إعلان

مقاعد خالية على موائد الإفطار بفلسطين

10:53 م الإثنين 08 يوليو 2013

لم يكد داعي الإفطار في مساجد مدينة نابلس ينهي أذان المغرب إيذانًا بدخول موعد الإفطار حتى انهمرت دموع شقيقة الشهيد محمد البيشاوي؛ لأنها أضحت وحيدة حول مائدة الإفطار، خاصة بعد أن توفي الوالد، ولحقت به الوالدة قبل سنوات.

وكذلك كان الحال في منزل الشهيد محمود الحبش الذي استشهد منذ عدة أسابيع، تاركًا ثلاثة أبناء أكبرهم في الخامسة عشرة من عمره وأصغرهم مازن -7 سنوات-، مما فجر مشاعر جيَّاشة من والدة الأطفال وجدتهم والأبناء على حد سواء.

وتقول زوجة الشهيد الحيش: (رمضان هذا العام يختلف نهائيًّا عنه في الأعوام الماضية، فقد ترك استشهاد زوجي فراغًا كبيرًا في حياتنا، ووجدت نفسي أمام أمر واقع لا مفر منه).

شهيدان ومعتقلان:    (أنا كالجسد بدون أطراف) بهذه الكلمات الحزينة، وصف نور الدين دروزة (أبو صلاح) حالته، وهو جالس على مائدة الإفطار في أول أيام رمضان، مضيفًا -بعد أن استجمع قواه الخائرة- (استشهد ابني صلاح، وعماد، واعتقل الجيش آخريْن هما بهاء وضياء، ولم يتركوا لي أحدا أعتمد عليه في سني الكبيرة).

وكان صلاح نجله الأكبر قد استشهد في عملية اغتيال بقصف سيارته في 25-7-2001، وبعد عام تقريبًا استشهد ابنه الثاني عماد بعدما اغتالته إسرائيل برفقة مهنَّد الطاهر قائد كتائب القسَّام في نابلس، كما اعتقلوا نجليه بهاء -30 عامًا-، وضياء -23 عامًا- بتهمة مقاومة الاحتلال خلال عملية السور الواقي.

ولم تقف معاناة عائلة دروزة عند هذا الحد، فمع فجر اليوم الثاني لرمضان اعتقلت إسرائيل زوج ابنتهم نمر دروزة، وهدمت بيت صهرهم فراس فيضي، وتعلق أم النور زوجة الشهيد صلاح على أوضاع عائلتها، فتقول: إن إيمانهم بالله يزداد بعد كل ابتلاء، ويحاول الكبار في العائلة التحامل على أنفسهم والمكابرة حتى لا ينتبه الصغار، ولكنها لا تخفي وجود فارق كبير بين مشاعر الأسرة بعد غيابهم وخاصة في رمضان.

وتضيف أن زوجها اعتاد أن يصحب أطفاله إلى السوق لشراء احتياجات المنزل، ثم يصحب نور الدين النجل الأكبر إلى المسجد لأداء صلاتيْ الفجر والتراويح، لكنها الآن تضطر إلى أن تؤمهم في الصلاة، خاصة مع عدم قدرة الجد على ذلك لكبر سنه أو خروجه للصلاة في المسجد.

ويقول نور نجل الشهيد -14 عامًا-: (إن أفضل الفترات التي كان يقضيها مع والده كانت التوجه برفقته إلى الأسواق والمسجد وتفقد الأسر المحتاجة، لكن من سيأخذني في هذا العام).

صمت رهيب: وفي منزل الشهيد محمد البسطامي (منفذ عملية مستوطنة إرائيل قبل حوالي شهر) كانت الأجواء مشحونة برائحة الشهداء، كما تقول شقيقة الشهيد، وتضيف (في أول يوم من رمضان جلسنا حول مائدة الإفطار في صمت رهيب ننتظر سماع الأذان، وما إن انطلقت التكبيرات إيذانا بالإفطار، حتى بكينا جميعًا، فقد تذكرنا محمد عندما كان دائم الابتسام، ويطلق النكات، ويصنع جوًّا من الفرحة قبل الإفطار في العام الماضي، وكذلك كان دائم المساعدة لوالدته في إعداد الطعام ووجبة الإفطار والسحور).

وعن حالة والدتها، تقول إن أمها كانت شديدة الحزن ومتأثرة جدًّا لغياب فلذة كبدها، خاصة أن بقية أبنائها قد تزوجوا وخرجوا من بيت العائلة، ولم يبقَ سوى محمد يملأ عليها حياتها ويساعدها في تدبير أمور المنزل، وزاد من حزنها استشهاد أخيها حاتم الصدر بعدما اغتالته القوات الإسرائيلية بتفخيخ سيارته بنابلس قبل أسبوع واحد فقط.

أما والدها فقد كان يمنع الدموع من أن تنزل على خده أمام أبنائه، ويتظاهر بالقوة وكان يقول: (إن محمدا الآن في الجنة، وإن روحه تدور حول البيت بفرح وسعادة كبيرة، يتذكر عبد العزيز شقيقه الصغير كيف كان محمد يأخذه معه للصلاة في المسجد، ويوقظه على السحور، ويساعده في تحضير دروسه).

عائلات المعتقلين: وفي صورة تقترب من سابقاتها، كان الحال في عائلة أم أحمد عوَّاد، حيث جلست أم أحمد وحيدة على مائدة الإفطار بعد أن اعتقلت القوات الإسرائيلية أبناءها الأربعة خلال الأشهر الأخيرة، تقول أم أحمد وهي تبكي وتحتسب عند الله: إن أولادها أحمد، وأمجد، وأشرف اعتقلوا أثناء عملية السور الواقي في نابلس، وبعد شهرين جاءت قوات خاصة للبيت، واعتقلت ابنها أيمن، وبالتالي باتت وحيدة ليس لها إلا الله، وبعض أهل الخير الذين يساعدونها، وتتابع أم أحمد وهي تحمل بين يديها صورة أبنائها الأربعة إنها في كل صلاة تدعو الله أن يحفظ أبناءها، ويعيدهم إليها سالمين، خاصة أنها ممنوعة من زيارتهم، ولم ترهم منذ اعتقالهم.

وعن أول يوم في رمضان تقول: إنها لم تعتد أن تجلس وحيدة على مائدة الإفطار، لكنها تؤمن بقضاء الله وقدره، وأن هناك عشرات الأمهات مثلها، خاصة أن الاحتلال لم يترك أسرة، وإلا وأصابها بمكروه، سواء باستشهاد أحد أفرادها أو اعتقاله أو إصابته، لكن القدس وفلسطين كما قالت أم أحمد تستحق أن نضحي من أجلها.

تضامن كبير:  ويشير الدكتور ماهر أبو زنط أستاذ علم الاجتماع في جامعة النجاح الوطنية إلى أن الأسرة التي فقدت شهيدًا تعيش أجواء مختلفة وخاصة خلال شهر رمضان بسبب شعور بعض الأفراد بغياب ركن من أركان البيت.

ويضيف (أن موائد الإفطار تفتح باب المغيب لأحد الأفراد مما يضفي جوًّا من الحزن على فراقه، وتشتد الحالة في حالة كون الأب هو الشهيد أو العائل الوحيد للأسرة).

ولم تغِب دعوات القيادات ورجال الفكر والسياسة من ضرورة، وأهمية تبني أسر الشهداء والسهر على همومهم وقضاياهم، وعدم ترك أطفالهم عرضة للضياع، محملين السلطة والأحزاب مسؤولية كبيرة في هذا المضمار؛ لأن المستوى الرسمي والشعبي يكفل نجاح تلك الدعوات.

على أرواح الشهداء: من جهة أخرى، شرعت عشرات أسر الشهداء بتوزيع طرود غذائية ووجبات إفطار عن روح الشهيد للعائلات المحتاجة والمتضررة في خطوة تُعَدّ إشارة لإظهار المحبة والافتخار بما قدموه. وهناك ازدياد مطرد في سرعة انتشار الظاهرة وانتقالها إلى المدن والقرى والريف، وتَعَدّ أكثر انتشارًا في رمضان.

وإذا كان الفلسطينيون قد استقبلوا شهرًا ثالثًا من رمضان في ظل انتفاضة الأقصى فإن آلامهم تزداد مع استمرار شلال الدم الفلسطيني، وسقوط المزيد من الشهداء، واستمرار الخناق عليهم في ظل صمت عالمي مطبق.  

المصدر: موقع اسلام اون لاين

جاوب واكسب مع فوازير مصراوي , للمشاركة أضغط هنا سارع بخروج زكاة الفطر _ زكاتك هتوصل للمستحقين مصراوي هيساعدك أضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان