حديث ومعنى (26): كان الرسول "أَجْوَد مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ"
كتب- محمد قادوس:
يقدم مركز الأزهر العالمي للرصد والإفتاء الالكتروني "خاص مصراوي" تفسيرا ميسرا لبعض الأحاديث النبوية الصحيحة والتي تتعلق بالصيام وشهر رمضان المبارك، ومنها حديث عن ابنِ عباسٍ - رضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ" متفقٌ عَلَيْهِ.
وجاء في تفسير الدكتور أحمد شبل، عضو مركز الازهر الشريف، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب أروع المثل في السخاء والعطاء، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، لأنه متوكل على ربه معتمدٌ عليه في كل شئونه، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمح بالموجود، لكونه مطبوعًا علي الجود مستغنيًا عن الفانيات بالباقيات الصالحات، وكان إذا أحسن عاد، وإن وجد جاد، وإن لم يجد وعد ولم يخلف الميعاد، فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: «مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ: لَا» أخرجه مسلم، وعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: «أَيْ قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَوَاللهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ» أخرجه مسلم.
وعلى الرغم من جوده وكرمه عمومًا فإن ذلك كان يتضاعف في شهر رمضان، وهذا يُفَسِّرُ تقديم ابن عباس - رضي الله عنمها – قوله: "كان أجود الناس" قبل أن يذكر جوده في رمضان؛ لئلا يفهم أن جوده - صلى الله عليه وسلم - كان في رمضان فقط، فأثبت له الأجودية المطلقة أولا، ثم عطف عليها زيادة ذلك في رمضان.
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يَكْثُرُ كرمه في رمضان؛ لأسباب: أحدها: أن رمضان موسم الخيرات، وثانيها: أن الله - تعالى - يتفضل علي عباده في ذلك الشهر ما لا يتفضل عليهم في غيره، وكان - صلى الله عليه وسلم - يؤثر متابعة سنة الله - تعالى - في عباده، وثالثها: أنه كان يسبشر بملاقاة أمين الوحى ويعتبر ذلك منحة حيث يفيض عليه من كلام ربه ويمده بفيوضاته، فينعم علي عباد الله بما يمكنه مما أنعم الله عليه، ويحسن إليهم كما أحسن الله إليه شكرًا لله على ما آتاه.
ولذلك كان في كرمه وعطائه - صلى الله عليه وسلم - مثل الريح التي أرسلت بالقطر والمطر فتسببت في إنبات الأرض وسقي الزرع فعم العطاءٍ للناس بلا حد ولا حصر، وشتان ما بين الأثرين؛ فإن أحدهما يحيي القلب بعد موته، والآخر يحيي الأرض بعد موتها.
هذا وقد أصبح الجود والكرم سمةً من سمات شهر رمضان ومرتبطًا به؛ بسبب هذا الخلق الكريم من النبي - صلى الله عليه وسلم - وتأسى به السلف الصالح - رضي الله عنهم - فقد روي عن ابن عمر - رضي لله عنهما - أنه كان يصوم ولا يفطر إلَّا مع المساكين، فإذا منعهم أهله عنه لم يتعشَّ تلك الليلة.
وروي عن الشافعي - رحمه الله - أنه قال: أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثيرٍ منهم بالصَّوم والصلاة عن مكاسبهم.
وكان ابن شهاب الزهري يقول: إذا دخل رمضان فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.
وكان حماد بن أبي سليمان يفطِّر في شهر رمضان خمس مائة إنسان، وإنه كان يعطيهم بعد العيد لكل واحد مائة درهم.
وإذا كان جود النبي - صلى الله عليه وسلم - وكرمه عامًّا في جميع العام، ويتأكد ويتضاعف في رمضان خاصة فإنه يتضاعف أكثر حين يلتقي به جبريل - عليه السلام - لمدارسة كتاب الله - تعالى - ولذلك نجد أن الحديث فَضَّل أولاً جوده مطلقًا علي جود الناس كلهم، ثم فَضَّل ثانيًا جود كونه في رمضان على جوده في سائر أوقاته، ثم فضل ثالثًا جوده في ليالي رمضان عند لقاء جبريل علي جوده في رمضان مطلقًا، ثم شبهه بالريح، ووصفها بالمرسلة، ولا ارتياب أن مرسلها هو الله - تعالى - وإذا كان الله - تعالى - هو المرسل لها، فإن هذا من جوده - سبحانه - وأكرم بجود مشبه بجود الله - تعالى -.
وفي الحديث - أيضًا - فضل قراءة القرآن ومدارسته في شهر رمضان وحرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك ولم لا ورمضان شهر القرآن الذي نزل فيه {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].
فيديو قد يعجبك: