من معاني القرآن: تفسير آيات من سورة نوح
كتب ـ محمد قادوس:
يقدم الدكتور عصام الروبي- أحد علماء الأزهر الشريف- (خاص مصراوي) تفسيراً ميسراً لما تحويه آيات من الكتاب الحكيم من المعاني والأسرار، وموعدنا اليوم مع تفسير الآيات القرآنية { ما لكم لا ترجون لله وقارا * وقد خلقكم أطوارا * والله أنبتكم من الأرض نباتا * ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا * ومكروا مكرا كبارا * وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا } .. [نوح: 13*14*17*18*22*23]
(ما لكم): هو استفهام قُصد به توبيخهم والتعجيب من حالهم.
(ترجون): قيل: بمعنى تعتقدون.
(وقارًا): الوقار: التعظيم والإجلال.
(أطوارًا): جمع طور، وهو المرة والتارة من الأفعال والأزمان.
(أنبتكم من الأرض): أنشأكم، فاستعير الإنبات للإنشاء لكونه أدل على الحدوث والتكون من حيث إنه محسوس مشاهد.
(نباتًا): إنشاء لا شك فيه.
(ثم يعيدكم فيها) أي: في الأرض بالمواراة فيها إذا متم.
(ويخرجكم إخراجًا) محققا لا ريب فيه عند البعث، وجاء التعبير ب (ثم): الدالة على التراخي بين الإنشاء والإعادة.
(ومكروا): المراد أولئك الذين عصوا نوحًا واتبعوا كبراءهم. والمكر: هو التدبير في خفاء لإنزال السوء بالممكور به.
(كُبَّارا): مبالغة في الكبر والعظم. أى: مكرًا كبيرًا جدًا لا تحيط بحجمه العبارة.
(لا تذرن آلهتكم): لا تتركوا عبادتها.
(ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر) قال ابن جرير: كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون دبَّ إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر. فعبدوهم.
وخلاصة المعنى في هذه الآيات:
أن الحق تبارك وتعالى يبين الطريقة التي سلكها نوح في دعوة قومه، حيث جمع عليه السلام بين الترغيب والترهيب، فبعد أن أرشدهم عليه السلام إلى أن استغفارهم وطاعتهم لربهم، يؤدي بهم إلى البسطة في الرزق، أتبع ذلك بزجرهم لسوء أدبهم مع الله- تعالى- منكرا عليهم استهتارهم واستخفافهم بما يدعوهم إليه، وقد أنعم الله عليهم فخلقهم في أطوار متعددة: نطفة، فعلقة، فمضغة، ثم جعل المضغة عظاما، وكسا العظام لحما، فتبارك سبحانه أحسن الخالقين، و بعد أن ذكر الحق تبارك وتعالى الأدلة الكونية أتبعها بذكر ما في الأنفس من براهين وآيات، وفي ذكر هذه الأمور دلالة بينة على عظمة الله، وكمال قدرته، فهو سبحانه أنشأ العباد من الأرض، وأخرجهم من ترابها كما يخرج النبات، ثم واراهم فيها، ثم يخرجهم منها للبعث والجزاء على أعمالهم في الدنيا، و أن هؤلاء الذين عصوا نوحًا عليه السلام واتبعوا سادتهم من أصحاب الأموال والأولاد- كما بينه الحق سبحانه وتعالى في الآية السابقة-، استعملوا كذلك نعمك في الشر، فلم يكتفوا بتحريض أتباعهم على معصيتي، بل مكروا بي وبالمؤمنين مكرا قد بلغ النهاية في الضخامة والعظم، وكان من مظاهر مكرهم: تحريضهم لسفلتهم على إنزال الأذى بنوح- عليه السلام- وبأتباعه، وإيهامهم لهؤلاء السفلة أنهم على الحق، وأن نوحا ومن معه على الباطل، ومن وسائل مكر أولئك العصاة أنهم قالوا لأتباعهم: لا تتركوا عبادة آلهتكم، التي وجدتم آباءكم عليها، واحذروا أن تتركوا عبادة هذه الأصنام الخمسة بصفة خاصة، وخصوها بالذكر مع اندراجها فيما سبق من النهي عن ترك عبادة الآلهة جميعا لأنها كانت أكبر معبوداتهم الباطلة وأعظمها.
فيديو قد يعجبك: