الحلم الافريقي..الوصول إلى أوروبا أو الموت بدون مستقبل
كتبت- هدى الشيمي:
ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، أن العائلات الافريقية بدأت رحلات الهجرة منذ عام 1800 عندما توقفت تجارة الرق والعبودية، إلا أن هذا العام بالتحديد شهد أكبر موجة من المهاجرين منذ الحرب العالمية الثانية، وكان من بينهم الشاب المالي مامادو دوكارا، والذي بدأ رحلته في صباح أحد الأيام بشهر مارس، عندما اقترض من عمه حوالي 500 دولار، ولكنه يشعر أنه سيظل غريبا في بلاد غريبة عليه.
يقول مامادو إنه سيحرص على أن يبقى كما هو، ولن يبحث على المشاكل أبدا، حيث أنه بدأ رحلته من مرسيليا، حيث عاش في شقة صغيرة في حي المهاجرين هناك، والذي أطلق عليه اسم "مالي الغربية"، حيث شيد أغلب مبانيه مهاجرين ماليين انتقلوا الآن إلى فرنسا.
يرى دومبيا كابا، عضو في المجلس المحلي، إن الحلم الافريقي يتمثل في السفر للخارج، وجني المال، وبناء منزل والزواج، وتشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن الأمر أصبح أكثر خطورة مؤخرا، فحوالي 3000 مهاجر قتل أثناء محاولته لعبور البحر في الرحلة التي تستغرق ثلاثة أيام للوصول من ايطاليا إلى ليبيا.
- اليوم الأول: مغادرة الوطن:
عندما علم مامادو أن المهربين يساعدوا المهاجرين على الوصول لاسبانيا عن طريق القارب مقابل 1000 دولار، أقنع عمه بإقراضه المال من أجل الوصول لهناك، فقال له عمه إن هذه الطريقة لبداية لتأسيس حياة جيدة، وأخبره أن الرحلة لن تكن سهلة، ولكنه مجبر على المتابعة فلا يوجد طريق للعودة، وخلال أيام بدأت رحلته.
منذ أكثر من سبعين عام هاجر جد مامادو، وكان أول شخص في العائلة يترك بلده ويذهب للخارج، ولم يكن لديه خيار آخر، ففي ذلك الوقت اقتحم النازيون فرنسا، وأجبرت القوات الفرنسية الشباب في افريقيا على المشاركة في الحرب ضد هتلر، وبعد تحرير فرنسا، استقر في باريس وعمل في بناء المنازل، وعام 1973 اشترى تذكرة سفر إلى فرنسا لابنه دجيمي، والد مامادو وسافر إلى فرنسا، ليقضى هناك أربعة عقود يعمل في البناء، إلا أنه لم يقوَ على مواصلة العمل والحصول على أموال لارسالها إلى بلده من أجل الانفاق على ابنائه الستة عشر.
- اليوم السابع: عبور الحدود:
افترض مامادو أن خروجه من بلده سيكون سهلا، ولكن الحراس على الحدود طالبوا كل مهاجر بدفع 9 دولار لكل منهم، وأوفقتهم الشرطة عند الحدود المورتانية، وطلبت منهم دفع 74 دولار ثم استطاع بذلك الوصول إلى الحافلة، فأخبره أحد الركاب والذي عاش في اسبانيا عشرين عام وجاء لزيارة عائلته أن الأمر كان أسهل منذ فترة.
- اليوم التاسع: الطريق للمجهول:
قبل مغادرة العاصمة الموريتانية نواكشوط ، انفق مامادو بالفعل حوالي 82 دولار لشراء تذكرة للوصول إلى المغرب، فتبقى معه من المبلغ حوالي 200 دولار، إلا أن مجموعة من المهاجرين أخبروه بأن الحراس في المغرب يأخذون 500 دولار من أجل السماح بدخول بلدهم، ووصل إلى الحدود وأعطى المال للحراس فطالبوا بالمزيد، واستمرت عملية النقاش والجدال العنيف ساعتين في الشمس الحارقة ظهرا، ولكنه فكر في تأمين طريقة اخرى من أجل الوصول إلى المغرب.
أصبحت مسألة الهجرة الآن أصعب كثيرا لأجيال مامادو، فأجدادهم وابائهم انتقلوا بسهولة إلى أوروبا وأسسوا قاعدة ثقافية واقتصادية تقوم على المهاجرين، ولكنهم تقفوا عن مساعدة المهاجرين الشباب، حتى عم مامادو الذي يعيش فيفرنسا منذ سنوات لن يرسل لابن اخيه مال لبدأ حياة جديدة في أوروبا، ويقول "الكل الآن يهتم بعائلته، أسرته زوجته، وابنائه".
يرى مامادو أن الحديث عن عدم وجود فائدة من السفر لأوروبا غير صحيح وغير مجدي، ويقول "أوروبا هي أوروبا، هي كل شيء".
- اليوم الثالث عشر: استطيع رؤية اسبانيا:
استطاع مامادو الوصول للمغرب، وبعد الفرحة الشديدة بقدرته على بلوغ الدار البيضاء في رحلة شاقة كلفته حوالي 586 دولار، واجه المشكلة الأكبر، فطلب منه المهرب الأول حوالي 5000 دولار لكي يتمكن من ركوب القارب ويصل لاسبانيا، إلا أن الأمر كان مستحيلا، فتمكن مامادو من توصيل المبلغ إلى 3000 دولار، ولكنه كان صعب أيضا بالنسبة لمهاجر غير شرعي بدون خبرة، فالتقى بمهرب ثاني وأخبره أن تكلفة الرحلة 3000 دولار، ثم تعرف على مهرب ثالث، قال له إن الرحلة عن طريق الطائرة إلى الحدود التركية مع قبرص ومن هناك إلى أوروبا ستكلفه 3000 دولا أيضا.
قضى مامادو شهرين كاملين يعمل فيهم بالقرب من البحر في الرباط، واقام في نُزل اطلقوا عليه اسم "تايتنك" لكبره وتنوع الأشخاص الموجودين، ومكث بغرفة مشتركة بها عدد من المهاجرين.
- اليوم 176: العودة للوطن:
استسلم مامادو للوضع في شهر سبتمبر، وعن طريق تذكرة سفر قدمتها له المنظمة الدولية للهجرة عاد إلى العاصمة المالية باماكو، ولكن لم يسلم من غضب والده، وقال له "أصبح القرار خاص بك وحدك، فأنا ليس لدي أي خيار، ولكن في كل الأحوال لا يجب أن تظل هنا، فلا يوجد أي شيء تستطيع فعله".
في المساء ينام مامادو على سريره الذي شهد الكثير من الأحلام منذ الطفولة، ولكنه لا يستطع النوم ويسأل نفسه "هل انتهت حياتي هكذا، هل لدي مستقبل هنا؟، إذا لم استطع الوصول لأوروبا كيف سأتزوج، كيف سيكون لدي ابناء، كيف سأمنح عائلتي مستقبل، إذا لم أملك مستقبل؟".
فيديو قد يعجبك: