لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

على أعتاب العشر الأخيرة من رمضان !

04:53 م الإثنين 22 يوليو 2013

أخي الحبيب: نلتقي وإياك هذا اليوم على أعتاب العشر الأخيرة من رمضان! نلتقي ونحن نتذكّر ذلك الفرح الذي عم قلوبنا بالأمس بلقاء هذا الشهر، واليوم نقف على أعتابه عشره الأخيرة، وهو ماضٍ بصفحاتنا، راحل بأعمالنا، فماذا يا ترى لدينا في أيام الوداع؟

إن المتأمّل في هذا الشهر يجد دون تروٍّ أن هناك حكمة عظيمة من وراء شرعيته، لقد جعله الله تعالى على قسمين، عشرون من أيامه جعلها الله تعالى فرصة لأخذ مزيد من الطاعة، وترقى بنا خلال هذه العشرين في فضائل الأعمال التي جاءت في لحاف البشائر على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جعل الله تعالى هناك فرصة مضاعفة من فاته شيء من الفضل، جعل الله تعالى هذه العشر الأخيرة بمثابة مسك الختام للوداع، واختصها الله تعالى بليلة القدر، تلك الليلة التي تعدل ثلاث وثمانين سنة وبضعة أشهر في تاريخ الإنسان.

أخي الحبيب: دعني أبارك لك هذا اللقاء، أهنئك أيها المسلم وأنت تصافح أعظم ليالي العام، إنني أشعر أيها الحبيب وأنا أحدثك على أعتاب هذه العشر أن ثمة فرصة تعاود الكرة عليك من جديد، ثمة فرصة هذه المرة تفتح لك أبواب النعيم، ثمة فرصة تغسل أدرانك، وتذيب أخطاءك، وتحيلك إلى أعظم مخلوق بين يدي ربك.

أيها المسلم إن الفرص تلوح لكنها قد لا تعود، والمؤمن الصادق هو من يستغل الفرص حين ما يرى بريقها، فهيا أخي الفاضل نكتب بعض مآثر الرجال في عشر رمضان!

أخي الحبيب: أخبر الله تعالى في الحديث القدسي خبراً يشنّف الأسماع حين قال: وما تقرّب إلى عبدي بأحب شيء مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه (رواه البخاري) وأخبر خبراً آخر فقال: من تقرّب إلى شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرّب إلىّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة. (رواه مسلم).

تأمّل يراعاك الله هذا الخبر الوجداني الكريم، إن مساحة الأمل في رحاب الله تعالى أعظم من أن توصف!

إنها مساحة لا تشترط شرطاً معيناً على المقبل إليه، فقط حين يصدق في إقباله فإن الله تعالى يمن عليه بالفضائل.

أخي الحبيب: ما أحوجني وإياك اليوم في ظل هذه العشر وقبل الوداع أن نحسن الإقبال على الله تعالى ، وأن نستدرك أيام التفريط، وأن نعوّض ما فات، أتراني أخي الحبيب أطلب منك مستحيلاً حين أقول من الواجب على الفطن العاقل اليوم في ظل هذه العشر أن يحسن ملازمة الطاعة، وأن يتكرّم على نفسه بالورود إلى حياض المكارم ولو لهذه اللحظات الغالية، وكيف أطلب من نفسي وإياك مستحيلاً وهذه العشر لا تأتي في العام إلا وهله.

إنني أريد من نفسي ومنك أن نتشبه بحال السابقين، وأولى هؤلاء السابقين نبيك صلى الله عليه وسلم حين تخبر زوجه عائشة رضي الله تعالى عنها فتقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله ، وأيقظ أهله (متفق عله) زاد مسلم: وجد وشد المئزر.

وكانت تقول رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره (رواه مسلم) وكان علي رضي الله عنه يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان. (رواه الترمذي وصححه الألباني) فها هو رسولك أيها الحبيب يعلم ما في هذه العشر فيتعبّد فيها ما لا يتعبّد في غيرها.

إن أول صورة تتراءى في الذهن لاجتهاد هذا النبي الكريم هي صورة إقباله صلى الله عليه وسلم على الصلاة، واهتمامه وتعلقه بها تلك صورة من حافظ عليها واهتم بها لقي في قلبه عوالم الأرواح الحقيقية، ولما لا تكون كذلك وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ليعجب من الصلاة في الجميع. (رواه الإمام أحمد وصححه أحمد شاكر والألباني).

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : لا يتوضأ أحدكم فيحسن الوضوء ويسبغه ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا تبشبش الله إليه كما يبشبش أهل الغائب بطلعته. (رواه ابن خزيمه وصححه الألباني) بوب ابن خزيمة على هذا الحديث فقال: باب ذكر فرح الرب تعالى بمشي عبده متوضأ. وفي حديث ميثم رجل من أصحاب النبي صلى الله علي وسلم قال: بلغني أن الملك يغدو برايته مع أول من يغدو إلى المسجد، فلا يزال بها معه حتى يرجع فيدخل إلى منزله. رواه ابن أبي عاصم، وأبو نعيم والمنذري وصححه الألباني. فأي مواقف تقفها أيها الحبيب في هذه العشر.

وإذا كان الله تعالى يعجب منك، ويتبشبش إليك، والملك يصحبك برايته فماذا تنتظر غير النعيم العظيم جعلك الله تعالى من أهله. إن الفرصة تبدو كبيرة في ملازمة محراب المسجد اليوم بالذات في مثل هذه العشر، حرصك على صلاة الجماعة مع الإمام، وكثرة النافلة المقيدة والمطلقة، سر من أسرار الموفقين في هذه الأيام، أما الليل فحدث عنه حديث المحبين، وصدق من قال: دقائق الليل غالية فلا ترخصوها بالغفلة! يكفي أن الله تعالى جل جلاله وتقدست أسماؤه ينزل في ثلثه الأخير إلى السماء الدنيا فيقول: هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ متفق عليه .

أخي الحبيب: بين يديك في ليالي هذه العشر ليلة عظيمة القدر والشأن، قال الله تعالى فيها: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.

وقال صلى الله عليه وسلم : من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه (متفق عليه) وأهل العلم على أن الإنسان إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كل ليلة تحقق له شهود ليلة القدر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة.

لقد تحدث نبيك صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر حديث المعظّم لها فقال صلى الله عليه وسلم: التمسوها في العشر الأواخر في الوتر. متفق عليه.

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقي، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى. رواه البخاري.

وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فَرُفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم ، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة. رواه البخاري .

وقال صلى الله عليه وسلم: أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر. متفق عليه. وقد قرر أهل العلم رحمهم الله تعالى أنها في الأوتار اكد كما هو ظاهر حديث النبي صلى الله علي وسلم.

أخي الحبيب: الصدقة سر من أسرار رمضان بالذات ، وقد كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، وأهل العلم رحمهم الله تعالى على أن الطاعات تعظم في الأزمان الفاضلة، والصدقة في هذه العشر من ميراث الصالحين، لقد كان صلى الله عليه وسلم جواداً كريماً في كل حياته، وكان في رمضان صورة أكثر جوداً وعطاءً، وهكذا كان السلف الصالح رحمهم الله تعالى في أزمان الطاعة.

إن بإمكانك أخي الصائم أن تجعل لعشرك بعض نفحات البر والإحسان إلى الأرامل والمساكين، والفقراء والأيتام، وأنت تعلم أن للصدقة تأثيراً كبيراً في دفع البلاء عن المؤمن، وتعلم أن المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة، وتعلم أن ممن يظله الله تعالى بظله يوم القيامة متصدق تصدّق بصدقته فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه.

والصدقة وإن كانت يسيرة إلا أنها بين يدي الله تعالى عظيمة، فلا تبخل بشيء من العطاء وقد بلغك أن الملك يدعو صباح كل يوم بقوله: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ولا تنسى رعاك الله تعالى في هذا المقام أن تفطير الصائمين فرصة خاصة في ظلال هذه العشر وقد قال نبيك صلى الله عليه وسلم: من فطّر صائماً كان له مثل أجره، ومثل ذلك في الأجر وأعظم فكاك الأسير بدينه، وإغاثة المنكوبين، وإطعام الأيتام، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته.

واعلم أن الابتسامة صدقة من الصدقات، ومثلها الرحمة بالآخرين، والعفو عنهم، والصفح عن أصحاب الزلات، وقد غفر الله تعالى لامرأة زانية بغي بسبب سقيها لكلب وقد أرهقه العطش، فقال الغزالي رحمه الله تعالى: لئن كانت الرحمة بالبهائم تغفر ذنوب البغايا فإن الرحمة بالبشر تصنع العجائب.

واعلم أن أولى الصدقات بك في هذا المقام نبذ الفرقة، وترك الخصام، فإن الواقع فيها في مثل هذا العشر قد يكون محروماً من آثار هذه الفضائل.

إن مثلك لا يخفى عليه أن ليلة القدر رُفع علمها عن الأمة بسبب الشجار والخصام، وأي حرمان أيها الحبيب لرجل في عشره الأخيرة من رمضان وهو لا زال يكابر في هذه الفضائل، ويقع فريسة لعدو الله تعالى، ويصر على هجر إخوانه حتى في مواسم الطاعات؟ ولئن كانت أعمال العباد تُعرض على الله تعالى كل اثنين وخميس فإن أعمال المتخاصمين يحرمها النزاع ثمرتها، ويكتب عليها الشقاق آثار الجرمان.

أخي الحبيب: ذكر الله تعالى الغنيمة الباردة، والزاد اليسير، أعظم سلاح يتزوّد به المتقربين في هذه العشر، يكفي في ذلك حديث نبيك صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم؟ وأرفعها في درجاتكم؟ وخير لكم من إنفاق الذهب والورق؟ وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ "قالوا: بلى قال: ذكر الله. رواه الترمذي وصححه الألباني.

ذكر الله تعالى أيها المسلم في هذه الأيام زاد المتقين ، وقربة المؤمنين، وهو الباب الذي يزدلف الإنسان منه إلى ربه تبارك وتعالى. واعلم أن حفظك للأذكار المقيّدة كالأذكار بعد الصلوات، وأذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ، والأكل والشرب، ودخول المسجد، والخلاء ونحو ذلك، ودوامك على الأذكار المطلقة في كل حين طريق لنيل رضى ربك، وتحقيق لسبق غيرك، وطريق للفوز والكرامة بين يدي ربك يوم القيامة.

أخي الحبيب: الدعاء ، الدعاء أيها المسلم فإنك في أيام البر والخير والإحسان ، لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للصائم دعوة عند فطره لا ترد، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ينزل في الثلث الأخير من الليل فيقول: هل من داعٍ فأستجيب له، هل من مستغفر فأغفر له. وحسن سألته عائشة رضي الله عنها فقالت له: أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني. رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.

فبين يديك مواطن الرحمة، وقد تهيأت لك في هذه العشر أسباب المغفرة، وقد لاح لك جواب سؤالك اليوم فاعتنم فإن الفرص قد لا تتكرر. أحوج ما نحن بحاجة إليه في هذه المسألة هي أنه حين يرانا الله تعالى ونحن ندعوه أن يرانا وقد لبسنا ثوب الخشية، والذلة، والضعف، والمسكنة، والانكسار بين يديه فإن ذلك من أعظم أسباب إجابة الدعاء. ومتى ما رآك الله تعالى ذليلاً منكسراً من عليك، ورأف بحالك، وأعظم لك المثوبة. فأقبل في تلك الساعات فإنها من الفرص التي لا تعوّض.

أخي الحبيب: الاعتكاف طريقك إلى سمو الروح، وعالمَ إلى تحقيق مقاصد القلب من الخشية والإقبال على الله تعالى، فهو طريق للم شعث القلب، ولم فرقته، ولما كان الطعام والشراب، والخلطة تؤثّر على صفاء الروح، وتسلب القلب من مقامات الأولياء شرع الله تعالى الصوم والاعتكاف، فإن الصوم يذهب بكير التخفة وأثرها على القلب، والاعتكاف يذهب بكير الخلطة، فيحدث صفاء الروح، فيسمو الإنسان بين يدي الله تعالى.

وهو سنّة ماضية من عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد اعتكف صلى الله عليه وسلم العشر الأول، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم اعتكف العشر الأخيرة واستقر اعتكافه في هذه العشر. وعلى هذا كانت حياة السلف الصالح رحمهم الله تعالى.

أخي الحبيب: قد لا أنجح في تصوير فضل القرآن لك، خاصة في مثل هذه العشر، لك يمكن أن أقول لك إنك تقرأ كلام الله تعالى، وتلهج بحديثه وذكره، وتكرر كلامه، فيا لله أي كلام تردده؟ وأي حديث تلفظ به شفاك؟ وأي وقت تستقطعه في تكرار هذا الحديث؟ كان جبريل عليه السلام يعارض رسولنا صلى الله عليه وسلم بالقرآن كل عام مرة، وعارضه في العام الذي توفي فيه مرتين، ولا تنسى أن الحرف الواحد بعشر حسنات إلى أضعاف كثيرة، ويكفي أن الله تعالى قال: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} فقط آمل أن تقرأه وأنت تتصوّر من تحدّث به، تقرأه قراءة المتشافي به من المرض، الباحث به عن الصحة، المؤمّل فيه الراحة والسعادة والترقي في منازل الإيمان.

أخي الحبيب: مهما كنت حريصاً في هذا المقام على رفع مقامك بين يدي الله تعالى إلا أنك أوعب للقضية، وتعلم مقدار ما بين يديك من فرصة، وتدرك تماماً أنه قد تهيأ لك من أسباب الخير مالم يتهيأ لغيرك، لئن كنت تشهد هذه العشر وأنت تلبس ثوب العافية فغيرك يشهدها لكنه أسير على الأسرّة البيض لا يملك من الفرحة التي تعيشها سوى دمعة تذرف على خديه. ولئن كنت تشهدها حقيقة فغيرك تجرّع غصص ورحل وكم كان يتمنّى أن يشهد شهودك أخي الحبيب.

أخي الحبيب:

أدعوك دعاء المحب لحبيبه، دعاء الناصح لأخيه، أدعوك أن تعتبر هذه العشر الفرصة التي قد لا تعود، والحياة التي قد لا تتكرر مرة أخرى.. كن إيجابياً، وانظر إلى الفرص بعين المتسابق التي يتمنى أن تلوح له. سائلاً الله تعالى لك الهداية والتوفيق والسداد .

المصدر: موقع طريق الإيمان

جاوب واكسب مع فوازير مصراوي , للمشاركة أضغط هنا سارع بخروج زكاة الفطر _ زكاتك هتوصل للمستحقين مصراوي هيساعدك أضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان