فيضانات قاتلة وحرائق مرعبة.. كيف حوّل 2021 النبوءات المناخية إلى حقيقة؟ (صور)
كتبت- رنا أسامة:
لطالما حذر علماء المناخ من تواتر الكوارث الطبيعية بفعل تغيّر المناخ، الأمر الذي تحقق جليًا في القرن الـ21 الذي شهد أكثر من كارثة، ما بين موجات حرائق غابات وفيضانات وسيول وانهيارات أرضية وأعاصير أفضت إلى خسائر بشرية ومادية هائلة.
بيد أن سلسلة من الأحوال الجوية القاسية القاتلة ضربت دولا بأوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية هذا الصيف، قد تجعل 2021 العام الذي تحوّلت فيه "النبوءات المناخية" إلى حقيقة لا يُمكن تجاهلها بعد الآن.
"قبة حارية" تشعل أمريكا الشمالية
في أواخر يونيو، أشعلت "قبة" غير مسبوقة من الهواء الساخن عالِ الضغط أمريكا الشمالية، وتحديدًا غرب كندا وأجزاء من شمال غرب الولايات المتحدة، في موجة حر قياسية قاربت خلالها الحرارة ولأول مرة في بعض المناطق نصف درجة الغليان.
ووفق ديفيد فيليبس، كبير علماء المناخ في هيئة البيئة بكندا، سجّلت بعض مناطق غرب كندا درجات حرارة "أعلى مما هي عليه في دبي"، والتي تصل عادة في الصيف إلى أكثر من 40 درجة مئوية.
ونفذت مكيفات الهواء والمراوح من المتاجر، فيما أقيمت مراكز في المدن للاتقاء من الحرّ والحصول على مشروبات، كما ألغيت حملات تلقيح ضد فيروس كورونا وأُغلقت مدارس لمواجهة "قبة" كندا الحرارية.
ولم يُعرف بعد العدد الدقيق لضحايا "القبة الحرارية" التي أطلقت على إثرها إنذارات بدرجات حرارة مرتفعة جدًا في مناطق يقطن بها ملايين، لكنه يصل إلى عدة مئات من الوفيات على الأقل، بحسب وكالة "فرانس برس".
ويقدر الخبراء أن موجة الحر هذه، التي تسببت بوفاة نحو 500 شخص في كندا و16 على الأقل في الولايات المتحدة، ناجمة عن الاحتباس الحراري.
وقال خبراء الأرصاد الجوية في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن "القبة الحرارية نادرة الحدوث إحصائيًا ولا يمكن توقعها إلا مرة كل عدة آلاف سنة"، لكنهم أضافوا أن "التغير المناخي الناجم عن النشاط البشري جعل هذه الظواهر الاستثنائية أكثر ترجيحًا".
كما رأى نيك بوند، عالم المناخ في جامعة واشنطن، أن التغير المناخي يشكل "عاملًا ثانويًا" في هذا الوضع، موضحًا أن "العامل الرئيسي هو ظاهرة القبة الحرارية هذه غير الاعتيادية".
وأكد أن "التغير المناخي بات أمرًا واقعًا وأدى إلى ارتفاع حرارة الأرض، ما زاد من حدة هذه الظاهرة".
وكانت أعلى درجة حرارة مسجلة في كندا حتى الآن 45 مئوية، وذلك في مدينتين في مقاطعة ساسكاتشوان في 5 يوليو 1937.
فيضانات أوروبا "الأسوأ منذ عقود"
ومن أمريكا الشمالية إلى أوروبا الغربية، حيث قُتِل أكثر من 180 شخصًا وفُقد المئات جراء فيضانات مدمرة تعد الأسوأ منذ عقود.
ففي ألمانيا التي أحصت أكثر من 150 قتيلًا و600 مُصاب، دعت المستشارة أنجيلا ميركل إلى مواجهة صارمة لظاهرة التغير المناخي، ولا يزال المئات في عداد المفقودين.
وعزا أرمين لاشيت، رئيس وزراء ولاية شمال الرين-ويستفاليا الألمانية، الأحوال الجوية القاسية إلى التغير المناخي، وذلك خلال زيارة أجراها إلى منطقة منكوبة.
وحذر: "سنواجه أحداثا كهذه بشكل متكرر، وهذا يعني أن علينا مسارعة الإجراءات الرامية إلى الحماية من آثار التغير المناخي، فأثره المناخي ليس مقصورا على دولة واحدة"، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
وكانت منطقتا أرفيلر وشمال الرين-ويستفاليا في ألمانيا الأكثر تأثرا بالأحوال الجوية القاسية، لكن بلجيكا وهولندا تأثرتا أيضًا.
وتساهم عدة عوامل في زيادة الفيضانات، لكن الاحترار الذي يسببه التغير المناخي، يجعل إمكانية تساقط الامطار الغزيرة أكثر احتمالية.
وأفادت التقارير، الواردة من بلجيكا المجاورة، بمقتل 37 شخصًا على الأقل بسبب الأحوال الجوية القاسية التي عزاها سياسيون إلى التغير المناخي، وأُعلن 20 يوليو يومًا للحداد العام في البلاد.
وقال، رئيس الوزراء البلجيكي، ألكسندر دي كرو إن هذه الفيضانات "قد تكون الأكثر كارثية في تاريخ البلاد".
وأظهرت لقطات مُصوّرة الفيضانات تجرف سيارات في مدينة فيرفيير.
وصدرت التعليمات لسكان مدينة ليج، وهي ثالث أكبر مدينة في بلجيكا، بمغادرة منازلهم. وطلبت السلطات ممن لا يستطيعون المغادرة التوجه إلى أعلى منطقة في أماكن سكناهم.
وعبر المسؤولون عن قلقهم من احتمال انهيار أحد السدود في المنطقة، وحثوا السكان على مد يد العون ما استطاعوا.
وقالت السلطة المحلية في بلجيكا في بيان إن "الوضع المتأزم استثنائي ويتطلب التضامن".
وزار الملك البلجيكي فيليب أحد مراكز الطوارئ في شودفونتين، جنوب شرقي لياج.
كما حدثت فيضانات في لوكسيمبورج وسويسرا، غمرت العديد من المناطق وأرغمت السلطات على إجلاء آلاف الأشخاص.
وفي هولندا كانت بلدة فالكينبيرج إحدى البلدات الأكثر تضررا.
وتفقد الملك فيليب ألكساندر والملكة ماكسيما، الأضرار في البلدة الواقعة بالقرب من الحدود مع بلجيكا وألمانيا، حيث حاصرت الفيضانات مركز البلدة واضطرت السلطات لإخلاء بعض بيوت المسنين.
وقام السكان المحليون ببناء متاريس من حقائب بلاستيكية ملأوها بالرمال لمواجهة مياه الفيضان، فيما انهار أحد الجسور. وقام رجال الإطفاء بنضح المياه من تحت الركام للوصول إلى أنابيب الغاز لمعالجة تسرب الغاز منها.
ولم ترد تقارير عن ضحايا جراء الفيضانات في هولندا، لكن السلطات طلبت من آلاف السكان في القرى والبلدات المتضررة مغادرة منازلهم. وطلب من 10 آلاف من سكان مدينة ماستريخت الهولندية مغادرة منازلهم.
وفي النمسا، تمت تعبئة فرق الإطفاء في منطقتي سالزبورج وتيرول، فيما غمرت المياه المدينة القديمة في هالين. وكتب رئيس الوزراء سيباستيان كورتز في تغريدة "تتسبب أمطار غزيرة وعواصف للأسف بأضرار جسيمة في عدة مناطق من النمسا".
فيضانات كارثية بالصين: ابتلعت مدنًا وقطارات
ومع انحسار مياه الفيضانات في أوروبا، اجتاحت فيضانات كارثية و"خطيرة للغاية"- كما وصفها الرئيس الصيني شي جينبينج- الصين هذا الشهر، موقِعة أكثر من 50 قتيلًا قضوا غرقًا في أسوأ موجة اجتياحات مائية وسيول وفيضانات سيّارة.
وضربت الأمطار الغزيرة غير المسبوقة المناطق الأكثر فقرًا بالصين. ففي عاصمة هينان، تشنغتشو، تساقط على المدينة البالغ عدد سكانها 12 مليون نسمة، ما يتجاوز منسوبه 20 سنتيمترا من الأمطار في أقل من ساعة.
وقالت تقارير إن كمية الأمطار خلال الأيام الثلاثة الماضية في تشنغتشو هي نفسها التي تتلقاها بالعادة في عام كامل.
وأظهرت لقطات فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي لكن لم يُتحقق منها، ركاب عربات مترو أنفاق غمرتها المياه التي وصلت إلى أكتافهم.
وشوهد المنقذون وهم يسحبون الناس إلى بر الأمان باستخدام الحبال، بينما وقف آخرون على مقاعد القطار في محاولة للبقاء فوق المياه. ولم يُعرف بعد عدد الأشخاص الذين ما زالوا محاصرين - إن وجدوا - لكن قالت تقارير إن المئات قد أنقذوا حتى الآن.
7月20日晚,郑州暴雨地铁5号线一车厢多人被困,水位淹过肩膀。根据郑州地铁晚上发布的消息,受持续暴雨影响,郑州地铁全线网车站已暂停运营服务,消防人员正在救援。 pic.twitter.com/wCiz7TGhki
— The Paper 澎湃新闻 (@thepapercn) July 20, 2021
وتضررت أكثر من 12 مدينة ومقاطعة صينية. وأصدرت هنان، التي يقطنها حوالي 94 مليون شخص، أعلى مستوى من التحذير من الطقس بعد موسم ممطر نشط بشكل غير عادي.
وفيما بقي البعض دون طعام أو ماء صالحة للشرب لأيام، تم إجلاء أكثر من 495 ألف شخص، وفقا لحكومة هنان حيث تسببت الفيضانات في خسائر تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات.
وتسببت الفيضانات في انفجار سدود بعض الخزّانات، وغمر قطارات أنفاق وسيارات وطرق وشوارع ومدن بأكملها، وغلق طرق، وتعطل حركة النقل، وإلغاء الرحلات الجوية، فضلًا عن خسائر اقتصادية تقدر بـ190 مليون دولار، بحسب السلطات.
كما ظهر "تصدع" بطول 20 مترًا في سد بمدينة لويانغ. وانتشر الجنود في المنطقة، وسط تحذيرات من احتمال "الانهيار في أي وقت".
تأهب صيني لإعصار "إن فا": غلق موانئ وسكك حديد
وفيما لا تزال تكافح للتعافي من تداعيات الفيضانات المرعبة، تستعد الصين لمواجهة إعصار "إن-فا"، بإغلاق موانئ وسكك حديد.
ويتوقع أن يضرب الإعصار اليابسة مساء الأحد في مقاطعة جيجيانج الساحلية الشرقية قرب شنجهاي، كما أفادت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا).
وسيجلب الإعصار عواصف مطيرة إلى مناطق تشمل تشجيانج وشانهاي وفوجيان وجيانجسو وآنهوي وجيانجشي وتايوان، وعواصف إلى بحر الصين الشرقي والمياه المجاورة له وكذلك الساحل الشرقي للصين.
وأصدرت السلطات الصينية تحذيرا من المستوى الثالث، وهو أعلى مستوى لعاصفة، في حين ألغيت أكثر من 100 رحلة بالقطار عبر المنطقة، وفقا لإدارة السكك الحديد الصينية.
وأغلقت سلطات شنجهاي بعض المتنزهات العامة والمتاحف وحذّرت السكان السبت من "عدم تنظيم تجمعات كبيرة في الهواء الطلق" ودعتهم إلى البقاء في منازلهم.
في غضون ذلك، أغلقت كل الأرصفة المخصصة للحاويات في ميناء يانغشان في جنوب شنجهاي ونقلت 150 سفينة بما فيها سفن ركاب وسفن شحن من المنطقة.
حرائق الغابات "الأضخم" في الولايات المتحدة: تحرق ألف فدان كل ساعة
بالتزامن، تجتاح حرائق الغابات غرب الولايات المتحدة وسط طقس جاف وحار.
ووفقا لمركز مكافحة الحرائق الوطني اندلع 80 حريقًا التهم أكثر من مليون فدان في 13 ولاية أمريكية مختلفة نظرًا لارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق وشدة الرياح العاتية في الأسابيع الأخيرة. وتم إجلاء الآلاف.
وسجل المركز نحو 4 آلاف حريق في عام 2021، وهو ضعف إجمالي الحرائق في العام الماضي. ففي ولاية كاليفورنيا وحدها، احترق 5 أضعاف المساحات مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وربطت السلطات بين أحد الحرائق الأخيرة في الولاية، ويعرف بحريق ديكسي، وشركة بي جي آند إي للمرافق التي وجه اللوم إليها بسبب خطوط الكهرباء لديها في بدء حريق كامب فاير في 2018 ، وهو الأكثر فتكا بالأرواح في تاريخ كاليفورنيا.
وفي أوريجون، يتصدى أكثر من 2000 من فرق الإطفاء لما يسمى بحريق بووتليج، وهو أحد أكبر الحرائق في تاريخ الولاية، حيث التهم أكثر من 250 فدانًا.
وقال براندون ميلر، عالم الأرصاد الجوية في شبكة "سي إن إن" الأمريكية، إن هذه مساحة أكبر من مساحة سنترال بارك كل ساعة، أو معدل حرق ملعب كرة قدم كل 5 ثوانٍ لمدة 10 أيام.
وأجبر الحريق المُسمى على اسم منطقة بووتليج سبيرينج القريبة، ما لا يقل عن 2000 ساكن من سكان المناطق الريفية على هجر منازلهم. ودمر ما لا يقل عن 160 منزلا ومبنى حتى الآن.
وتمثل موجة الحرائق بداية أشد من المعتاد لموسم حرائق الغابات في غرب الولايات المتحدة، وتزامن ذلك مع موجات الحر التي حطمت الرقم القياسي في الأسابيع الأخيرة.
وربطت السلطات الأمريكية الحرائق بخطوط الكهرباء المكشوفة، مثل حريق "كامب فاير" في 2018 والذي يُعد الأسوأ في تاريخ الولاية.
انهيارات أرضية قاتلة بالهند
وفي الهند، لقي ما لا يقل عن 125 شخصًا حتفهم إثر انزلاقات أرضية وفيضانات ناجمة عن أمطار موسمية غزيرة، في البلد الأكثر اكتظاظًا بالسكان بعد الصين، مع إجلاء نحو 100 ألف من المناطق المتضررة، فيما لا يزال العشرات في عِداد المفقودين.
وقال وزير الصحة في ولاية غوا فيشواجيت راني "خسر السكان كل شيء تقريبًا"، مشيرًا إلى أن الولاية لم تشهد مثل هذه الأمطار الغزيرة منذ نصف قرن. وأضاف أن أكثر من ألف منزل في المنطقة أصيبت بأضرار جسيمة بعدما اجتاحتها السيول، بحسب وكالة "فرانس برس".
فيا تشهد ولاية مهاراشترا أشد هطول للأمطار خلال شهر يوليو منذ 4 عقود. وترافقت اللأمطار الموسمية الغزيرة مع تدفق كثيف للمياه من عدة سدود تعرضت للضغط جراء تراكم المخزون.
وأثر سقوط الأمطار بغزارة لعدة أيام على مئات الآلاف من الناس، وسط مخاوف من فيضان مياه أنهار كبرى عن ضفافها، بحسب وكالة "رويترز".
وأُبلِغ عن وقوع 8 انزلاقات تربة حتى الآن، من بينها واحد أدى إلى خروج قطار عن مساره. وأصدر خبراء الأرصاد في الهند إنذارا أحمر للمناطق الساحلية، متوقعين استمرار تستمر الامطار الغزيرة لثلاثة أيام أخرى.
في غضون ذلك، تواجه فرق الإنقاذ في الهند صعوبات في الوصول إلى عشرات المنازل التي غمرتها المياه، بسبب الأوحال والركام التي عرقلت الحركة وأضرّت الجسور.
ووصل مستوى المياه إلى 3,5 أمتار في مناطق بمدينة تشيبلون التي تبعد 250 كيلومترا عن بومباي، بعد 24 ساعة من هطول الامطار بدون توقف ما تسبب بفيضان نهر فاشيشتي وغرق طرق ومنازل.
وتشارك وحدات من سلاح الجو والبحرية في جهود الإنقاذ بعدما تسببت الأمطار بفيضانات عزلت آلاف المواطنين، إلا أن عمليات الانقاذ تتعرقل بسبب انزلاقات التربة التي قطعت الطرق، ومن بينها الطريق السريع الرئيسي الذي يربط بومباي بغوا.
ونشرت البحرية الهندية 7 فرق إنقاذ مزودة زوارق مطاط وسترات نجاة وعوامات في المناطق المتضررة، إضافة إلى مروحية لنقل السكان المحاصرين جوا. ويرافق كل فريق غواصون متخصصون من البحرية، وفق "فرانس برس".
وقال الجيش الهندي إن 15 فريقا ستتمركز خلال الليل في أكثر المناطق تضررا لإنقاذ الأشخاص المحاصرين وتقديم الإسعافات الأولية.
وتكثر الفيضانات وانزلاقات التربة خلال موسم الأمطار في الهند الممتد من يونيو حتى سبتمبر، وتتسبب أيضا في انهيار مبانٍ وجدران لا تلتزم معايير البناء.
والعام الفائت، كانت خمس من أكثر الظواهر المناخية القصوى كلفة في العالم مرتبطة بالرياح الموسمية الممطرة بشكل غير عادي في آسيا، وفقا لإحصاء أعدته مؤسسة "كريستشن إيد" الخيرية.
فيديو قد يعجبك: