معمار سنان.. مهندس عثماني بنى 81 مسجدا تشهد على عصره الذهبي
يزور مدينة إسطنبول التركية ملايين السائحين كل عام ويستمتع جميعهم بما يرونه من مشاهد خلابة ومعمار متميز في كل الأزقة والأماكن الشامخة في المدينة بين قصور وجوامع وقباب وكل ما له علاقة بالمعمار والزخرفة والفن، ويظهر على الكثير منهم لحظة انبهارهم بضخامة المشهد وجماله، من الذي صنع هذا؟ ومن الذي تفنن وأبدع بكل هذا التفصيل والعناية؟.
هو أشهر المعماريين العثمانيين الذين مروا في التاريخ، إبن الأناضول وصاحب أعمال معمارية خلدت في التاريخ ولا تزال، كرس حياته لخدمة فنّه وإبداعه وأبدع وأبهر في هذا، دقيق في عمله فنان في ذوقه مبدع في أفكاره، هو المعماري الفذّ “خوجه معمار سنان آغا”.
من هو معمار سنان؟
ولد سنان آغا في قرية آغرناص، التابعة لولاية قيصرية في الأناضول، بين أحضان عائلة أرمنية أرثوذكسية، في عام 1490م وعاش في القرن العاشر الهجري في العصر الذهبي للعمارة العثمانية حيث تقلد منصب رئيس المعماريين في الدولة في عهد أربع سلاطين عثمانيين وهو سليم الأول وسليمان الأول وسليم الثاني ومراد الثالث.
وبدأت حكاية سنان آغا منذ بلغ سن الرشد حيث أرسلته عائلته في 1511 في عهد السلطان ياووز سليم إلى إسطنبول دوشيرمي، أنّا ترعرع بين أحضان القصر وتلقى العلوم الدينية والدنيوية ما جعله من أشهر المهندسين المعماريين والرسامين المبدعين إبان عهد بايزيد الثاني بن محمد الفاتح.
المعماري الفذّ أسلم وهو في سن الثالثة والعشرين حيث انضم بعد ذلك إلى الجيش الإناكشاري، الذي ضل فيه 17 عاما، عندما كان السلطان سليم الأول يستعد لشن حملة على الشاه إسماعيل الصفوي. والتحق بعد ذلك بمدرسة عسكرية ابتدائية تعلم فيها القراءة والكتابة والفنون التطبيقية وتخصص في النجارة.
واستفاد سنان آغا من فترة مكوثه في الجيش ليتعلم عديد المهرات والقدرات بعد إطلاعه على الكثير من الآثار البيزنطية والسلجوقية في إسطنبول والأناضول إضافة إلى إطلاعه على مدينة تبريز وآثارها المعمارية الإيرانية وعاين الطرز المعمارية العربية في حلب والقاهرة من الأيوبية والمملوكية وفنون العمارة في دمشق.
عين الصدر الأعظم سنان أغا كبيرا للمعماريين في الدولة العثمانية أنذاك، عرفانا له على ما قدمه للدولة و للفن باكمله- حتى أن العالم الألماني وأستاذ تاريخ العمارة في جامعة فييينا ه.كلوك قال عنه “إنه يتفوق فنيا على مايكل أنجلو صاحب أكبر إسم فني في الحضارة الأوروبية” – وإعترافا بمنجزاته فقد تم تغيير اسم أكادمية الفنون في إسطنبول في عام 1982 إلى جامعة “معمار سنان للفنون الجميلة”.
بعد حصول سنان آغا على منصب كبير المعماريين تفرغ تمامًا لإنشاء المباني المعمارية المتنوعة من مساجد ومدارس وكليات تعليمية وقصور، وتميزت جميع مبانيه المعمارية بالجمال والدقة والإبداع والبراعة، حيث عمل لمدة 49 عامًا في مجال الإنشاء المعماري فشيد 36 قصرا، مثل القصر العتيق والقصر الجديد في إسطنبول. وشيد أيضا 8 جسور ،مثل جسر سيليفري وبيوك تشكماجا في إسطنبول، و81 مسجدًا يأتي على رأسهم جامع السليمانية والشيخ زاده ومهرمه سلطان في إسطنبول والسليمية في إديرنة.
جامع شهزاد محمد وكليته
بني هذان الصرحان بين عامي 1548 و1544 وابتكر فيهم المعماري سنان آغا نموذجا جديدا للقبة المركزية وأنصاف القبب الأربعة الدائرة من حولها كارتكاز للفراغ الواسع للقبة المركزية، وبذلك يكون سنان آغا قد عالج مشكلة القباب التي أرهقت المعماريين قبله.
جامع السليمانية في إسطنبول
هذا الجامع معلم تاريخي ومحل إقبال كبير من كل السائحين وهو من أشهر أعمال سنان المعمارية المنجزة في عهد السلطان سليمان القانوني عام 1557م فقد قدم فيه تصميماً جديدا وجريئا أحدث تحول هاما في فن العمارة العثمانية والإسلامية.
جامع السليمية بأدرنة
وتم بناء الجامع، الذي يعد من أعظم ما بني سنان آغا حسب الخبراء، بين عامي 1568م و1574م ويقول سنان آغا في تفسيره لأسباب إبداعه في هذا المبنى “إن المعماريين الآخرين يقولون إننا متفوقون على المسلمين لأن عالم الإسلام يخلو من قبة عظيمة مثل آيا صوفيا، وإن بناء مثل هذه القبة الضخمة أمر غاية في الصعوبة، وكان لكلامهم هذا تأثيره المؤلم في قلب هذا العبد العاجز، لذلك بذلت الهمة العالية في بناء هذا الجامع، وبعون الله ثم بتشجيع السلطان سليم خان قمت بإظهار المقدرة، وأقمت قبة هذا الجامع أعلى من قبة آيا صوفيا بستة أذرع وأعمق بأربعة أذرع”.
وإضافة إلى ما سبق فقد أبدع سنان آغا أيضا في مسجد خان جامعي في إيفباتوريا بشبه جزيرة القرم وجامع التكية السليمانية في دمشق بين 1554 و1555م كما وضع تصميم جامع الملكة صفية في القاهرة.
وغير المساجد والقصور بنى المعماري العثماني 17 ضريحا للسلاطين والأمراء مثل ضريح السلطان سليمان في بيازيد بإسطنبول ومستشفيات ودور تأهيل يأتي على رأسها دار العجزة في إسطنبول إضافة إلى 5 طرق مائية و8 مخازم مثل مخزن القمح في حي كاغيت خانة و48 حماما مثل حمام السلطان سليمان وحمام هريّم و55 كلية ومدرسة تعليمية أشهرها كلية زخرفية في حلب وكلية تشوبان مصطفى في غابزا وكلية حسكة في إسطنبول.
فارق سنان اغا الحياة في 17-07-1588 وترك وراءه بصمة في تاريخ المعمار والفنون وأنجازات وتلاميذ من أشهرهم أحمد آغا، داود آغا، يتيم بابا علي والمعماري يوسف الذي استدعاه بابور شاه إلى الهند ليبنى أعمالاً عظيمة في مدن الهند مثل دلهي
المصدر: موقع TRT بالعربية
موضوعات متعلقة:
- بالصور: جامع ” ايازما ” من اقدم التحف المعمارية الإسلامية بإسطنبول
- جامع “الخرقة الشريفة” بإسطنبول.. مئات الآلاف في ظلال البردة النبوية خلال رمضان
فيديو قد يعجبك: