لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

كلام عابر: في الصحافة والسياسة مع طلال سلمان (1)‏

11:59 ص الثلاثاء 13 ديسمبر 2016

كتب - سامي مجدي:
الحديث عن ومع الأستاذ طلال سلمان، رئيس تحرير صحيفة السفير اللبنانية، يطول. قصر الوقت أمام كثرة ما رتبت في ‏ذهني للقاء. اضطرني ذلك إلى العروج إلى رؤوس موضوعات على أن أترك الأستاذ يجول كما يحلو له وألزمت نفسي ألا ‏أتدخل إلا في حدود الإيضاح اللازم لفهم فكرة ما‎.‎

استقبلني الأستاذ في مكتبه في مقر الجريدة التي مر على تأسيه لها 42 سنة، ثلاث مرات. المرة الثانية كان محورها الأستاذ ‏طلال عن "صحافي القرن" و"معلم الأجيال" الأستاذ محمد حسنين هيكل – رحمه الله -. تحدث الأستاذ سلمان من موقع التلميذ ‏والزميل ثم الصديق فيما بعد‎.‎

أما الثالثة فكانت الأطول واستغرقت اكثر من ساعة وربع الساعة. خلالها تحدثنا في السياسة والتاريخ بشكل أساسي، وحال ‏العالم العربي وخاصة مصر وسوريا التي تبعد عما كنا نجلس أكثر قليلا من 100 كيلومتر‎.‎

في المرتين الثانية والثالثة كنت وحيدا مع الأستاذ طلال‎.‎

أما الأولى فكانت بصحبة الأستاذ والزميل خالد البلشي، رئيس تحرير صحيفة البداية ووكيل نقابة الصحفيين، وفيها انصب ‏حديثنا على الصحافة في مصر وبالطبع في لبنان، مع بعض السياسة هنا وهناك‎.‎

سأل الأستاذ طلال وأجبنا. سألنا وأجابنا‎.‎

لم يكن هناك مفرا من أن نبدأ حوارنا أو بالأحرى نقاشنا بالسؤال عن القنبلة التي فجرتها السفير في صدر صفحتها الأولى يوم ‏الخميس 24 نوفمبر، بعنوان رئيسي: طلائع عسكرية مصرية في سوريا. وعنوان فرعي: 18 طيارا ينضمون إلى قاعدة حماه ‏الجوية‎. ‎

أحدث الخبر ضجة استدعت نفيا رسميا من القاهرة‎ . ‎زاد من وقع الخبر أنه جاء بعد تصريحات ‏للرئيس عبد الفتاح السيسي للتلفزيون البرتغالي قال فيها إنه يجب مساعدة الجيوش النظامية في مناطق الصراعات مثل ‏سوريا وليبيا واليمن، الأمر الذي فسره البعض بأنه يأتي مع تصاعد الخلاف المصري السعودي والذي ظهر على السطح مع ‏تصويت مصر قبل أكثر من شهرين لصالح قرار روسي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن حلب.‏

كما استدعى الخبر أيضا طلب السفير المصري في لبنان لقاءً مع الأستاذ طلال لنفي الخبر ونشر توضيح. نشرت الصحيفة ‏التوضيح المصري لكنها تمسكت بصدقية ما نشرته، وهو ما أكده لنا الأستاذ طلال في اللقاء‎.‎

تحدث وكيل نقابة الصحفيين المصريين عن واقع الصحافة في مصر الذي "لا يسر عدو ولا حبيب" على ما يقول المثل ‏الشعبي. فنقيب الصحفيين، يحيى قلاش، وعضوي مجلس النقابة، البلشي وجمال عبد الرحيم يواجهون حكما - غير نهائي - ‏بالسجن لمدة عامين وغرامة 10 آلاف جنيه لكل منهم لإيوائهم صحافيين اثنين مطلوبين‎.‎

والمعروف أن الحكم على قلاش والبلشي وعبد الرحيم جاء بعد سبعة أشهر من المحاكمة؛ حيث تعود القضية إلى ابريل الماضي ‏عندما اقتحمت قوات الأمن مبنى نقابة الصحفيين وسط القاهرة للقبض على الصحفيين، عمرو بدر ومحمود السقا، ‏المطلوبين بسبب احتجاج ضد قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بترسيم الحدود البحرية مع السعودية والتي نقل بموجبها ‏تبعية جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين في البحر الأحمر إلى المملكة‎.‎

وينظر مراقبون ومدافعون عن حرية الصحافة وحقوق الإنسان إلى القضية على أنها "مُسيسة"، ويتهمون الحكومة بالتضييق ‏على حرية الرأي والتعبير، والسعي لإسكات كل صوت ناقد للاتجاه الحكومي‎.‎

حال الصحافة في لبنان، لا يختلف كثيرا عن حالها في مصر من ناحية الحريات والاقتصاد وتراجع الصحافة المطبوعة أمام ‏سطوة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي لا يمكن لأي من وسائل الإعلام في أي مكان في العام الدخول في منافسة ‏معها‎.‎

هكذا يرى الأستاذ طلال سلمان‎.‎
ينظر الصحافي اللبناني إلى الأمر نظرة أوسع وأشمل، حيث يشير إلى نقص - ربما انعدام - الثقافة لدى كثير من الصحفيين. ‏يرى أن "الهاتف الجوال" سبب رئيسي فيما آلت إليه الأمور. "لم يعد الناس يقرأون كما كان من قبل... إضافة إلى هجر اللغة ‏العربية. هناك أجيال جديدة لا تتحدث العربية ولا تكتبها!،" يقول الأستاذ سلمان‎.‎

طال الحديث وتشعب. وكما كل مقابلة صحافية هناك ما يحق نشره وهناك ما لا يحق نشره طبقا لظروفها وتوقيتها. لذا نكتفي ‏بهذا الجزء من المرة الأولى من اللقاءات الثلاث مع الأستاذ طلال سلمان في حضور الأستاذ خالد البلشي‎.‎

الثانية.. محمد حسنين هيكل

undefined

ما ان ذكرت اسم الأستاذ محمد حسنين هيكل، الذي غادر عالمنا في فبراير الماضي عن عمر ناهز التسعين عاما، حتى لمعت ‏عينا "التلميذ والزميل ثم الصديق" طلال سلمان.‏ عاد الصحافي اللبناني وهو ينظر إلى سقف مكتبه بذاكرته إلى مطلع سبعينات القرن الماضي، حيث التقى لأول مرة مع ‏‏"صحافي القرن" وأجرى معه أول مقابلة نشرت في مجلة "الصياد" في 10 يونيو 1971.‏

يقول سلمان: "ظللت أنا وهيكل أصحاب حتى يوم وفاته."‏

عشية الوفاة كان سلمان في القاهرة للإطمئنان على صديقه هيكل. غير أن الظروف الصحية منعت لقاء الصديقين كالعادة؛ ‏فعاد أدراجه إلى بيروت، لكنه لم يكد يرتاح من رحلته حتى داهمه خبر وفاة الأستاذ هيكل.‏

يرى طلال سلمان أن هيكل صار أهم عندما ترك الأهرام، التي تولى رئاسة تحريرها خلال الفترة الممتدة من الممتدة من 1957 ‏حتى 1974. وقتها ذاع صيت الصحيفة شبه الرسمية حتى باتت تُعرف بأنها "نيويورك تايمز" العالم العربي، لكنه أُبعد عن ‏الصحيفة بعد انتقادات وخلافات في الرؤى مع الرئيس أنور السادات، ليصبح صحفيا حرا.‏

يقول سلمان "وقتها (خلال توليه رئاسة تحرير الأهرام) كان الجميع ينتظر هيكل لأنه كان تقريبا الناطق الرسمي باسم عبد ‏الناصر. لذلك كان مغبونا. كان ظلاً (لعبد الناصر)." لكن بعد الوفاة تفجرت موهبته أكثر وأكثر.‏

ويعتبر سلمان أن معظم كتابات هيكل بعد وفاة عبد الناصر أهم من كتاباته في حياة الزعيم، وخاصة بعد 74 واختلافه مع ‏السادات. "لم تكن تعرف كيف يضع حدودا بين رأي عبد الناصر ورأي هيكل،" على ما يقول سلمان.‏

يصف طلال سلمان هيكل بأنه "عارفة"، أي العارف بكل شيء. هذا يعود إلى أن هيكلا "كان قارئ هائل. ملتهم للكتب. ‏هائل المعارف والمعلومات. دائرة معارف. مات والكتاب في يديه."‏

في حديث سلمان عن هيكل تشعر ومدى دفء وعمق العلاقة بينهما التي امتدت 45 سنة منذ لقاءهما الأول بداية ‏سبعينات القرن الماضي.‏

تغزل سلمان كثيرا في مناقب "أستاذ الأجيال" هيكل، الذي عده مرجعا أساسيا لم يريد أن يدرس التاريخ السياسي للمنطقة ‏العربية خلال القرن الماضي. "كتبه، وقد ترك مكتبة كاملة، عمليا تؤرخ لمرحلة كاملة، فهي مرجع أساسي لمن يبحث عن تاريخ ‏المنطقة خاصة في الخمسين ستين سنة الأخيرة."‏

عندما أثرت الربيع العربي وثورة يناير في مصر بالتحديد، اكتسى وجه الأستاذ سلمان بمسحة حزن بانت كثيرا في صوته ‏وكلماته القليلة الذي بدى منها أنه لا يريد الحديث كثيرا عنه.‏

قال في اقتضاب "خاب أمله (هيكل) خيبة عظيمة في ثورة يناير.. كلنا خاب أملنا في الربيع العربي."‏

في المرة القادمة يغوض الأستاذ سلمان فيما يراها أسباب خيبة الأمل هذه، والتي اتضح من كلامه أنها ‏تعود إلى عقود طويلة إلى الوراء.‏

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان