إعلان

الزرافة بمليون والميزانية محدودة.. كيف تعوض حديقة الحيوان حيواناتها النافقة؟

07:17 م الثلاثاء 06 فبراير 2018

حديقة الحيوان

كتبت- علياء رفعت:

بالقرب من المدخل الرئيسي لحديقة الحيوان بالجيزة، وفي تمام العاشرة صباحًا، وقفت "جيهان" الأربعينية إلى جانب صغيرتيها في طابور طويل للحصول على ثلاث تذاكر للدخول إلى العالم الذي طالما حلمت به الطفلتان.

"حيوانات بكل مكان، حركاتٌ بهلوانية وعروض تُثير الدهشة وتخطف الأنفاس، بينما تمتد أيدي حُراس الأقفاص بعصا للأطفال فيطعمون الحيوانات بمنتهى الفرحة"، هكذا تَلخص حُلم "جنى" و"منه"، غير أن أمنيتهما الأثيرة كانت إطعام الفيل والتقاط صورة مع الزرافة، لتُفاجئهم والدتهم قبل الدخول "مش عارفة هنلاقي الزرافة جوا ولا لاء.. بيقولوا ماتت من يومين".

كانت إجابة الأم بمثابة الصاعقة للصغيرتين، استبدل الحُزن الفرح وتغيرت قسمات وجوههما وسألتا "ماتت ليه يا ماما؟.. هو مكنش في غيرها هنا بس؟". لتأتي إجابة الأم سريعة وحاسمة "هنسأل ونشوف".

2

قبل أيام من ذلك المشهد، أعلن الدكتور حامد عبد الدايم، المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، نفوق ذكر الزراف "ياسو"؛ بعد تعرضه لالتهاب رئوي حاد. وقال إنه تم تشكيل لجنة من الطب الشرعي، لإجراء الكشف وتشريح الزرافة، مع بحث إمكانية شراء بديل له.

"مصراوي" زار حديقة الحيوان للوقوف على أسباب نفوق العديد من الحيوانات بشكلٍ متلاحق مؤخرًا، وكيف تعوض إدارة الحديقة الحيوانات النافقة في ظل ضعف الميزانية المخصصة لها ووقف شراء حيوانات جديدة؟

3

طُرقات أسفلتية استحوذت على المساحة الكُبرى من الحديقة بعد أن غابت الكثير من المساحات الخضراء.. هكذا بدا الوضع داخل الحديقة التي كنا نحتفظ بصورة مغايرة لها في ذهننا من زيارات سابقة.

انتشرت بيوت وأقفاص الحيوانات المختلفة، بينما تراص الكِبار قبل الصغار حولها في محاولة لالتقاط الصور ومُراقبة تلك الكائنات البرية عن قرب. الإقبال ليس كثيفًا، ولكن الحديقة لا تبدو خاوية في الوقت ذاته. ورغم نظافة المكان وغياب الفضلات والقمامة المُلقاة، إلا أن الرائحة السيئة كانت حاضرة بقوة.

أقفاصٌ خاوية غابت عنها الحيوانات، وأخرى تملأها أنواع مختلفة مُتكاثرة لتُشكل بذلك قِطعان جديدة. بينما تبقى أغلب الأماكن المُخصصة للمبيت مُغلقة لا تُبصر منها عينيك شيئًا، فلا تدري إن كانت مُجهزة أم لا.

4

"الدنيا فيها قلق من ساعة نفوق الزراف ياسو، وبيقولوا في تحقيق في الموضوع" قالها أحد حُراس الأقفاص، مؤكدًا أنه منذ اليوم الأول لمرض الزراف كان المشهد شديد الارتباك. لجان طبية تمر يوميًا لرفع التقارير، بينما تزداد سوء حالة الزراف، لتعود فتتحسن لمدة يومين، ثم يستيقظ الجميع على خبر نفوقه.

عِند البيت المُخصص للزراف، وقف "شعبان" العامل وهو يناول الأطفال قطع الجزر واليوسفي ليناولوه للزرافة "سُونسون"، التي يؤكد أن أحوالها تغيرت كثيرًا عقب نفوق "ياسو"، فهي بالكاد تأكل الفاكهة فقط، وتعزف عن مشاركة الجماهير والاندماج معهم أغلب الوقت.

"الاستيراد مقفول من 2012، دي كانت آخر دفعة من الزراف اللي جالنا من إفريقيا وكان عندنا أمل يبقى في مولود جديد منهم".. قالها شعبان، مؤكدًا أنهم حاولوا قدر استطاعتهم توفير البيئة الملائمة للزراف وتدفئة مكان المبيت المخصص لهم باستخدام قش الرز. غير أن تلك الخسارة قد يصعب تعويضها بحسبه نظرًا لارتفاع أسعار الحيوانات بعد التعويم، حيث يصل سعر الزراف الواحد "مليون وأكتر، وميزانية الجنينة كلها على بعضها مش كبيرة".

5

بعينٍ مُختلفة تمامًا ترى "دينا ذو الفقار" الوضع، فكونها عضو اللجنة المشرفة على حدائق الحيوان، يجعلها ترى الأمور عن كثب في زياراتها الأسبوعية للحديقة، "كُل المبايت غير مناسبة للحيوانات ولا لطبيعتهم البرية". فحتى محاولات تدفئة تلك المبايت التي أكدها العامل تراها "دينا" غير مجدية لأنها صُممت على الطراز الفكتوري في عهد الخديوي وقت إنشاء الحديقة ولم يتم تطويرها أو تغيير طبيعتها لتناسب الحيوانات بشكلٍ أفضل حتى الآن لكونها تعتبر تصميمات أثرية، ولكنها تتنافى الآن مع تصميمات حدائق الحيوانات العالمية والسعي لتطويرها.

"منقدرش نرمي اللوم على إدارة الحديقة أو العاملين بيها لأنهم بيبذلوا جهد كبير في منظومة فاشلة من الأساس".. قالتها ذو الفقار مؤكدة أن التعامل مع حديقة الحيوان من قبل المسؤولين على أنها حديقة ترفيهية هو سبب كُل الكوارث التي تواجهها والخسائر المادية الفادحة، فحدائق الحيوان على مستوى العالم كُله تُعد مراكز للتوعية بالثروة الحيوانية، الإكثار، وصون النوع. وبُناءً على ذلك تُخصص ميزانيات كبيرة لها وهو ما لا يحدث مع حدائق الحيوان في مصر.

رجائي: 15 مليون جنيه ميزانية كل "حدائق الحيوان".. وخسائر نفوق الحيوانات تتخطى الـ10 ملايين

6

داخل مكتبه الخاص بحديقة الحيوان، التقى "مصراوي" اللواء محمد رجائي، رئيس الإدارة المركزية بحدائق الحيوان بالجيزة، ليقف على الخسائر المادية التي تعرضت لها الحديقة في السنوات الماضية بسبب نفوق الحيوانات بشكل متتابع، وكيف تواجه الإدارة الحالية الوضع.

حوالي 15 مليون جنيه مصري، هي الميزانية التي تُخصصها وزارة المالية كُل عام لكل حدائق الحيوان بأنحاء الجمهورية المختلفة، بحسب اللواء "محمد رجائي"، وهى ميزانية كما يصفها "ضئيلة جدًا، متعملش حاجة"، وذلك لكونها تنقسم لعدة بنود منها صرف رواتب بعض العاملين الذين تُقتطع رواتبهم منها نظرًا لوقف الدولة التعينات منذ عام 2012، إضافة للتغذية، والتطوير، والتطعيمات والمتابعات الصحية. غير أنها لا تشمل استيراد أو استجلاب المزيد من الحيوانات "الموضوع موقوف من حوالي سبع سنين، ونادينا بتخصيص بند من الميزانية لده بس محصلش تغير، وأسعار الحيوانات مش رخيصة أبدًا".

تلك الأوضاع المزرية تسببت في خسائر تُقدر بأكثر من 10 ملايين جنيه خلال السنوات الماضية بسبب نفوق الحيوانات، وهو ما جعل حديقة الحيوان بالجيزة تخرج من التصنيف العالمي لحدائق الحيوانات. بينما بقي استمرار عضوية مصر في الاتحاد الإفريقي للحيوان من خلال حديقة الجيزة هو طوق النجاة الوحيد لعودتها لذلك التصنيف بعد توصيات الاتحاد الافريقي.

7

المقايضة الحيوانات الناقصة بالمتوفرة وفرت لنا 6 ملايين جنيه.. ويمكن نقدر نجيب زرافة بنفس الطريقة

"التطوير في حدود الامكانيات".. كان ذلك هو المبدأ الذي عمل وفقه اللواء رجائي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالحديقة التي تسلم إدارتها منذ عامين وهي "خربانة تمامًا" على حد تعبيره. أولى خطوات التطوير كانت تفعيل مركز إكثار الطيور ومركز المعلومات، وبعدها تزايدت نسب تكاثر بعض الحيوانات بحوالي 40% وهو ما مكن القائمين على الحديقة من عملية الاستبدال، ليتواصلوا مع حدائق الحيوانات العالمية ويقايضوا الحيوانات التي تفتقد لها الحديقة مقابل حيوانات أخرى تمتلئ بها كالسباع وفرس النهر وبعض أنواع الطيور.

8

"يمكن نقدر نجيب زرافة للحديقة بنفس الطريقة لأننا مش هنقدر ندفع مليون جنيه في الوقت الحالي".. قالها رجائي موضحًا أن ذلك هو السعر الحقيقي للزرافة الواحدة، وأن عملية الاستبدال التي اتبعوها وفرت للحديقة حوالي 6 مليون جنيه على مدار عامين فقط، ولولا تلك العملية لكانت نقصت حيوانات معينة من الحديقة بشكل نهائي.

بينما ترى الناشطة بمجال حقوق الحيوان، "دينا ذو الفقار"، أن الحيوانات البرية لا تُقدر بثمن، وأن حياتها أغلى من كُل الأموال المطروحة، أو الميزانية الخاصة بالحديقة، وقالت: إذا لم نتمكن من الحفاظ عليها وتوفير البيئة المناسبة لها ومراعتها صحيًا على الوجه الأكمل، فيجب علينا عدم نقلها من بيئتها البرية من الأساس "إنك تكون مسؤول عن روح ده شيء صعب، وانك تبقى مسؤول عن أرواح بعضها نادر ده الأصعب ولو احنا مش فاهمين إزاي نصونه يبقى منستاهلوش".

20180204_144238

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان