من معاني القرآن: تفسير آيات من سورة القلم
كتب ـ محمد قادوس:
يقدم الدكتور عصام الروبي - أحد علماء الأزهر الشريف ـ (خاص مصراوي) تفسيراً ميسراً لما تحويه آيات من الكتاب الحكيم من المعاني والأسرار، وموعدنا اليوم مع تفسير الآيات القرآنية: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۙ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَٰلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ * يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ * فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ ۖ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ}.. [القلم : 35 - 44].
(أفنجعل): استفاهم غرضه النفي والإنكار. وقيل إن سبب نزول هذه الآية قول كفار مكة للمسلمين إن الله فضلنا عليكم في الدنيا، فلا بد وأن يفضلنا عليكم في الآخرة، فإذا لم يحصل التفضيل، فلا أقل من المساواة فأجابهم الله-تعالى-بقوله: أفنجعل المسلمين كالمجرمين.
(يوم): الظرف يجوز أن يكون متعلقا بقوله تعالى قبل ذلك (فليأتوا بشركائهم)، ويصح أن يكون متعلقًا بمحذوف تقديره: (اذكر)، والمراد باليوم، يوم القيامة. (يُكشف عن ساق): معناه التشمير عنها وإظهارها، وهو مثل لشدة الحال، وصعوبة الخطب والهول، وأصله أن الإنسان إذا اشتد خوفه، أسرع في المشي، وشمَّر عن ثيابه، فينكشف ساقه.
(يدعون إلى السجود): تدعوهم الملائكة امتثاًلا لأمر ربها.
(خاشعة أبصارهم): حال من فاعل يُدعون. وخشوع الأبصار: كناية عن الذلة والخوف الشديد. ونسب الخشوع إلى الأبصار، لظهور أثره فيها.
(ترهقهم ذلة): أى: تغشاهم وتعلوهم ذلة وانكسار.
(سالمون): أي: قادرون.
(فذرني): (ذرني): من الأفعال التي يأتي منها الأمر والمضارع، ولم يُسمع لها ماض، وهو بمعنى اترك. يقال: ذره يفعل كذا، أى: اتركه. ومنه قوله تعالى: (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون).
(بهذا الحديث): ما أوحاه الله-تعالى-إلى نبيه من قرآن كريم، ومن توجيهات حكيمة، لكي يبلغها للناس.
(سنستدرجهم): الاستدراج: استنزال الشيء من درجة إلى أخرى، والانتقال به من حالة إلى أخرى.
خلاصة المعنى في هذه الآيات: أن الحق تبارك وتعالى يقرر ما أكدته الآيات السابقة من فوز المتقين بجنات النعيم، وأنه تبارك وتعالى منزه عن الحيف والظلم في أحكامه، فلا يجعل الذين أخلصوا له العبادة، كالذين أشركوا معه آلهة أخرى؟ أو يجعل سبحانه وتعالى الذين أسلموا وجوههم له، كالذين فسقوا عن أمره، فهذا لا يكون أبدًا؛ لأن عدالته سبحانه تقتضي التفريق بينهم، واذكر لهم-أيها الرسول الكريم- أهوال يوم القيامة، يوم يشتد الأمر، ويُدعى هؤلاء المجرمون إلى السجود لله- على سبيل التوبيخ لهم، لامتناعهم عنه في الدنيا، فلا يستطيعون ذلك، لأنه الله تعالى سلب منهم القدرة على السجود له في هذا اليوم العظيم،: وأن أولئك الذين دعاهم الله عز وجل على لسان أنبيائه أن يسجدوا له سبحانه، وهم قادرون على ذلك، ومتمكنون من ذلك أقوى تمكن، لكنهم كانوا يعرضون عمن يدعوهم إلى إخلاص العبادة لله تعالى، ويستهزئون به، اليوم قد سلب الله منهم القدرة على السجود عقوبة لهم على الإعراض، فإنهم يساقون إلى النار، ذليلة أبصارهم، منخفضة رءوسهم. وفي هذه الآية تهديد ووعيد لمن أعرض عن ربه تكبرًا أو جحودًا، اترك أمر هؤلاء الذين يكذبونك فيما جئتهم به من عندنا إلى ربك، ولا تشغل بالك بهم. فإني سأقربهم قليلا قليلًا إلى ما يهلكهم، بأن أسوق لهم النعم، حتى يفاجئهم الهلاك من حيث لا يعلمون أن صنعنا هذا معهم.
فيديو قد يعجبك: