من معاني القرآن: تفسير آيات من سورة القلم
كتب ـ محمد قادوس:
يقدم الدكتور عصام الروبي- أحد علماء الأزهر الشريف- (خاص مصراوي) تفسيراً ميسراً لما تحويه آيات من الكتاب الحكيم من المعاني والأسرار، وموعدنا اليوم مع تفسير الآيات القرآنية (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ * وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ)، (عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ )، (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) .. [القلم: 9*10*13*16]
(ودّوا): يعني: تمنوا وأحبوا، والمراد: المشركين.
(تدهن): تدهن من الإدهان وهي المسايرة والمصانعة والملاينة للغير. وأصله أن يجعل على الشيء دهنا لكي يلين أو لكي يحسن شكله، ثم استعير للملاينة والمساهلة مع الغير.
(حلَّاف): كثير الحلف، فإنه لا يكون كذلك إلا وهو كذاب.
(مهين): وضيع حقير، قال القرطبي: من المهانة بمعنى القلة وهي هنا القلة في الرأي والتمييز. وقال ابن عباس: (المهين): الكذاب. وجاءت صفات الذم السابقة بصيغة المبالغة، للإشعار برسوخه فيها، وباقترافه لها بسرعة وشدة.
(عتل): هو الجاف الغليظ، القاسي القلب، الفظ الطبع، الأكول الشروب، بدون تمييز بين حلال وحرام.
(بعد ذلك) أي: بعد ما عد له من المثالب والنقائص.
(زنيم): الزنيم: اللصيق بالقوم دون أن يكون منهم، وإنما هو دعي فيهم، حتى لكأنه كالزنمة، وهي ما يتدلى من الجلد في حلق الشاة، وقيل: هو الشخص الذي يُعرف بالشر واللؤم بين الناس، كما تُعرف الشاة بزنمتها. أي: بعلامتها.
قد ذكر كثير من المفسرين أنها، نزلت في الوليد بن المغيرة، وقيل: إنها نزلت في الأخنس بن شريق.
(سنسمه): سنجعل على أنفه سمة دائمة وعلامة لازمة لا تفارقه، يُعير بها أمام الناس. وعبر بالوسم.
على (الخرطوم) عن غاية المهانة، لأن السمة على الوجه شين حتى إن نهى عنه في الحيوانات، فكيف بها في الإنسان وعلى أكرم موضع منه وهو الأنف لتقدمه، لذا جعلوه مكان العز والحمية واشتقوا منه الأنفة. في لفظ (الخرطوم) استخفاف به؛ لأنه لا يستعمل إلا في الفيل والخنزير.
ـ خلاصة المعنى في هذه الآيات:
يخبر الحق تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم-محذرًا له- أن غاية ما يطمع فيه المشركون وأعظم ما يتمنون الظفر به، أن تقبل منهم بعض مقترحاتهم، وأن تلاينهم وتطاوعهم فيما يريدون منك، فهم حينئذ يظهرون لك من جانبهم الملاينة والمصانعة، حتى لكأنهم يميلون نحو الاستجابة لك، وترك إيذائك وإيذاء أصحابك، وهذا من مسالكهم الخبيثة، وصفاتهم القبيحة. وهكذا على صاحب الحق الحذر من ملاينة أهل الباطل.
ـ وأن تمسك - أيها الرسول الكريم- بما أنت عليه من عدم طاعة كل من كان كثير الحلف بالباطل، ولا تطع كل حقير ذليل في رأيه، وفي الآية الكريمة زجر لمن اعتاد الحلف لأنه جُعل فاتحة العيوب، وأساس الباقي من الذنوب، وكثرة الحلف تدل على عدم استشعار عظمة الله عز وجل وذلك أصل كل شر.
ـ ويقول ولا تطع- أيها الرسول الكريم- كل غليظ جاف، ولا كل دعي لأن الغالب أن النطفة إذا خبثت خبث الناشيء منها.
ـ وأن الحق تبارك وتعالى يتوعد من اتصف بهذه الصفات المذمومة المذكورة في الآيات المتقدمة، بالإذلال والاحتقار والشين، سواء كان هذا الوعيد واقعًا عليه في الدينا أو في الآخرة بسمة يعرف بها كفره وانحطاط قدره.
فيديو قد يعجبك: