إعلان

فورين بوليسي: عقوبات أمريكا ضد السودان ساعدت حكومة البشير "القمعية"

10:19 م الثلاثاء 03 يوليه 2018

الرئيس السوداني عمر البشير

كتب - هشام عبد الخالق:

لم يمر سوى تسعة أشهر على رفع العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على السودان، ونفذت الأموال بالفعل من ماكينات الصراف الآلي في العاصمة الخرطوم، بل قضى السودانيون شهر رمضان صائمين تحت درجات حرارة عالية وهم منتظرين بالساعات أمام ماكينات الصراف الآلي ليستلموا أموالهم.

الحكومة الأمريكية تحت إدارة ترامب، رفعت في أكتوبر الماضي، العقوبات الشاملة المفروضة ضد السودان منذ 20 عامًا، وظن مواطنو السودان أنهم أنهوا عقودًا من العزلة الاقتصادية وتطلعوا إلى إعادة الاندماج في المجتمع الدولي مرة أخرى، لكن بعد تسعة أشهر من رفع العقوبات، لا يزال السودان على حافة الانهيار، وذلك بسبب مجموعة من العوامل أبرزها: الفساد، وقلة المساعدات الأجنبية، والاستثمارات الدولية، والإسراف المالي للدولة السودانية.

مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، قالت في تقرير لها بعنوان: "العقوبات ضد السودان لم تؤذِ الحكومة القمعية بل ساعدتها" إن: "سنوات الازدهار النفطي، والتي استمرت في الفترة من 2005 حتى 2010، انتهت بخسارة عائدات النفط عندما انفصل الجنوب عن الشمال في عام 2011، وتضاعفت تلك الخسارة عندما انتهت خطط تقاسم العائدات مع حكومة جنوب السودان مع بدء حرب أهلية في الأمة الناشئة، لم يكن هناك خطة بديلة، وليس هناك ما يشير إلى الدخل الذي كان يجب أن تحصل عليه الخرطوم خلال تلك الفترة، وبالتالي، يوجد نقص خطير في الاحتياطات الأجنبية، ومما زاد الطين بلة، خلقت عدم قدرة النظام المصرفي السوداني على التجارة بالدولار الأمريكي سوقًا سوداء كبيرة لدرجة أنه امتص السيولة من النظام المصرفي الرسمي.

وتابعت المجلة، المعاناة الاقتصادية التي يعيشها السودان تحت حكم الرئيس عمر البشير منذ أكتوبر، هي خطأ ناتج عن حكومة فاسدة وعملية سياسة قصيرة النظر في العواصم الغربية، والتي لم تستطع التنبؤ بأن العقوبات يمكن أن تضر الشعب السوداني أكثر من السياسيين، أو تتوقع التحديات الاقتصادية المترتبة على عصر ما بعد العقوبات.

كانت تلك العقوبات - بحسب المجلة - تهدف في الأساس لإضعاف ومعاقبة النظام الفاسد، ونادرًا ما يتم تخصيصها لإعادة تأهيل النظام نفسه من أجل تخفيف معاناة الشعب عند رفعها، ومن الممكن أن يؤدي هذا إلى نتائج سيئة، حيث من الممكن استغلال مثل هذه العقوبات للتستر على الحكومات نفسها التي يجب معاقبتها، مثلما حدث في حالة السودان، في الوقت الذي تُقوي فيه شوكة هذه الأنظمة ضد المعارضة الداخلية والضحايا الذين تم فرض العقوبات بهدف حمايتهم.

وأضافت المجلة: "اللغز الاقتصادي الحالي في السودان هو نتيجة حتمية لطفرة تحدث بعد فترة طويلة من نفي الدولة خارج شبكة التجارة العالمية، وتطور الاقتصاد السوداني مثل أي كائن حي يرزخ تحت ضغط من أجل البقاء، إن تطبيق العقوبات المطول لم يجعل من الصعب على السودان القيام بأعمال تجارية مع العالم الخارجي فحسب، بل أدى أيضًا لتعتيم الاقتصاد بحيث يصبح من المستحيل إعادة الاندماج في الشبكات المالية العالمية بهذا الشكل. إن اقتصاد السودان هو أقل آلية للتنظيم الرسمي وأكثر هيكلية وتعقيدًا من التنظيم غير الرسمي، وتطور على هذا الوضع على مدى عدة سنوات، وتكيّف كلًا من المواطنين والحكومة للنجاة من هذا الوضع على مدى العقد الماضي.

في الواقع، يبدو أن تخفيف العقوبات الذي طال انتظاره جعل الأمور أسوأ، وفي مواجهة ارتفاع مذهل في التضخم بلغ 60% في مايو، فرضت الحكومة السودانية الحد الأقصى على عمليات السحب من البنوك بعد أن اندفع المواطنون السودانيون لسحب ودائعهم من الجنيه السوداني التي تنخفض قيمته بسرعة، لم يتمكن الأشخاص الذين يستلمون رواتبهم نقدًا من سحب المبلغ بشكل كامل منذ يناير الماضي.

ومن بين العوامل التي أدت لانخفاض قيمة الجنيه الأسترليني ارتفاع الطلب على العملات الأجنبية، حيث بدأت الشركات والأفراد السودانيون بالسفر إلى الخارج لإقامة أعمال جديدة، لم يتم تلبية هذا الطلب مع العرض النسبي من حيث تدفق الاستثمار.

وقد صمد السودانيون لعدة سنوات في مواجهة العقوبات التي جعلت التعاملات اليومية الروتينية مستحيلة، وتوقع السودانيون أنه بعد إتمام الاتفاق الإيراني عام 2015، أن الدولة ستعود مرة أخرى إلى السوق الدولية العالمية، ولكن اختفى هذا الأمل عندما اتضح أن البنوك الدولية لم يكن لها النية في إعادة الانضمام للسودان.

وأوضحت المجلة، أن النخبة في السودان دائمًا ما كانت تجد طريقة للالتفاف حول العقوبات، حيث كشف تحقيق لوكالة "بلومبيرج" أن العقوبات ضد السودان لم يتم تنفيذها بشكل كامل، وأن الأشخاص ذوي الصلة كان لديهم دائمًا فرصة لإتمام أعمالهم مع الشركات التجارية لعدة سنوات، وكان بإمكانهم تقوية شوكتهم وزيادة ثرواتهم في الوقت الذي تعيش فيه باقي الدولة معزولة عن العالم.

وبتغيير التوازن أكثر لصالح النظام السوداني الاستبدادي، كانت العقوبات المفروضة تفتقر لبعض العناصر الحاسمة التي كانت ستجعلها فعالة بشكل أكبر، وعلى الرغم من أنها عقوبات أمريكية، إلا أنه لم يتم ملاحظتها على نطاق واسع بما يكفي لإلحاق الضرر بالنظام، لم يمكنهم إيقاف الصين أو الدول الأفريقية أو دول الخليج من القيام بأعمال تجارية مع السودان، كما أنهم لم يستغلوا بلدًا يمكنهم فيه تمكين المعارضة المحلية، وتعمل مثل هذه العقوبات بشكل كامل وعلى أفضل وجه عندما يمكن توليد بعض الضغط الداخلي، وتمكين المجتمع المدني الديمقراطي وزيادة قوة أحزاب المعارضة.

ولكن يبدو أن الدول الاستبدادية مثل السودان لديها مناعة نسبية ضد تأثير العقوبات، لأن منتقديها ومعارضيها كانوا ضعفاء جدًا. أستاذ العلاقات الدولية في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، ومؤلف كتاب "نهاية فترات حقوق الإنسان" ستيفن هوجود، يرى في العقوبات أداة تمكين للنخب الحاكمة، ويقول: "العقوبات تجعل الأشياء غير متوازنة من خلال منح الحكومة ميزة على المعارضة لأنها تعزز السلطة، وسيجد الأشخاص ذوي السيادة دائمًا وسيلة".

وقالت المجلة: "في النهاية، عندما رفعت العقوبات المفروضة ضد السودان في النهاية، لم يكن من الواضح عدد الأهداف التي تم تحقيقها بالفعل، حيث تم تخفيف العقوبات أولًا لمكافأة وتحفيز الحكومة السودانية، التي أصبحت حليفًا أمنيًا رئيسيًا في المنطقة وحصنًا ضد المهاجرين الأفارقة الذين يشقون طريقهم إلى أوروبا، أو وفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية، "تم رفع العقوبات اعترافًا بالإجراءات الإيجابية المتواصلة لحكومة السودان للحفاظ على وقف الأعمال العدائية في مناطق النزاع في السودان".

والحقيقة هي أن العقوبات لم تكن متوافقة بشكل كبير مع الغرض المقصود منها، والمتمثل في تعزيز جدول أعمال حقوق الإنسان، وتم تنفيذ تلك العقوبات ببساطة ثم زادت بعد ذلك بعد ظهور أدلة على وقوع جرائم حرب في دارفور عام 2005، وبدلًا من إيقاف عدوان الحكومة السودانية، أدت العقوبات إلى إعاقة اقتصاد البلاد لصالح الحكومة، جعل الشعب السوداني منبوذًا.

واختتمت المجلة تقريرها بالقول: "لكن بقايا سنوات من العزلة الاقتصادية والسياسية تهدد بالتغلب على الإصرار الذي يبديه الشعب السوداني، الذي عاش طويلًا على شفا الهاوية لفترة طويلة، ولكنهم الآن يسقطون من الحافة".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان