إعلان

الشيخ الشعراوي.. مواقف هل كان فيها "إمام الدعاة" متطرفًا؟

06:00 م الأحد 03 نوفمبر 2019

الشيخ محمد متولي الشعراوي

كتبت- آمال سامي:

في آخر أيام الإمام الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله، كانت مصر تشهد موجة من التطرف والإرهاب في عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك، وكان له رحمه الله موقف شديد ضد هذه الجماعات الإسلامية المتطرفة، وضد الأفكار المتطرفة، محذرًا المصريين والمسلمين من خطورة الانزلاق وراء تلك الأفكار والجماعات، قائلًا: إن دين الإسلام واضح وفطري، وداعيًا المسلمين ألا يستمعوا إلى أحد، وأن يعلموا أن خصوم الإسلام لم يقدروا على الإسلام من ذواتهم، بل دخلوا عليه من أبنائه، وجعلوا لكل واحدٍ منهم أملًا أن يكون أميرًا أو حاكمًا، مضيفًا "لذلك أعلنت دائما أني لا أريد أن أحكم بالإسلام، ولكني أريد أن يكون الإسلام أميرًا عليَّ وأن أكون محكومًا له بأي واحد من أدنى الأرض لكني لا أحب أن أحكم أنا بالإسلام؛ لأن طالب الولاية لا يولى". وقال إننا يجب أن ننتبه جيدًا لما يراد بنا من شر "فأنا لست من رجال السلطة، فأنا الوحيد في مصر الذي رد قرارات جمهورية أو ملكية فلا يستطيع أحد أن يتهمنا بأننا علماء سلطة".

وقال أيضًا مستنكرًا منطق الجماعات التفكيرية التي كانت تكفر المجتمع المصري حينها: من يقول عن مصر إنها أمة كافرة؟ إذا فمن المسلمون؟ من المؤمنون؟ مصر التي صدَّرت علم الإسلام إلى الدنيا كلها، صدَّرته حتى للبلد الذي نزل فيه الإسلام، هي التي صدَّرت لعلماء الدنيا كلها علم الإسلام، أتقول عنها ذلك؟ ذلك هو تحقيق العلم في أزهرها الشريف، وأما دفاعاً عن الإسلام فانظروا إلى التاريخ، من الذي رد همجية التتار عنه؟ إنها مصر.. من الذي رد هجوم الصليبيين على الإسلام والمسلمين؟ إنها مصر. وستظل مصر دائمًا رغم أنف كل حاقدٍ أو حاسدٍ أو مُستَغِلٍ أو مُستغَل، أو مدفوع من خصوم الإسلام هنا أو خارج هنا".

الشعراوي يرفض منهج الإخوان وطموحهم للحكم

كان أول منشور للإخوان بخط الشيخ الشعراوي رحمه الله، وقد شهد لحسن البنا بصدق النية والرغبة الحقيقية في الدعوة إلى طريق الله، لكنه في عام 1937 انفصل عن الإخوان بعدما تأكد من حقيقة مآربهم ورغبتهم في الوصول إلى السلطة، فكانت سياسة لا دعوة إلى الله، ويحكي الشعراوي لسعيد أبوالعينين في كتابه "الشعراوي الذي لا نعرفه" قصة انفصاله عن الجماعة قائلًا: إن ذلك كان في ذكرى الاحتفال بسعد باشا زغلول فحضر الشعراوي الاحتفالية، حيث كان يعتبر ذكرى سعد زغلول ذكرى وطنية، فألقى قصيدة امتدح فيها سعد زغلول والنحاس، ما أثار غضب حسن البنا لامتداحه النحاس، وفي إحدى الجلسات مع الإخوان لاحظ الشعراوي أنهم يتحاملون على النحاس باشا ويميلون إلى صدقي باشا، وانتقد الشعراوي ذلك؛ لأنه كان يرى النحاس طيبًا تقيًا ورعًا لكنه صدم حين رد عليه أحد الحاضرين قائلًا: "النحاس باشا هو عدونا الحقيقي، هو أعدى أعدائنا؛ لأنه زعيم الأغلبية، وهذه الأغلبية هي التي تضايقنا في شعبيتنا، أما غيره من الزعماء وبقية الأحزاب فنحن نبصق عليه جميعًا فتنطفئ وتنتهي". يقول الشعراوي إن هذا الكلام كان صادمًا له فقد عرف النوايا الخفية وأن المسألة ليست دعوة وجماعة دينية، وإنما هي سياسية وطموح للحكم، وفي تلك الليلة قرر الابتعاد وعلق على ذلك قائلًا: "لا أريد أن أكون أنا الذي أحكم بالإسلام، وإنما أريد أن يحكمني من يشاء بالإسلام".

لم تتوقف مصادمات الشعراوي مع الإخوان عند هذا الحد، بل كان هناك عداء واضح بين الإخوان وبين قرارات الشيخ الشعراوي حينما كان متوليًا وزارة الأوقاف، حيث كان يحاول اتخاذ قرارات تقوض من نفوذ أصحاب الجماعات الدينية المتطرفة التي كانت قد بدأت في الظهور والحركة حينها برضا من الدولة. لكنه على الرغم من ذلك، رد ردًا عنيفًا على السادات حين هاجم الشيخ المحلاوي في إحدى خطبه في مجلس الشعب لرفضه معاهدة كامب ديفيد واصفًا إياه بأنه "مرمي في السجن زي الكلب"، فأرسل الشعراوي برقية رسمية للسادات يقول فيها: "السيد الرئيس، أنور السادات، إنّ الأزهر الشريف لا يخرج كلابًا، ولكنه يخرج دعاة أفاضل وعلماء".

الشعراوي يعفو عن قاتل أخيه ويوئد الثأر في الصعيد

يروي الدكتور عدنان إبراهيم كيف عفا الشعراوي عن قاتل أخيه إبراهيم، فكان شابًا وشيخًا بالأزهر، وقُتل أخوه في قريته بدقادوس، "تنازل عن دم أخيه في صعيد مصر.. فضيحة وعار" وعلم الناس كيف يكون التدين العلمي لا النظري، وكان أبوه وأمه غاضبين للغاية لكنه قال لهم "من عفا وأصلح فأجره على الله".

ففي كتابه الكبائر، يتحدث الشعراوي عن عفو صاحب القصاص عن حقه، قائلًا: "الحق سبحانه وتعالى يحث صاحب القصاص أن يعفو، وأن يصل إلى التيقن من أخوة الإيمان التي تقتضي العفو من صاحب الثأر، وتفرض الأداء بإحسان على المطلوب منه الدية. وفي ذلك حقن للدماء، فإذا عرض أهل القاتل الدية، فلأهل القتيل أن يعفوا عن جزء منها.."وهو ما فعله الشعراوي بالضبط في حياته في جلسة التصالح التي تمت بعد مقتل أخيه وهو يرى قاتله وأهله، فلم يكن، رحمه الله، يحدث الناس من برج عاجي، وإنما كان إيمانه ودينه قولًا وعملًا.

لماذا سجد الشعراوي إثر هزيمة 1967؟

لم يكن الشعراوي راضيًا عن ميل الدولة حينها للشيوعية، وارتمائها في أحضان روسيا حسب تعبيره، لكنه في الوقت نفسه لم يكن "شامتًا" بهزيمتها، بل تعامل مع الهزيمة تعامل العلماء.

يقول الشعراوي لسعيد أبوالعينين في كتابه "الشعراوي الذي لا نعرفه" معللًا سجوده بعد النكسة: "صلاة الشكر يوم الهزيمة هي سجود وشكر لله؛ لأن الهزيمة جاءت من عند الله لتصويب أخطائنا التي ارتكبناها ومن هنا وجب الشكر لله". ويشبه الشعراوي نكسة 1967 بهزيمة المسلمين يوم أحد، قائلًا إن سبب هزيمة المسلمين وقتها هو عصيانهم لأمر الرسول؛ الذي قال للرماة ألا يتركوا أماكنهم سواء انتصر المسلمون أو انهزموا، لكنهم خالفوا أمره، فانهزموا. يقول الشعراوي "فالهزيمة هنا كانت لانخزال المسلمين وعدم طاعتهم أمر رسول الله، ولو كانوا قد انتصروا مع مخالفتهم لطاعة رسول الله لقالوا: خالفناه وانتصرنا". وأكد الشعراوي أن هزيمة المسلمين في أحد جاءت لتصويب خطأ من عصوا أمر الرسول ولذا أمر الرسول الناس يومها أن يشكروا لله قائلًا: استووا حتى أثني على ربي.

وهكذا كان موقف الشعراوي من نكسة 1967 شكرًا لله في السراء والضراء شكر الراضين الممتثلين لقضاء الله، "صلاة الشكر عند الهزائم والمحن والكوارث هي أيضًا صلاة امتثال ورضاء بقضاء الله وقدره وهي بذلك تعد من قبيل النسك والعبادة في مثل هذه الأحوال".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان