نفحات شهر المحرم وصيام عاشوراء
بقلم – هاني ضوَّه :
نفحات أيام ربنا سبحانه وتعالى لا تنتهي، فلا يكاد ينتهي موسم خير إلا ويفتح الله لنا بابًا جديدًا لاغتنام الأوقات والثواب، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتعرض لهذه النفحات واغتنامها لما فيها من خير وبركة، فقال: "ألا إن في أيام دهر ربكم لنفحات، ألا فتعرضوا لها".. وفي شهر المحرم نفحات كثير منها صيام يوم عاشوراء، فهيا بنا نتعرض لها.
أجمع العلماء على فضيلة يوم عاشوراء وسنية صومه وقيل فيه أنه يرجى أن يكفر بصومه عن ذنوب السنة الماضية.
خرَّج الإمام مسلم من حديث سيدنا أبي هريرة رضى الله عنه عن سيدنا النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال : (أفضلُ الصيام بعد شهر رمضان شهرُ الله الذي تدعونَهُ المُحَرّم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل).
هذا الحديث صريح في أن أفضلَ ما تُطوعَ به من الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرم، فأما بعض التطوع ببعض شهر فقد يكون أفضل من بعض أيامه، كصيام يوم عرفة أو عشر ذي الحجة، أو ستة أيام من شوال، ونحو ذلك.
وفي الصحيحين عن سيدنا ابن عباس رضى الله عنهما أنه سُئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: (ما رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم صام يوماً يتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم)، يعني يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني رمضان.
يا أحباب.. يوم عاشوراء له فضيلة عظيمة وحرمة قديمة وصومه لفضله كان معروفاً بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقد صامه نوح وموسى عليهما السلام. ففي الصحيحين عن سيدنا ابن عباس قال: (قَدِم رسول الله المدينة فوجد اليهود صُيّاماً يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله ما هذا اليوم الذي تصومونه قالوا هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكراً فنحن نصومه فقال رسول الله "فنحن أحق وأولى بموسى منكم" فصامه رسول الله صلَّى الله عليه وآله و سلم وأمر بصيامه.
وفي الصحيحين أيضاً: (إن هذا اليوم يومُ عاشوراء ولم يكتُبِ الله عليكُم صيامَهُ فمن شاء فليصمه ومن شاء فليفطر).
وفي مسند الإمام أحمد: أن سيدنا محمد صلَّى الله عليه وآله وسلم مر بأناس من اليهود قد صاموا يوم عاشوراء فقال ما هذا من الصوم قالوا هذا اليوم الذي نجى الله عز وجل فيه موسى عليه السلام وبني إسرائيل من الغرق، وغرّق فيه فرعون، وهذا يومٌ استوت فيه السفينة على الجودي، فصام نوح وموسى عليهما السلام شكراً لله عز وجل فقال سيدنا النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم: "أنا أحق بموسى وأحقُّ بصوم هذا اليوم فأمر أصحابه بالصوم".
وفي صحيح الإمام مسلم عن أبى قتادة: (أن رجلاً سأل سيدنا النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم عن صيام عاشوراء فقال احتسب على الله أن يُكَفّرَ السنةَ التي قبله) .
ويسن أيضاً يا أحباب صيام يوم تاسوعاء وهو تاسع المحرم لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلم: (لئن بَقِيْتُ إلى قابل لأصُومَنّ التاسع)... رواه الإمام مسلم، ولكن أنتقل سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قبله.
قال بعض العلماء والصالحين: أن الحكمة من صوم يوم تاسوعاء مع عاشوراء الاحتياط له لاحتمال الغلط في أول الشهر، وأيضاً لمخالفة اليهود فإنهم يصومون العاشر فقط، والاحترازُ من إفراده بالصوم كما في يوم الجمعة، فإن لم يصم معه تاسوعاء سُنّ أن يصومَ معه الحادي عشر بل نصّ الإمام الشافعيُ في كتابية (الأم والإملاء) على صوم الثلاثة أيام التاسع والعاشر والحادي عشر.
ويستفـــاد من صوم سيدنا النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم ليوم عاشوراء أنه يجوز فعلِ الشُّكرِ لله على مَا مَنّ به في يومٍ معين من إسداء نِعمَةٍ أو دَفعِ نِقمةٍ بالصوم، ويُعاد ذلك في مثل ذلك اليوم من كل سنة، بمعني أنه لو أن شخصاً أنعم الله عليه بنعمة يجوز له أن يصوم هذا اليوم شكراً لله، وأن يكرر صيام نفس هذا اليوم في كل عام وذلك يستنتج من صيام يوم عاشوراء، كذلك فإن سيدنا الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلم كان يحتفل ويصوم يوم الاثنين من كل أسبوع ولمَّا سُئل عن ذلك قال ذلك يوم ولدت فيه.
ويُستفاد منه أيضا ضرورة مخالفة اليهود وعدم التشبه بهم ولذلك قال سيدنا الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلم: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع). فالرسول يعلمنا أن نخالف الكفار وأن لا نتشبه بهم.
وأما صيام حضرة الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلم لهذا اليوم مع أن اليهود كانوا يصومونه فقد فسّرَهُ الرسول صلَّى الله عليه وآله وصحبة وسلم بقوله: (نحن أَوْلى بموسى منكم) فصامه احتفالاً وشكراً لله على نعمة نجاة سيدنا موسى عليه السلام، وروى الإمام أحمد والإمام النسائي وابن حِبان من حديث السيدة أم سلمه (أن سيدنا النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم كان يصوم يوم السبت ويوم الأحد أكثرَ ما يصومُ من الأيام ويقول: أنهما يومًا عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم).
ملاحظة مهمة:
لا يجوز أن يُتخــذ يوم عاشوراء أو غيرة مأتماً لأجلِ قَتلِ سيدنا الإمام الحُسين أو غيره رضى الله عنهم أجمعين، فالله لم يأمر ولا رسوله الكريم باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف بمن دونهم، أما ما يفعله الشيعة من الساحات الحسينية أو المأتم يوم عاشوراء فهو من الأمور التي لا تجوز شرعًا ولم ينص عليها كتاب ولا سنة، ولم يقل بها أحد من علماء أهل السنة بل فيها من المخالفات الكثير من لطم الخدود وضرب الصدور والضرب بالسلاسل والسكاكين وشج الرؤوس ما تشمأز منه الأنفس بدعوى واهية وحجة باليه بأنهم يُظهرون ندمهم على خذلهم سيدنا الإمام الحسين وقتله، وهذا بالطبع لا يجوز شرعاً هداهم الله.
يا أحباب:
إن من أفضل أيام السنة الهجرية المباركة يوم عاشوراء وهو العاشر من مُحَرّم الذي وقعت فيه حوادث فاصلة:
- ففــي هذا اليوم تابَ الله على سيدنا آدم، وقيل: هو اليوم الذي أُهْبِطَ فيه سيدنا آدم إلى الأرض.
- ونجى الله سفينةَ سيدنا نوحٍ ونجى الله سيدنا مُوسى وأغرق فرعون، ونجّى سيدنا يُونُس من بطن الحوت.
- وقيـل هو اليوم الذي تيب فيه على قوم سيدنا يُونس، وأعطى المُلك لسيدنا سُليمان ونجى سيدنا أيوب من ضُرِّه، وفيه حصلت غزوة ذاتِ الرِّقَاع في السنة الرابعةِ للهجرة، وفيهِ استُشهِد سيدنا ومولانا الإمام الحُسَيْن رضي الله عنه وعن أهل البيت والصحابة أجمعين فكان ذلك فاجعة ألمّت بالمسلمين، وذلك في كَرْبَلاء يوم الجمعة في العاشر من مُحَرّم لسنة إحدى وستين للهجرة.
فيديو قد يعجبك: