الأخوان مهيب.. أصحاب خدعة "النمر الأسود" وأطول فيلم عن الحرب للأطفال
كتب_ رنا الجميعي وإشراق أحمد ومحمد مهدي:
لم يقتصر عمل الأخوين مهيب، على الإعلانات فقط، ربما سيطر على سنوات تعاونهما معًا تنفيذ الدعاية الإعلانية، لكن تخللت تلك الفترات بعض الأعمال المُختلفة، التي تؤكد مُحاولاتهما في إحداث أثر وبصمة في عالم الرسوم المتحركة، والفن عمومًا.
بجانب مُحاولة إنتاج أفلام رسوم متحركة، كفيلميهما سقوط الملك فاروق والخط الأبيض، قدم "مهيب" مقدمات الأفلام التي بدأت بالثلاثة يحبونها، إنتاج 1965، كانت فكرة الأخوين لتنفيذ التتر بسيطة عبارة عن ثلاثة أضلاع تُشكل مُثلث يتحرك يمينًا ويسارًا.
"الثلاثة يحبونها"
ورغم تنفيذ الأخوين مهيب عدد من مقدمات الأفلام، لكنها لم تكن الحصيلة الأكبر لعملهم "كانت جزء من تميزهم.. ده نتاج طبيعي لتفوقهم في المجال الفترة ده" كما يرى علي سعد مهيب، أستاذ الرسوم المتحركة بأكاديمية الفنون. السمان والخريف، أخطر رجل في العالم، تفاحة آدم وغيرها من "التترات" قام بإنتاجها الشقيقان، أما أبرزها فكان تتر والخدع السينمائية الخاصة بفيلم "النمر الأسود" عام 1984.
أحمد زكي يلاكم وسط جمهور "فوتوشوف"
يحكي عبد القادر الكراني، مساعد مدير تصوير استديو مهيب عن كواليس العمل الذي شارك فيه "كان المخرج عاطف سالم صديق شخصي لأستاذ حسام، وجه قاله أنا عايز فيلم زي الملاكم روكي"، نظر له "حسام" بتعجب لكنه قَبِل التحدي.
ولعمل حلبة المُلاكمة التي تدرّب فيها أحمد زكي كان الأمر شاقًا "لأن الجمهور لازم يكون ألماني ومش هينفع نصور داخلي بره"، فكان الحل كما يقول "الكراني" في أن "المخرج جابلنا رولات فيلم روكي وكانت مهمتنا نشيل الحلبة اللي في النص ونحط بدالها الحلبة المصرية وأحمد زكي"، وخرجت مشاهد الملاكمة على طريقة "الفوتوشوف" في زمن لم يكن يعرفه بعد.
ويذكر مساعد حسام مهيب وقتها رد فعل المخرج عاطف سالم بعدما شاهد تنفيذ خدعتهم في الاستديو "إداني 50 جنيه من كتر ما كان فرحان بالشغل".
الفوازير "الانيميشن" تصل السعودية
بعد تنفيذ فيلم النمر الأسود قام استديو مُهيب بعمل أكبر عمل لهم، استغرق وقتًا طويلًا درجة تعطيل عدد كبير من الإعلانات، كان ذلك فوازير "مشقاص سواح"، وهو إنتاج سعودي، من بطولة حسن درديري وصفاء أبو السعود، يذكر "الكراني" تلميذ الأخوين مهيب أن الفنانة الشابة حينها كانت تلعب دور فتاة على رأسها الكرة الأرضية، وتُدعى جغرافيا "الفوازير دي كانت رسوم متحركة خالصة".
ويضيف "سعد" أستاذ الرسوم المتحركة إن شخصية "مشقاص" قام برسمها فنان الكاريكاتير مصطفى حسين، فيما قام هو -علي سعد مهيب- بتحريكها، أما الكرة الأرضية فتصميم وتحريك الفنان علي مهيب.
وعبر أكثر من ثلاثين حلقة، كل حلقة مُدتها ربع ساعة يذهب الأبطال إلى بلاد عديدة، وأما سبب زيادة الحلقات عن الثلاثين "لأن كانت البحرين مثلا متخانقة مع ليبيا، فمتذعهاش وتاخد دولة تانية"، ورغم المجهود الكبير "اللي هَلك ناس كتير" حسب وصف "الكراني" إلا أن النتيجة جاءت مُبهرة، وذاع سيط الفوازير، وحتى الآن مازال السعوديون يتذكرونها على موقع اليوتيوب، خاصة مع استمرار مثل تلك الأعمال لكن دون وجود الرسوم المتحركة.
السويس 73.. التسجيلي يدخل استوديو مهيب
وفي مضمار التوثيق التاريخي، شارك الاخوين مهيب في عمل فيلم "السويس 73"، الذي كان بمثابة فيلم تسجيلي بالمفهوم الحديث الآن، وتعود القصة لاقتراح من "حسام مهيب" لإنتاج فيلم عما شهدته مدينة السويس، فقامت مؤسسة الأهرام بتوكيل الشقيقان المهمة، ولم يتردد أبناء السويس في الأساس؛ عادا إلى مدينتهم لكن بمعدات التصوير، جابا الشوارع المدمرة، دون تخطيط لما يريدون فعله.
نحو 9 أيام التقطت بها كاميرات استوديو مهيب تفاصيل التغير من الحياة إلى الموت، وكان ذلك سيناريو الفيلم، الذي شهد تصويره بعد مجزرة بحر البقر عام 1970 كما تقول حفيظة الطوبجي زوجة حسام مهيب.
لنحو 25 دقيقة تمر المشاهد المصورة الحزينة، وخلفيتها صوت أهل المدينة في حياتهم الأولى المرحة، إذ يحكي الفيلم قصة شاب وفتاه يستعدان للزواج في ذلك الوقت "نسمع أصواتهما في الهاتف يتواعدان لشراء الشبكة بينما الصورة لا تظهر سوى الهاتف مدمراً وسماعته تتأرجح في الهواء" كذلك يحكي علي سعد مهيب أستاذ الرسوم بأكاديمية الفنون، في كتابه "مهيب الأب الروحي للرسوم المتحركة المصرية".
"كان فيلم جميل ويخلينا كلنا نعيط.. بيدينا أمل في نهاية التصوير".. تعبر زوجة "حسام" عما انتابها حين شاهدت الفيلم، إذ ينتهي العمل بأصوات لتكبيرات العيد تندمج مع صوت أجراس كنيسة تعبيرًا على أمل الانتصار.
أطول فيلم للأطفال
أعقب "السويس 73" تجربة أخرى لتوثيق فترات تاريخية في عمر البلاد، لكن هذه المرة مقدمة للأطفال. في الذكرى الخامسة والعشرين لحرب أكتوبر، كان لاستديو مهيب ميعاد مع تميز آخر، إذ تستعد إدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة حينها لإقامة الاحتفالات السنوية، وخرج الاتفاق على تقديم فيلم جديد، ليقع الخيار على الرسوم المتحركة كشكل للعرض، وبسؤال اللواء سمير فرج، رئيس إدارة الشؤون المعنوية حينذاك "مين اللي ممكن يتحمل مسؤولية فيلم عن حرب أكتوبر"، توجهت الأصابع إلى رائد "الأنيميشن" علي مهيب، الذي رحب بالأمر لكن ظل طارحًا لسؤال "إيه الجديد اللي هيتعمل عن حرب أكتوبر؟". ما كان صاحب الخبرة الطويلة ليقبل إلا بتقديم إضافة لمسيرة الاستوديو.
"فيلم للأطفال عن الحرب" كان رد "مهيب" على نفسه بعد تفكير، وجاء دعم الشؤون المعنوية آنذاك كما قال علي سعد مهيب، أستاذ الرسوم المتحركة الذي أخرج العمل حينها، واعتمد الفيلم على القراءة والاطلاع للوصول إلى سيناريو تاريخي مبسط للصغار "وبعض اللواءات كتبوا نقاط وأحنا أعدنا صياغتها"، وكانت النتيجة في ملخص قصة لطفل اسمه وليد، والده استشهد في حرب أكتوبر حال الكثير من الأطفال لذلك كان اسم أبيه "المصري"، يسرد حكاية الحرب عبر البحث عن رواية وفاة والده في التاريخ "بداية من النكسة في 5 يونيو لغاية قرار الحرب في 73".
كان ذلك قبل شهور قليلة من إقامة الاحتفالات السنوية، تلك المدة التي ظن القائمون على الشؤون المعنوية أنه يمكن إنجاز الفيلم بها، غير أن "مهيب" ومعاونيه رأوا أنها مدة غير كافية "نفذنا جزء وعرضناه عليهم" يحكي "سعد"، مخرج الفيلم، فكان للمنتج المنفذ كبير الأثر في إتاحة الفرصة كاملة لـمهيب، لإتمام رؤيته عن فيلم طويل مقدم للأطفال دون التقيد بعرضه في الذكرى عام 1998.
40 دقيقة مدة فيلم "وليد المصري" الذي أصبح جاهزًا للعرض عام 1999، وتم تقديمه في احتفالات أكتوبر لذلك العام "على استحياء" كما وصف أستاذ الرسوم المتحركة، وبعقد مهرجان وزارة الإعلام، تقدم به "مهيب" للمشاركة، ليفوز بجائزتين ذهبيتين لكن دون عرض "الشؤون المعنوية قالت لنا ده فيلم الجيش مينفعش يشارك في مهرجانات" بحسب مخرج الفيلم، فتم سحبه من المهرجان واحتفظ مهيب بالجائزة.
لكن في عام 2001 دخل الفيلم في مسابقة مهرجان التليفزيون "وصفق له أعضاء لجنة التحكيم طويلاً" بحسب وصف علي سعد، أستاذ الرسوم المتحركة، وتم منحه الجائزة الأولى.
كان "مهيب" تجاوز الستين من عمره وقت تنفيذ وليد المصري، الذي جمع بين الرسوم المتحركة والشخصيات الواقعية، فكان وليد طفلا في عمر العاشرة، وكذلك صور الحرب وخطاب جمال عبد الناصر في النكسة وخطاب أنور السادات ومحمد حسني مبارك.
"مهيب كان بينشد الصعب كالمعتاد" يقول علي سعد مهيب مخرج وليد المصري، معتبرًا أنه الفيلم الوحيد الذي نقص منه الجانب الشعبي الذي طالما حرص عليه فنان الرسوم المتحركة ضمن منظومة أعماله، فنجح العمل من الناحية الثقافية والإبداعية فقط، ودلل على ذلك بمشهد عرضه في مركز شباب السويس، موطن آل مهيب "الولاد كانوا كتير يجوا يتفرجوا شوية ويروحوا لأنه كان طويل وهم عايزين يلعبوا"، لذلك يعمل "سعد" أستاذ الرسوم المتحركة على تقليل المحتوى قليلاً كي يتناسب مع إمكانية إعادة عرضه بالوقت الراهن، متمنيًا أن يتمكن من ذلك في أقرب وقت "لأن تقنيات الرسوم المتحركة كل ما تعدي عليها السنين قيمتها بتقل".
خرج "وليد المصري" وأعمال كثيرة غيره من استديو مهيب، ومعها بصيص حلم كان يكبر داخل أرجاء المكان، بأن يؤسسا أكبر قِبلة للرسوم المتحركة تنافس عالميًا، لكن الحُلم نفسه عاقه بعض العثرات.
تابع باقي موضوعات الملف:
من السويس إلى شبرا.. رحلة محامي ورسام مع ريادة الرسوم المتحركة
داخل أروقة التلفزيون.. قصة أول قسم للرسوم المتحركة في مصر
استديو مهيب.. مصنع الرسوم المتحركة في الوطن العربي
لماذا ردد المصريون إعلانات الستينات؟
بعد أكثر من 40 عامًا.. سوق الجرافيك يُنهي حلم "ديزني الشرق"
تلامذة وتراث ينتظر المنقذ .. كلمة النهاية في سيرة الأخوين مهيب
من الجوابات إلى فيسبوك..ذكريات الجمهور مع أعمال "مهيب"
مسيرة الأخوين مُهيب في سطور (فيديوجراف)
فيديو قد يعجبك: