرر، فاشترى عمارة النظرات، وطلب الأستاذ من تلميذه أن يأتي معه بالكتاب فكان يقرأ منه في اليوم الدراسي، ويروي عمارة كم كان هذا الأستاذ، وهو الشيخ محمد كامل الفقي متميزا، حيث كان يشتغل بالسياسة ونفته الحكومة السعدية إلى مدينة دسوق، وفيه كتب أول قصيدة شعرية في حياته مادحًا.

امتلك عمارة أول مكتبة في حياته بالتقسيط، فحين فارق جاره الشيخ عبد التواب الشناوي الحياة، كان يملك مكتبة ضخمة تضم حوالي أربعة آلاف كتاب، لم يهتم بها أحد ورثته، فاشتراها عمارة منهم بالتقسيط وهو في السنة الأخيرة من الكلية، "كنت أقرأ حتى تتوه السطور في الصفحات من أمامي" يروي عمارة كيف كانت تلك المكتبة الثرية أساسًا في تكوينه الفكري، فقرأ فيها من التراث العربي والإسلامي وأيضًا من المترجمات، وقرأ فيها أيضًا نظرية التطور لدارون.

في 1959م، وبينما هو في السنة الأخيرة من دراسته، اعتقل محمد عمارة مع التنظيم اليساري وكوادر الماركسيين لفترة تجاوزت الخمس سنوات، وبعد خروجه من السجن، حصل عمارة على ليسانس دار العلوم، ورغم أنه يرى الوظيفة نوع من الاستعباد، فبعد تعيينه في الجمعية الاستهلاكية وهو ما اعتبره محاولة للقتل المعنوي، قدم على إجازة بدون مرتب ليذهب لدار الكتب فكان يعمل في دراساته العليا وعمله الفكري 18 ساعة يوميًا، ولم يتغير حاله بعد الزوج، فيقول عمارة عن زوجته وكيف كانت خير معين له: "عندما تزوجت كانت زوجتي متفهمة لطموحي الفكري فتركت دراستها العليا لتتفرغ للمنزل"

ملامح مشروع محمد عمارة الفكري

لا يوجد من يحكي عن مشروع محمد عمارة الفكري كعمارة نفسه، يقول عمارة إنه كان شبه متفرغ للعمل الفكري، فيقول في مرح إنه ينطبق عليه القول بأنه "اتجوز وقعد في البيت" لتفرغه التام للعمل الفكري، فحتى حين أكمل دراساته العليا يؤكد عمارة أن هدفه منها لم يكن نيل درجة علمية، بل كانت جزء من التأليف والسير في غمار مشروعه الفكري قائلًا إنه قد آثر مشروعه الفكري على كل شيء، كان غرض عمارة هو تجديد التراث الفكري الإسلامي وتحقيق النصوص، وهو ما استمر يفعله طوال حياته حتى في أًثناء فترة رئاسته لمجلة الأزهر، إذ حرص أن يكون كل كتاب مرفق مع اعدادها تحقيق لتراث إسلامي أو عمل فكري بالغ الأهمية.

"كان مشروعي يستهدف تكوين عقلية إسلامية مرتبطة بالهوية الإسلامية والجذور الإسلامية، وفي الوقت نفسه قادرة على رؤية الإسلام في ضوء الفكر الآخر ورؤية الفكر الآخر فى ضوء الإسلام" هكذا يصف عمارة مشروعه الفكري وهدفه في إحدى حواراته الصحفية، فانتقل من الماركسية إلى الفكر الإسلامي والموازنة التي حققتها بين العدالة الاجتماعية والمساوة وخدمة تلك الفكرة في مؤلفات كبيرة وسعي دؤوب لنشرها.

أكثر من مائتي مؤلف حصيلة رحلته الفكرية

تجاوزت مؤلفات الدكتور محمد عمارة المائتي مؤلف، في أسلوب سهل رشيق يمكنك ببساطة أن تتعرف على أفكاره وآرائه، وأيضًا أن تتعلم أبجديات الفكر الإسلامي، ففي كتابه "الوسيط في المذاهب والمصطلحات الإسلامية" يقدم عمارة ما يمكن اعتباره قاموسًا سهلًا، يستطيع القاريء من خلاله التعرف على أهم ما يحتاجه عن المذاهب والفرق والمصطلحات الإسلامية، فيعرف باختصار السلف والسلفية، وفرق الشيعة ومعنى التشيع، ومصطلحات كالوحي الإلهي والوجودية والتكفير.

حقق محمد عمارة كذلك الكثير من الأعمال فحقق لكتابات محمد عبده ورفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني وقاسم أمين وعلي مبارك، وكذلك كتب عن أبرز المفكرين في الإسلام، وناقش أبرز القضايا، فمن أبرز مؤلفاته:

· التفسير الماركسي للإسلام

· نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم

· التعددية: الرؤية الإسلامية والتحديات الغربية

· الإسلام وفلسفة الحكم

· القدس بين اليهودية والإسلام

· شبهات حول الإسلام

· فقه الصراع على القدس وفلسطين

· تجديد الدنيا بتجديد الدين

· ابن رشد بين الغرب والإسلام

· السنة النبوية والمعرفة الإنسانية

كان عمارة قبل وفاته عضوا في العديد من المؤسسات الفكرية ابزرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في مصر، وكان عضوًا لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وكذلك هيئة كبار العلماء، وتولى رئاسة تحرير مجلة الأزهر أربعة سنوات، من 2011 وحتى يونيو 2015 نشر خلالها 50 كتابًا علميًا.

"رحيل الدكتور محمد عمارة ترك فراغًا يصعب ملؤه في صفوف كبار العلماء الذين يحملون على عاتقهم أمانة العلم، وصدق الكلمة" بهذه الكلمات نعى الأزهر في بيان طويل له الدكتور محمد عمارة عقب وفاته في مساء الجمعة، في العام الماضي في مثل هذا اليوم.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان