خطيب المسجد الحرام: كثر العلم وانتشر الجهل.. ولكن هذه أعظم ازدواجية في حياة المسلم
وكالات:
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالله بن عواد الجهني المسلمين بتقوى الله عز وجل والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم من المسجد الحرام- نقلا عن وكالة الأنباء السعودية واس: إن الدنيا دار ابتلاءات ومحن والحصيف من تحرز لنفسه ولدينه حتى لا يقع في الفتن ولينجو منها ، واعظم الخلق غرورا من اغتر بالدنيا وعاجلها ، فاثرها على الاخرة ، ورضي بها من الاخرة، فمن اعتصم بحبل الله واستنار بنور الله وتمسك بكتاب الله استقام ونجا ، ومن أفلت السبب وأغمض عينه عن النور وصدَّ عن الصراط المستقيم، تاه وهلك والعياذ بالله تعالى، وفي هذه الدنيا يسبح الانسان في بحر الحياة بين أمواج الهواجس والأفكار والوساوس والظنون والأهواء والشهوات وأعاصير الأعراض ، والذى خلق الإنسان وخلق فيه أفكاره ووساوسه وغرائزه ، وخلق الأعراض التي تحيط به ، لم يغفل عنه ولم يُهمله ، بل أعطاه عقلاً وبصيرة، وأرسل إليه رسولاً وأنزل عليه نظاماً يوجهه في مسيرته في هذه الحياة ، ومد له سبياً متصلاً بشاطئ النجاة وفيه عروة وثيقة لا تفصم، فهو كمثل زورق في بحر لجى يرفعه الموج ويخفضه ، وتُحركه الرياح يميناً وشمالا ، فلا بد له من يُوصله ويحدد اتجاهه ، ولا بد له من ربان ماهر يعرف الممرات يسير به إلى اتجاه المرسى ، فإذا لم يكن كذلك ضَلَّ في المتاهات وغرق .
وأشار الجهني قائلاً: من هذا المثل نتعرف على الازدواجية والاختلاف في هذا الزمن ، فقد كثر العلم وانتشر الجهل ، وكثرت الأموال وزاد الفقر ، وتطور الطب وفشت الأمراض ، كثر العلم فى النظريات والصناعات والفلسفات ، ولكن كثر الجهل بواجب الإنسان ورسالته في هذه الحياة ، فصار العلم بدون تقوى ، وعلى غير هدى . فاستغلت العلوم لغير ما خُلقت له ، خُلقت لتكون دليلاً على قدرة خالقها ووحدانيته ، ولتكون رابطة بين الإنسان وخالقه ، خُلقت لتكون عوناً للإنسان على طاعة ربه ، ولكن العلم بعيد عن هذا الآن إلا ما شاء الله، فقد استعملت بعض العلوم الآن للتخريب والتدمير والصد عن دين الله ، واستعباد الضعيف ، والسبب في ذلك فصل العلم عن الإيمان ، فإلى متى هذه الجهالة ؟ تطور الاقتصاد وكثرت الأموال فزادت النفوس شحاً وبخلاً ونهمة في جمع الأموال بالحلال والحرام ، بحق وبدون حق ، شارب ماء البحر كلما زاد شرباً ازداد عطشا. فبعض الناس ينفق مئات الألوف فى رحلة سياحية ، ولكنه لا يواسي فقيراً ولا يعطف على يتيم ؛ والسبب فى ذلك الجهل بنظام الإسلام ، والجهل بالحسنى.
ونوه بأن أعظم الازدواجية في حياتِنا هو الازدواجية في أمرِ دينِنا، نعلمُ الخيرَ ونأتي منه ما أردْنا ، ونعلمُ الشرَ ونجتنبُ منه ما شئنا ، نعلمُ الهدى ولا ندخلُ فيه كلِه ، ونعلمُ الضلالَ ولا نخرجُ منه كلِه ، اعتمادُنا على رحمةِ اللهِ تعالى ومغفرتِه ، وكأننا لا نقرأُ القرآنَ ، فلما ذكرَ اللهُ تعالى أن رحمته وسعت كل شيء، ذكرَ أهلَها وأحقَ الناسِ بها، قال: (فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) فاتقوا الله يا أمة الإسلام : ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْتَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِنَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شهيدا ) اللهم بارك لنا فى القرآن العظيم ، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولى هذا ، وأستغفر لى ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه ، إنه هو الغفور الرحيم.
وأردف قائلاً : اعلموا أن الإيمان والتقوى يستفتح أبواب البركات من السماء والأرض، والمعصية والطغيان قد تفتح أبواب كل شي فتنة واستدراجًا ، مما يوجب شدة الحذر من المعاصي في الامة ، وعدم الغفلة عما في ايدي الناس من النعم والقيام بشكرها ، وعدم الاغترار بما فتح الله على الكفار من أبواب كل شي ، واعلموا ان العزة والكرامة في طاعة الله ، والذلة والهوان في معصية الله ، فاقنعوا بما احل الله وازهدوا فيما حرم الله، وتيقنوا أن الأجال وتصريف الأمور بيدالله عزوجل ، فلا يدري المرء ماذا سيصيبه في صباحه ومسائه ، فخذوا حذركم وحاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا ، وأوزنوها قبل ان توزنوا، واكثروا من الصلاة والتسليم على نبينا الكريم فقد امركم بذلك في كتابه الكريم ، وقال عليه الصلاة والسلام: ( من صلى علي مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرا ).
فيديو قد يعجبك: