إعلان

"لا شيء يعادل الحرية".. كيف تابع سعد زغلول بداية "ثورة 19" من المنفى؟

07:42 م الخميس 14 مارس 2019

سعد زغلول

كتب- محمد نصار:

"لا شيء في العالم يعادل الحرية، ولا يشعر بقيمتها إلا من حُرم منها كلها أو بعضها".. هكذا أيقن الزعيم الراحل سعد زغلول، قيمة الحرية بعدما بدأ رحلته في منفاه بجزيرة مالطة برفقة 3 آخرين.

في المنفى، بدأ "زغلول"، في تعلم الإنجليزية والألمانية على يد ألماني ليتمكن من مطالعة الأخبار التي كانت قد انقطعت لمدة أيام، فيقول في مذكراته: "ومكثنا عدة أيام لا نعلم من حوادث مصر شيئًا، ولكن أتت أخبارها شيئًا فشيئًا من التلغرافات التي تصل إلينا ومن جريدة التايمز، وجريدة المقطم، واندهشت جدًا من هذه الحوادث لأننا لم نكن نتصور حدوثها، خصوصًا بالكيفية التي حدثت بها".

كانت أحوال رفقاء المنفى مُتقلبة لأنهم لا يطلعون على كامل المشهد في مصر: "حالتنا تتقلب بين اليأس والرجاء تبعًا لتقلب الأخبار"، وذاع يوم 12 أبريل، أن أماكن مختلفة في المنفى يتم تجهيزها لإيواء عدد عظيم من المصريين الذين يصلون غدًا أو بعد غدِ، فوقع منهم الخبر موضع الاستياء وتمنوا أن يكون مكذوبًا".

طباخ ألماني

كان سعد ورفاقه غاضبين من موقفهم، وهذا الغضب امتد إلى الطعام، فلم يرضهم الطباخ الأول فاستبدلوه بآخر ألماني ومرتبه 5 جنيهات في الشهر وطهيه مناسب: "لكن الألوان التي يصنعها محدودة، وكان للعب الورق والدرس فضلًا كبيرًا في إلهائنا".

صراع الرفاق

"يؤسفني جدًا ما يقع من وقت لآخر بين محمد محمود وإسماعيل صدقي من سوء تفاهم، ولقد حاولت كثيرًا منعه، فلم تساعدنِ حالة محمد محمود، على الوصول إلى غاية مُرضية، لأنه كثير الانفعال ويتأثر لأقل شيء، ويكفي أن يخالف فكره في أمر من الأمور حتى يغضب ويرمي الغضب من لسانه بعض العبارات الجارحة".. بدا سعد زغلول مستاءً من الخلاف الذي كان عادة يومية لهم في مالطة.

وتذمر سعد، من سوء الظن به من جانب محمد محمود: "وهو سيء الظن بي كلما رأى أو لاحظ أو توهم أني أميل إلى إسماعيل صدقي، الذي أظهر سعة صدر في كثير من الظروف فلم يكن يمكن لي أن أغض من كرامته ولا أن أتخلى عن نصرة حقه، رغم كون الصحبة بيننا لم تكن كبيرة، ورغم كوني صديق لمحمد صداقة قديمة".

يضيف سعد "وبدأت اتضايق من هذه الحالة مضايقة شديدة، ولا أدري ما الذي ستؤدي إليه، وحضر عندي حمد الباسل باشا، وأظهر لي كدره من حالة محمد باشا، ومن كونه يسيء الظن كثيرًا بإسماعيل صدقي".

إحقاقًا للحق

بدأ سعد زغلول في سرد مميزات وعيوب محمد محمود، فيقول عن حسناته: "تنازل في زمن البرد القارس عن غرفته الدافئة لي، وأخذ لنفسه الغرفة الباردة التي لا تنفذ إليها حرارة الشمس".

في مقابل حسنة وحيدة لمحمد محمود، تحدث سعد عن عدد كبير من سيئاته، فيقول: "يُكلم ضابط السجن أمامنا كلما حضر، من غير أن يكلف نفسه عناء ترجمة ما يدور بينهما من الحديث الذي يختص في أغلب الأوقات بحاجتنا وطلباتنا، يلوح لي أنه يفعل ذلك حتى يظهر أمام الضابط بأنه لم يكن مترجمًا بل رئيسًا لهم".

ويتابع سعد: "اتفقنا على أن نحسن على فقراء الأسرى من المصريين بمبلغ 50 جنيهًا، فكتب هو الأمر وأمضاه وأرسله إلي بعد ذلك مع حمد باشا من قبيل الإحاطة مع أننا لم نتفق سابقًا على أن تكون الإمضاء له، كما حضر فريق يدعى إحسان باشا أسيرًا، وأراد أن يرد لنا الزيارة فأرسل الباشا إليه يدعوه إلى تناول العشاء معنا في ساعة عينها من غير أن يرى مغبات ذلك، وإذا جلسوا لقراءة الجرائد خصوصًا العربية منها، وتولى أحد غيره القراءة للباقي فيتشاغل عنه بالقراءة وحده، ويغضب إذا دُعي للاستماع كالباقي، وحتى ترك المجلس وأخذ يقرأ وحده".

خطاب "أللنبي" وحلم السفر

بدأت أيام المنفى الكبيسة في عدها التنازلي، وفي مساء أحد الأيام بعد العشاء، وفي تمام الثامنة، كان سعد ورفاقه يلتفون حول مائدة اللعب، وفجأة دخل عليهم محمد إبراهيم، وفي يده تلغراف، يقول فيه إن الجنرال أللنبي أعلن بأن السفر إلى خارج القطر صار مُباحًا لكل المصريين: "فكدنا نطير من الفرح لهذا النبأ الشارح للصدور، المنعش للآمال، وقلت: إن هذا أول انتصار للحق على القوة، وأول ثمرة من ثمرات اتحاد الأمة".

أنستهم المفاجأة استكمال قراءة باقي مضمون الخطاب، وبعد فترة عاد الأخوة الثلاثة لسعد من جديد يخبروه بأنهم لم يكملوا قراءة الخطاب إلى آخره وأن فيه أهم من ذلك، وجاء فيه "إن وزير الخارجية صرح جوابًا على سؤال الحكومة، بأن إعلان الجنرال أللنبي بإباحة السفر للمصريين، المفهوم منه أنه يشمل الإذن أيضًا للمصريين الذين كانوا مُنعوا من السفر لإنجلترا" فصفقوا لهذا النبأ تصفيقًا دوى في المكان.

عودة حتمية

تسرب إلى نفوسهم أمل العودة إلى الوطن من جديد ومغادرة هذا المنفى، وفي يوم 11 أبريل ورد تلغراف يفيد بأنه تم تشكيل وزارة مصر تحت رئاسة رشدي باشا: "فجاء ذلك مصداقًا لما استنتجناه أمس وتقرر في ذهننا أن عودتنا أصبحت في حكم المقرر وأن تأخير ورود خبر رسمي بها إنما هو ناتج عن المسافة التي يستغرقها الخبر".

حفلة شاي وخطاب وداع

أبلغهم سجانهم بعد ذلك بورود تلغراف من مصر لسفرهم إلى لوندرة، مع ثمانية عشر مصريًا، وعدد أعضاء الوفد الذين كانوا في مصر: "وزاد عليهم دوماني، وويصا واصف، وبدر، والأفوكاتو عزيز منسي" وأن الباخرة قامت من بورسعيد أمس وتصل إلى مالطة الاثنين صباحًا.

قبل الوداع بساعات قليلة أعد المصريون في الزنازين "حفلة شاي"، وخطب فيهم كل من علي أفندي حلمي، والصباحي، والعطار، والجرجاوي: "وكان الصباحي أحسنهم بيانًا وخطبته أثرت فينا تأثيرًا أسال الدموع وأنطق الكاتب، بقول وجيز في أمانينا ومستقبلنا" وإلى هنا انتهت رحلة سعد ورفاقه في منفاهم بمالطة ليواصلوا كفاح التخلص من الاستعمار.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان