"الفرحة ناقصة".. كيف استعدت درعا السورية لاحتفالات عيد الميلاد؟
دمشق- (أ ف ب):
في كنيسة سيدة البشارة في مدينة درعا السورية، يضع الأب جرجس رزق بمساعدة شبان اللمسات الأخيرة على القاعة الرئيسية استعدادًا للاحتفال بعيد الميلاد الأول فيها بعد ترميمها من آثار معارك ألحقت بها اضرارا جسيمة، لكن احتفالهم لن تفارقه غصة هجرة كثيرين من أقاربهم خلال سنوات الحرب.
خلال يوم أحد متعب بين التنظيف ووضع الزينة والمقاعد، يسرق رزق ساعات قليلة لإقامة القداس الأخير قبل الميلاد، مكتفياً بغرفة جانبية وضع فيها الأيقونات على كراس بلاستيكية بحضور ما لا يتجاوز خمسين شخصاً، غالبيتهم من كبار السن.
ويختم جرجس عظته، بدعوة من حضر من رعية في مدينة درعا، إلى المشاركة بكثافة في قداس ليلة الميلاد الثلاثاء.
ويقول جرجس لوكالة فرانس برس إن "500 عائلة مسيحية كانت تعيش في المدينة قبل الحرب 500 عائلة، لكن العدد تراجع إلى النصف" خلال سنوات النزاع المستمر منذ نحو تسع سنوات.
خلال سنوات طويلة تقاسمت فيها القوات الحكومة والفصائل المعارضة السيطرة على مدينة درعا، كانت كنيسة سيدة البشارة للروم الأرثوذكس تقع على خط التماس بين الطرفين. ولم تسلم من شظايا وقذائف طالتها إلا أنها واصلت رغم ذلك إحياء الأعياد.
وسيطرت القوات الحكومية في صيف العام 2018 على كامل محافظة درعا إثر عملية عسكرية واتفاقات تسوية وإجلاء مع الفصائل المعارضة.
وقبل شهر، انطلقت أعمال الترميم في الكنيسة، فأعيد إصلاح سقفها الذي خرقته قذيفة، وأغلقت فتحات تركتها شظايا الرصاص في جدرانها، واستبدل زجاج نوافذها.
وفي القاعة الرئيسية، تمسح شابات الأرضية المصنوعة من بلاط أبيض وأسود اللون، بينما يستمع آخرون لتوجيهات رزق الذي يضع صليباً خشبياً كبيراً أمام المذبح ومن خلفه زجاج رُسمت عليه أيقونات ملونة.
وفي الخارج، عُلقت على جدران الكنيسة زينة ميلاد بسيطة.
وبرغم كل هذه الاستعدادات، لا يتوقع جرجس حضوراً كثيفاً.
ويوضح "باتت بعض القرى اليوم شبه خالية من المسيحيين، ولم يبقَ فيها سوى الآباء والأمهات وكبار السن بعدما رحل معظم الشباب بحثاً عن الأمان أو العمل، وجراء توقف الكثير من مرافق الحياة في درعا خلال فترة الحرب".
"هل احتفل وحدي؟"
كنيسة سيدة البشارة واحدة من ثلاث كنائس فقط في مدينة درعا، وإن كان وضعها أفضل منهما، إذ أن كنيسة البروتستانت الإنجيليين أغلقت أبوابها تماماً، في حين لا يتواجد كاهن كنيسة يوحنا الدمشقي للروم الكاثوليك بشكل دائم فيها.
وتنتشر في المحافظة الجنوبية بشكل عام كنائس عدة منها ما هو أثري، لكنها اليوم باتت شبه خالية.
وفي مدينة إزرع شمال درعا، التي تضم كنائس عدة بينها إثنتان تعودان للعصر البيزنطي، يُحصي الخوري إيليا تفنكجي في كنيسة جاورجيوس للروم الأرثوذوكس بشكل دوري بيانات السكان المسيحيين الذي هاجروا أو نزحوا إلى مناطق أخرى.
وأحصى الخوري ثمانين شاباً هاجروا من المدينة التي تضم مئة عائلة مسيحية. ويقول "لم يبقَ، في الكثير من المنازل، سوى العجزة وكبار السن". ويضيف "أتمنى لو يأتي ذلك اليوم الذي أُحصي فيه الشباب العائدين".
تزور وسيلة ذياب (76 عاماً) كنيسة جاورجيوس للدعاء. وتقول السيدة التي ترتدي ثوباً أسود تقليدياً "العيد هو لمّة العائلة، وبناتي مسافرات إلى أميركا وأوروبا (..) كيف لي أن أحتفي لوحدي وأزيّن الشجرة".
اغرورقت عينا وسيلة بالدموع قبل أن تمسحها بوشاح أبيض وأسود وضعته على رأسها وظهر من تحته بعض من خصلات شعرها الأبيض. وتأملُ وسيلة أن يأتِ ذلك اليوم الذي يلتمَ فيه شمل العائلة مرة أخرى، لكنها لا تعتقد أنه قريب.
وتقول "كندا بعيدة جداً جداً، وكذلك هولندا، لا أعتقد أنني سأرى بناتي مرة أخرى".
"فرحة ناقصة"
على بُعد أقل من 10 كيلومترات من إزرع، تقع بلدة شقرا المسيحية والتي تُعرف بكنيسة تعود للعام 1560 للميلاد وبمبان أثرية من العهد الروماني.
لا تزال شظايا الرصاص في جدران عائلة أرشيد شاهدة على معارك عنيفة وقعت في البلدة في العام 2013.
وللمرة الأولى منذ سنوات، تُزين مريم أرشيد (74 عاماً) مع بناتها وحفيداتها شجرة الميلاد، كما تستعد لتحضير حلوى العيد لتوزيعها على الجيران.
تتذكر أرشيد أيام ما قبل النزاع. وتقول "كنّا نحضّر كميات كبيرة من الحلوى حين كانت البلدة تغصّ بسكانها، أما اليوم فنحضر كميات محدودة تتناسب مع الأعداد القليلة المتبقية".
وبرغم انتهاء المعارك في محافظة درعا إلا أنها لا تزال تعاني من فوضى أمنية، وتشهد بين الحين والآخر عمليات اغتيال وهجمات، يتبنى بعضها تنظيم الدولة الإسلامية.
وبرغم أجواء عيد الميلاد التي تحاول العائلة أن تعيشها، لا يزال نزار أرشيد يشعر بالقلق في بلدة يقول إن في مرحلة من المراحل لم يبق فيها سوى ثلاث عائلات مسيحية، ولم يعد إليها حتى الآن سوى العشرات من أبنائها.
ويقول: "فرحة الميلاد ناقصة ويشوبها خوف من المستقبل". ويضيف "أتوقع ألا يعود معظم المهاجرين".
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: