"إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر".. دلالات استعانة النبي بـ "مشرك" في رحلة هجرته
كتبت- آمال سامي:
من أبرز الأدوار التي لعبها من استعان بهم الرسول صلى الله عليه وسلم في هجرته، دور "الدليل" الذي لعبه "عبد الله بن أريقط" وهو رجل من قريش، كان كافرًا ولم يكن على الإسلام، ونجح في اختيار طريق من مكة للمدينة لم يخطر ببال قريش، وهو طريق الساحل، فلم يكن من الطرق المشهورة وقتها. فما دلالات استعانة النبي بغير مسلم في هذا الموضع على الرغم من خطورة الموقف حينها؟ وكيف نأخذ الفائدة من هذا الموقف في قضية الاستعانة بأهل الثقة أم أهل الكفاءة في المواقف المماثلة؟
عبد الله بن اريقط هل يجمع بين "الخبرة" و"الثقة"؟ يجيبنا الدكتور جاد الرب أمين، عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنين وأستاذ الحديث بجامعة الأزهر، مؤكدًا أن الاثنين مقترنان، وفقد أحدهما لاشك يؤثر سلبًا، فلو أنه خبير وليس بثقة سيضلل من يستعين به، ولو كان ثقة وليس خبيرا سيخيب مسعى من يلجأ إليه.
كان عبد الله بن أريقط نموذجًا للعربي الأصيل الذي له مكارم أخلاق اعتادها، لا يخون ولا يكذب ولا يغش ويتمتع بالصراحة والوضوح، لا يسلك طريق النفاق أو الالتواء، يقول جاد الرب أمين ذاكرًا أنه حين سئل أحد المشركين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عنه، وقالوا له ما رأيك في الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: هو ذو نسب وذو صدق وأمانة..إلخ، فقالوا له: كأنك تمدحه، فقال: لولا خفت أن يأثروا عني كذبًا لقلت فيه كذبا، يوضح جاد أنه كان عيبًا كبيرًا جدا عند العرب أن يعرف عنه الكذب.
أيضًا من دلالات أخلاق العرب قبل الإسلام التي يذكرها جاد الرب أمين ما قالته هند بنت عتبة عندما الإسلام، حيث كانت من بنود البيعة " وَلَا يَزْنِينَ " فقالت: "أو تزني الحرة؟"، يفسر ذلك جاد قائلًا إن ذلك بسبب وجود مبادئ أخلاقية هناك تربوا عليها، فكانوا يرون ألا يصح أن تصدر عنهم أخلاق تخالف هذه المبادئ. وأضاف جاد أنه حتى بعد فتح مكة لم تظهر أي حالة نفاق في مكة بينما ظهر النفاق في المدينة بين اليهود، فمن كفار قريش لم يظهر قريش لأن لديهم مبادئ.
ومن تلك المبادئ عندهم أن من أمنك لا تخنه، ومنه الحديث النبوي الشريف: "أد الأمانة لمن أئتمنك ولا تخن من خانك" فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن عبد الله بن أريقط مع خبرته غير خائن، فهو موضع ثقة وإن كان غير مسلم، يقول جاد الرب أمين مضيفًا أن ما يجعلنا ننادي بمبدأ هام في هذا العصر وهو التعايش والاستعانة بغير المسلم، "فالنبي صلى الله عليه وسلم حين وصف بأنه "رحمة" لم يكن رحمة للمسلمين وحدهم أو العرب فقط، بل كان "رحمة للعالمين" فهو رحمة للجميع، ولذلك يجب أن نتعامل مع غير المسلم بهذا المبدأ إلا إذا خان، بل نوده ونحترمه ونقدره، فالقرآن الكريم يدلنا على ذلك، فمادام غير المسلم لا يعاديه فلا بأس بأن يحبه، ويوده". ويختتم جاد حديثه قائلًا أن الدلالة التي نأخذها من الاستعانة بعبد الله بن أريقط، هو التعامل والتعايش السلمي مع غير المسلم بل الاستعانة به، وقد أصل هذه الأستعانة النبي بالحديث الشريف: "إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الكافر"، وفي رواية "بالرجل الفاجر"، فتبادل الخبرات والاستعانة بغير المسلم هو روح التعايش، فالمسلم سلم وسلام لغيره حتى وإن كان جمادًا.
فيديو قد يعجبك: