طه الفشني .. المطرب الذي أصبح من أشهر القراء والمنشدين على مدى ثلث قرن
كتبت – سارة عبد الخالق:
بدأ حياته العملية مطرباً ولكنه لم يستمر طويلاً، ثم أصبح من أشهر المنشدين والمبتهلين في أنحاء مصر كلها بل وقطباً من أقطاب الإنشاد والتواشيح في العالم الإسلامي أجمع.. كان المؤذن الأول لمسجد الإمام الحسين.. واشتهر بقراءته لسورة الكهف يوم الجمعة.. صاحب مدرسة متميزة في التلاوة والإنشاد.. وعندما بدأ إرسال التلفزيون كان من أوائل المقرئين الذين ظهروا على شاشته.. تعرض لمرض مفاجئ أحزنه حزناً شديداً؛ إنه مقرئ ومنشد الإذاعة المصرية على مدى ثلث قرن الشيخ (طه الفشني).. الذي يرصد مصراوي أهم المحطات في حياته تزامناً مع ذكرى رحيله عن عالمنا في مثل هذا اليوم الموافق 10 ديسمبر من عام 1971 م.
عُرف عنه طول النفس، فكان يستطيع أن ينشد القصيدة الواحدة لمدة أربع ساعات متتالية، "كان عشاق الشيخ طه الفشني يسهرون حتى الفجر يستمعون إليه، وهو يؤدي الابتهالات والأذان من المسجد الحسيني، وكانوا يحرصون على الاستماع إليه وهو ينشد التواشيح في مولد السيدة زينب – رضي الله عنها –"، وفقاً لما جاء في كتاب (عباقرة الإنشاد الديني) لمحمد عوض.
"انفرد الشيخ طه الفشني بين كبار القارئين، إنه كان علماً من أعلام القراء وقطباً من أقطاب الإنشاد والتواشيح في العالم الإسلامي، وقد قدم للإذاعة المصرية العديد من التسجيلات للسور القرآنية إضافة إلى تقديمه ساعة من الإنشاد الديني يوم الأحد من كل أسبوع، ونظرا لموهبته المتميزة منحته مصر نوط الامتياز في العلوم والفنون من الطبقة الأولى، كما كرمته العديد من الدول الإسلامية مثل: اندونيسيا وماليزيا وباكستان، وفقا لما ذكر في كتاب (ألحان من السماء..الجزء الأول) لصلاح الدين عبد الغنى.
ولد الشيخ طه مرسي الفشني عام 1900 م بمدينة الفشن بمحافظة بني سويف جنوب مصر في أسرة متدينة، وبدأ حياته مع القرآن الكريم عندما ألحقه والده بكتاب القرية بجانب دراسته في المدرسة الابتدائية، واستطاع أن يتم حفظ كتاب الله وهو في سن الخامسة عشرة من عمره، وكان يتميز بين أقرانه بالصوت الجميل في التلاوة، وهذا ما شجع أسرته على مساعدته لتعليم فنون التلاوة وعلوم القراءات وأحكام التجويد، ثم التحق بالمدرسة الإعدادية ثم معهد المعلمين التي حصل منها على شهادة الكفاءة عام 1919 م، وفقا لـ (عباقرة الإنشاد الديني) لمحمد عوض، وكتاب (ألحان من السماء) – المصدر السابق ذكره.
- بداية احترافية
"كانت بداية الشيخ الفشني الاحترافية في قراءة القرآن في المآتم والحفلات وإنشاد الابتهالات والمدائح النبوية في الموالد والأفراح، وبعدها انتقل الشيخ من بني سويف إلى القاهرة والتحق بمعهد القراءات التابع للأزهر الشريف، وقد تتلمذ على يد كبار المشايخ أمثال :الشيخين السحار والمغربي، كما لازم رائد الإنشاد الديني الشيخ علي محمود الذي أعجب بموهبته، وبدأ يقدمه في حفلاته الدينية، ثم تعلم الموسيقى وعلم النغمات على يد الشيخ درويش الحريري، وبدأ يتعامل مع كبار الملحنين مثل: زكريا أحمد ومحمد عبد الوهاب"، كما كوّن الشيخ طه الفشني فرقة الإنشاد الديني والتواشيح إلى جانب حرصه على قراءة القرآن الكريم.
"وكانت إصابته بمرض القلب قد منعته من تسجيل المصحف المرتل كاملاً بصوته بعدما بدأت الإذاعة في ذلك بعد تسجيل المصحف لأربعة من كبار القراء هم: الشيوخ مصطفى إسماعيل ومحمود علي البنا ومحد صديق المنشاوي وعبد الباسط عبد الصمد".
- التحاقه بالإذاعة وظهوره في التلفزيون
"سمعه المستمعون لأول مرة عبر أثير الإذاعة عام 1937 م، وسار على خطى معلمه المنشد والقارئ الشيخ علي محمود، فقد التحق بالإذاعة في هذا العام، واجتاز جميع الاختبارات وأصبح مقرئاً للإذاعة المصرية ومنشداً للتواشيح الدينية بها على مدى ثلث قرن، وعقب التعاقد معه بالإذاعة عين كمقرء للقرآن ليعمل كقارىء رسمي لمسجد السيدة سكينة في علم 1940 م، واستمر عمله في هذا المسجد إلى أن توفاه الله، وتم اختياره كرئيسا لرابطة القراء خلفا لشيخه عبد الفتاح الشعشاعي عام 1962 م، وعندما بدأ التلفزيون إرساله كان الشيخ الفشني من أول المقرئين الذين ظهروا فيه، وقد ظهر لأول مرة في عام 1963 م، وهو يتلو بعض الآيات من سورة مريم، ليحتل المرتبة الثالثة بعد الشيخين محمد رفعت وعبد الفتاح الشعشاعي الذين تم التعاقد معهم من قبل التلفزيون، وفقا لما جاء في كتاب (عباقرة الإنشاد الديني) لمحمد عوض
- كرامات في الحج
ومما يُروى عن الشيخ طه الفشني أنه تعرض لفقدان مفاجئ للصوت، ولم يفلح الأطباء في علاجه، وحزن لذلك حزناً عظيماً، إذ أحس أنه سيقصر في جنب الله بعدم قدرته على تلاوة القرآن الكريم - وفقا لما ذكر في كتاب (سفراء القرآن الكريم) لمحمد عبد العزيز- لذلك قرر أن ينتزع نفسه من أحزانه بالذهاب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج.
تروي الكاتبة خيرية البكري تلك القصة قائلة: "لقد شاهدت إحدى الكرامات فقد كنت ذاهبة لرحلة الحج، وكنا نستقل الباخرة واستلفت نظرنا وجود شيخ جليل بيننا تعلو وجهه علامات الأسى والحزن، وهو يجلس على الباخرة صامتا، ويحيط به جمع من أقاربه، وهو سارح يتعبد في صمت، ولما سألنا عنه قيل لنا إنه الشيخ طه الفشني أشهر قراء القرآن الكريم، وأنه فقد صوته فجأة منذ عدة أسابيع، ولم يفلح الأطباء في علاجه، وافترقنا إلى أن جمعتنا البقة المقدسة يوم عرفة، وكنا نستعد لصلاة العصر وفجأة شق الفضاء صوت جميل يؤذن للصلاة صوت ليس غريبا علينا، وكان هذا الصوت هو صوت الحاج طه الفشني، وقد استرد صوته بفضل الله، وبكيت تأثرا وفرحا".
- أشهر ابتهالات الشيخ الفشني:
ومن أشهر ابتهالات الشيخ الراحل: الأذان بمقام البياتي، الأذان بمقام الرست، الأذان بمقام الحجاز، ملكت عنان العز، آن الصوم، إلهي إن يكن ذنبي عظيما، يا رسول الله يا خير البرايا ، يا رسول الله، إلهي أنت مولاي ، مولاي الهادي، إله العرش، سبحان من تعنو الوجوه، ميلاد طه كامل، الله زاد محمد تعظيما، إمام المرسلين، يا أرض الحجاز، مولاي كتبت رحمة الناس عليك.. وغيرهم الكثير.
يظهر في الفيديو التالي ابتهال نادر للشيخ طه الفشني عام 1963 م:
فيديو قد يعجبك: