في اليوم العالمي للأب.. فضل الأب في الإسلام ومعنى حديث: أنت ومالك لأبيك
كتبت – آمال سامي:
في اليوم العالمي للأب، يغفل كثيرون عن فضل الأب في الإسلام وحقوقه، فعلى الرغم من تأكيد النصوص كثيرًا على حقوق الوالدين، إلا أن البعض يجهلون ما للأب من مكانة كبيرة في حياة أبنائه، وفي الشرع وفي التوصية بالبر به والإحسان إليه، وقد جعل الله سبحانه وتعالى البر والإحسان بالوالدين أول أمر بعد الإيمان به، فقال تعالى: " وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا"، وأمر الله سبحانه وتعالى عباده بدوام شكره على نعمة الوالدين وكذلك شكرهما لعظيم فضلهما على الأبناء، فقال: " وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ".
وقد ورد في فضل الأب وعظيم حقه العديد من الأحاديث النبوية، منها قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه" يقول النووي في شرحه للحديث: " أي لا يكافئه بإحسانه وقضاء حقه إلا أن يعتقه ".
بر الأب بعد وفاته
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث الفضل بن عباس رضي الله عنهما ما يفيد بالحج عن الاب إذا توفى ولم يؤد الفريضة، إذ قال الفضل إن امرأة قالت: "يا رسول الله، إن أبي شيخٌ كبيرٌ، قد أدركته فريضة الله في الحج، وهو شيخ كبير، لا يستطيع أن يستوي على ظهر البعير، قال: (حجِّي عن أبيك)"
قصة جابر بن عبد الله مع أبيه
تجسد قصة جابر بن عبد الله مع أبيه معنى البر بالآباء، إذ التزم جابر بوصية أبيه له قبل وفاته، بل لم تطب نفسه أن يتركه مع آخر في قبره، فيقول جابر بن عبدالله رضي الله عنه، قال: "لما حضر قتال أُحُد، دعاني أبي من الليل، فقال: إني أراني إلا مقتولًا في أول مَنْ يُقتَل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني والله ما أدَعُ أحدًا؛ يعني: أعزَّ عليَّ منك بعد نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن عليَّ دَيْنًا، فاقْضِ عنِّي ديني، واستوصِ بأخواتك خيرًا، فأصبحنا، فكان أول قتيل، فدفنتُه مع آخر في قبر، ثم لم تَطِبْ نفسي أن أتركَه مع آخر في قبر، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضَعَتْه غير أُذنه".
صلة أصدقاء الأب ورحمه بعد وفاته
" إن أَبَرَّ البِرِّ أن يَصِلَ الرجلُ وُدَّ أبيه" يروي ابن عمر رضي الله عنه هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يعني أن من أفضل أعمال البر أن يصل الابن من كان الأب حريصا على صلتهم في حياته سواء من رحمه أو أصدقاءه، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رجلًا من الأعراب لَقِيَهُ بطريق مكة، فسلَّم عليه عبدُالله بن عمر، وحمَلَه على حمارٍ كان يركبه، وأعطاه عمامةً كانت على رأسه، قال ابن دينار: فقلنا له: أصلَحَك الله! إنهم الأعراب وهم يَرضَوْن باليسير؟! فقال عبدالله بن عمر: إن أبَا هذا كان وُدًّا لعمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، وإني سمعتُ رسول الله يقول: "إن أبَرَّ البرِّ صلةُ الرجلِ أهلَ وُدِّ أبيه"
ويعلق الإمام النووي على الحديث السابق قائلًا: " وفي هذا فضل صلة أصدقاء الأب، والإحسان إليهم، وإكرامهم، وهو متضمَّن لبِرِّ الأب وإكرامه؛ لكونه بسببه، ويلتحق به أصدقاء الأُمِّ والأجداد".
"أنت ومالك لأبيك"
يشرح الشيخ السيد سابق في كتاب "فقه السنة" الحديث السابق، قائلًا: وأما أخذ الوالدين من مال ابنهما فإنه يجوز لهما أن يأخذا منه سواء أذن الولد أم لم يأذن ، ويجوز أن يتصرف فيه مالم يكن ذلك على وجه السرف أو السفه للحديث المتقدم ، ولحديث جابر رضي الله عنه الذي رواه بن ماجه أن رجلاً قال يارسول الله إن لي مالاً وولداً وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فقال صلى الله عليه وسلم : " أنت ومالك لأبيك" واللام هنا للإباحة وليست للتمليك ، وذهب الأئمة الثلاثة إلى أنه لايأخذ من مال ابنه إلا بقدر الحاجة ، وقال أحمد له أن يأخذ من مال ولده ماشاء عند الحاجة وغيرها.
لكن هل معنى ذلك أن الأب له سلطة التحكم في مال ابنه واخذ ما يشاء؟
يقول الدكتور أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن الأب أحيانا يستخدم هذا الحديث بفهم "اعوج" فيبدد أموال ولده، قائلًا أن "اللام" في أنت ومالك لأبيك، ليست لام للملك، فالحديث هو كناية عن شدة البر بالآباء، ولا تعني أنه ملك له يتصرف فيه كما يشاء، ولكن أن يبر أباه ويكرمه ولا يبخل عليه بشيء مع الحفاظ على الذمم المالية مستقلة، وذكر ممدوح أقوال العلماء في استغلال الآباء لمثل هذا الحديث: "فإذا اجتاح الأب ما للابن فهو حرام باتفاق".
فيديو قد يعجبك: