لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

هل أباح الإمام أبو حنيفة الزنا بأجرة؟.. عالم أزهري يطرح السؤال ويحسم الجدل

12:27 م الخميس 26 سبتمبر 2024

الدكتور محمد إبراهيم العشماوي

كـتب- علي شبل:

برد علمي شرعي، استغرق إعداده أسبوعا- على حد قوله- حسم الدكتور محمد إبراهيم العشماوي، أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف، الجدل الذي دار مؤخرا حول زواج المساكنة والادعاء بأن الإمام أبا حنيفة أباح الزنا بأجر.

يقول العشماوي: لا ندري من أين نتلقى الشبهات التي تتقاذف علينا كل يوم كالمطر؟! من المتشددين المتطرفين أم من المتساهلين المتهاونين؟! فكلاهما يريد دينا على هواه، ليس هو الدين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله!

وأضاف العشماوي، في منشور أرسله لمصراوي ونشره عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، أن آخر ما دهتنا به بعض العقول الشيطانية الخربة؛ ما ادعاه بعضهم - في سبيل القول بِحِلِّ المساكنة بين الرجل والمرأة في مكان واحد، بدون زواج - من أن الإمام أبا حنيفة رضي الله عنها أجاز الزنا بالأجرة، وهو كلام لا يخرج إلا من مخمور فكريا، لا يدري ما يخرج من رأسه، لغلبة الهوى والشهوة عليه!

ويقول أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر: الحق أنني حين كنت طالبا في الثانوية الأزهرية، وكان مذهبي حنفيا، وكنت أَدْرُسُ كتاب [الاختيار لتعليل المختار] في فقه السادة الحنفية، للإمام عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي، فكنت إذا جاء المدرس على كتاب [الحدود] منه، وانتهى إلى عبارة المصنف رحمه الله: "ولو استأجر امرأة ليزني بها، وزني بها .. فلا حد عليه، ويُعَزَّر"، فكنت أشمئز من هذه العبارة، وأستنكرها أشد الاستنكار، وأسأل المدرس: كيف يقول الإمام أبو حنيفة هذا الكلام؟! إن معظم الزناة يزنون بأجرة، وتوجد أماكن مخصوصة لهذا، فهل كلام الإمام أبي حنيفة إلا ترويج للزنا؟! فكان المدرس لا يملك ردا مقنعا!.. هكذا كنت أفهم، وكان فهما ساذجا، حتى أثيرت هذه المسألة مؤخرا، فاضطررت إلى مزيد البحث عنها!

وأضاف العشماوي: الحق أن ادعاء أن الإمام أبا حنيفة أباح الزنا بأجرة؛ ادعاء باطل من أساسه، للأسباب الآتية:

أولا: أن كلام الإمام لا يتضمن معنى الإباحة، وكيف يبيح شيئا حرمه الشرع، واتفقت الأمة على تحريمه، وعدِّه من الكبائر، فضلا عن الفقهاء، فضلا عن كبار الأئمة؟!

ولكنه يتضمن معنى إسقاط الحد الشرعي، نظرا لقيام الشبهة، فالخلاف بين الفقهاء وأبي حنيفة في تصوير المسألة، وتكييفها، هل هي زنا صريح أم فيه شبهة؟! وقد استند الإمام أبو حنيفة إلى واقعتين في المسألة، حكم فيهما سيدنا عمر بإسقاط الحد، نظرا لقيام الشبهة!

ثانيا: الذي أسقطه الإمام أبو حنيفة هو الحد الشرعي، نظرا لقيام الشبهة، والحدود إنما تُدرأ بالشبهات، وهو مبدأ قضائي إسلامي عام، ولأن يخطئ القاضي في العفو خيرٌ من أن يخطئ في العقوبة، لا سيما والعقوبة رجم حتى الموت، إن كان الزاني محصنا، أو جلد قد يفضي إلى الموت، إن كان غير محصن!

ولفت إلى أن الشبهة التي أوجبت سقوط الحد عند الإمام أبي حنيفة؛ وجود الأجرة؛ لأن الإجارة تمليك المنافع، ومنافع البُضْع - الفَرْج - منافع، فأورث شبهة، وصار كالمتعة، ولا حد في المتعة!.. وكان المعهود الغالب في الزنا في زمانهم؛ أنه يكون بغير مال!

ويرى الإمام أبو حنيفة - كما يقول السرخسي في [المبسوط] - أنه لو قال لها: "أمهرتك كذا - أي دفعتُ لكِ مهرا - لأزني بكِ"؛ لم يجب الحد؛ لأنه سمى الأجرة مهرا، فكذلك إذا قال: "استأجرتك؛ لأزني بكِ"!

توضيحه: أن هذا الفعل ليس بزنا، وأهل اللغة لا يسمون الوطء الذي يترتب على العقد زنا، ولا يفصلون بين الزنا وغيره إلا بالعقد، فكذلك لا يفصلون بين الاستئجار والنكاح؛ لأن الفرق بينهما شرعي، وأهل اللغة لا يعرفون ذلك، فعرفنا أن هذا الفعل ليس بزنا لغة، وذلك شبهة في المنع من وجوب الحد حقا لله تعالى، كما لا يجب الحد على المختلس؛ لأن فعله ليس بسرقة لغة، يوضحه أن المستوفَى بالوطء - وإن كان في حكم العين - فهو في الحقيقة منفعة، والاستئجار عقدٌ مشروعٌ، لملك المنفعة، وباعتبار هذه الحقيقة يصير شبهة، بخلاف الاستئجار للطبخ والخَبز، ولأن العقد هناك غير مضاف إلى المستوفى بالوطء، ولا إلى ما هو سبب له، والعقد المضاف إلى محل؛ يوجب الشبهة في ذلك المحل، لا في محل آخر!

وواضح من هذا النص - يقول العشماوي- أن الإمام يفرِّق بين ما إذا استأجرها للزنا، فلا يوجب الحد للشبهة، وهي وجود الأجرة على الزنا، وهي شبيهة بالمهر، وبنكاح المتعة، وبين ما إذا استأجرها للطبخ أو للخَبز، ثم زنا بها؛ فإنه يوجب الحد!

وكذلك إذا زنى بها بإذنها؛ فإنه يجب الحد؛ لأنه لا أثر للإذن والرضا بالفعل، في رفع الحرمة، وإسقاط العقوبة!

ومن هنا تتبين لك وجهة نظر الإمام!

ثالثا: لم يُسقط الإمام أبو حنيفة مطلق العقوبة؛ لأنه حكم عليه بالتعزير، بعد إسقاط الحد، والتعزير عقوبة غير مقدرة شرعا، وهي سلطة تقديرية للقاضي، وأكثر الفقهاء أنها لا تُجاوز الحد، فأكثرها تسعة وثلاثون جلدة، حتى لا تصل إلى أربعين، وهو أقل حد في الشريعة الإسلامية، حد شارب الخمر، وأقلها ثلاثة، وبعضهم يجاوز بها الحد؛ لأن القصد منها الزجر!

ويتساءل العشماوي: فهل القائل بالعقوبة يُعد مبيحا للفعل؟! أم أنه يرى أنه جريمة بدليل قوله بالعقوبة؟!

رابعا: لم يقل الإمام أبو حنيفة هذا الرأي من تلقاء نفسه، وإنما استدل بما روي من أن امرأة استسقت راعيا لبنا، فأبى أن يسقيها حتى تمكِّنه من نفسها، ففعلت، ثم رفع الأمر إلى عمر رضي الله عنه، فدرأ الحد عنهما؛ وقال: ذلك مهرها!

وبأن امرأة سألت رجلا مالا، فأبى حتى تمكِّنه من نفسها، فدفع عمر الحد، وقال: هذا مهر!

ويرى الإمام أبو حنيفة أنه لا يجوز أن يقال هنا: إنما درأ الحد عنها؛ لأنها كانت مضطرة، تخاف الهلاك من العطش؛ لأن هذا المعنى لا يوجب سقوط الحد عنه - أي عن الرجل، وقد درأ عمر الحد عنهما معا - وهو - أي الاضطرار - غير موجود فيما إذا كانت سائلة مالًا، كما في الحديث الثاني، مع أن عمر علَّل، فقال: "إن هذا مهر"، ومعنى هذا أن المهر والأجر يتقاربان، قال تعالى: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن}، سُمِّيَ المهر أجرا!

خامسا: وعلى الرغم من ذلك، وبرغم اجتهاد الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - على هذا النحو الذي استند فيه إلى المنقول والمعقول والعرف واللغة؛ إلا أن جماهير الفقهاء خالفوه فيما ذهب إليه، ورأوا وجوب حد الزنا على من استأجر امرأة ليزني بها، حتى أهل مذهبه وأصحابه، ولم يراعوا خلافه، لضعف مَدركه في تلك المسألة!

وختم العشماوي بما ورد في [المبسوط] في فقه الحنفية: "رجل استأجر امرأة ليزني بها، فزنى بها؛ فلا حد عليهما، في قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى: عليهما الحد؛ لتحقق فعل الزنا منهما؛ فإن الاستئجار ليس بطريق لاستباحة البُضْع شرعا، فكان لغوا، بمنزلة ما لو استأجرها للطبخ أو الخَبز، ثم زنى بها، وهذا؛ لأن محل الاستئجار منفعة، لها حكم المالية، والمستوفَى بالوطء في حكم العتق، وهو ليس بمال أصلا، والعقد بدون محله؛ لا ينعقد أصلا، فإذا لم ينعقد به؛ كان هو والإذن سواء".

سادسا: قد أشار ابن حزم في [المُحَلَّى] إلى أن قول أبي حنيفة تطريق للفساد، وتعليم للناس الحيلة في الفجور، مع الهروب من العقوبة، فقال: "ألا إن هذا هو التطريق إلى الزنا، وإباحة الفروج المحرمة، وعون لإبليس على تسهيل الكبائر، وعلى هذا لا يشاء زانٍ ولا زانية أن يزنيا علانية؛ إلا فعلا وهما في أمنِ مِن الحد، بأن يعطيها درهما، يستأجرها به للزنا". انتهى.

ومع ما في كلام ابن حزم من تشنيع على الإمام أبي حنيفة، واتهام له بلازم مذهبه، مع أن لازم المذهب ليس بمذهب، ولسنا معه في هذا التشنيع؛ إلا أن كلامه قد أثبته الواقع، كما رأيناه مؤخرا، من استغلال بعض ضعفاء النفوس كلام الإمام للترويج لشهواتهم ونزواتهم، وهم في مأمنٍ من العقوبة!

ويقول أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر: لعل هذا يجعلنا نجزم بأن الإمام أبا حنيفة لو كان حيا بيننا الآن؛ لرجع عن قوله، وغيَّر فتواه، كما فعل كثير من الصحابة والتابعين، وأئمة الفقه في الدين، بعد ما لاح لهم من الأسباب والقرائن وتغير الحال؛ ما يقتضي تغير الفتوى، مثلما غيَّر عمر الفتوى بوقوع الطلاق الثلاث واحدة، والتي كان معمولا بها في عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلافة أبي بكر، وصدر خلافة عمر، فجعل طلاق الثلاث ثلاثا، بعد أن كانت واحدة، بسبب تغير حال الناس، واستعجالهم في أمر كانت لهم فيه أَناةٌ!

وختم العشماوي، قائلًا: يستفاد من مجموع ما ذُكر؛ أن الفقيه المجتهد؛ له أن يغيِّر فتواه إذا وُجدت الضرورة أو الحاجة الداعية إلى ذلك، وأن أكثر الناس يميلون إلى الأخذ بالرخص، وبما يوافق أهواءهم من مذاهب العلماء، كما في المسألة التي معنا، وأن الراجح من المذاهب، بل الصواب؛ أن الاستئجار على الزنا؛ زنا، وأنه يجب فيه الحد على الرجل المستأجِر، وعلى المرأة المستأجَرة، وبالله التوفيق.

اقرأ أيضًا:

منها قراءة آيات السكينة.. 5 نصائح لعلاج الاكتئاب ينصح بها رمضان عبدالرازق

هل يجب قضاء الصلوات الفائتة وكيف نقضيها؟.. وأمين الفتوى يقدم نصيحة عملية

بالفيديو| أمين الفتوى يوضح حكم صلة الرحم لأهل الزوج

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان