حكاية طفل نَشر إعلان عن والده فصار حديث "فيسبوك"
كتب- محمد مهدي:
ضغطة زِر من أنامله الصغيرة، دفعت بجملة قصيرة كتبها سريعًا إلى فضاء موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، يتحدث فيها بفخّر عن عمل والده "السباك" طالبًا من المهتمين بعمل أية تجديدات في منازلهم التواصل معه مُزيلًا "البوست" بـ 4 كلمات مست قلوب من شاهدها "بابا مفيش منه اتنين"، لم يكن يعلم "مازن محمد" أن آلاف الناس سيشاركون ما كتبه، وأنه سيتلقى مئات التعليقات والاتصالات لدعمه هو وأسرته معنويًا. مصراوي تواصل مع تلك العائلة الصغيرة لمعرفة تفاصيل القصة، حيث يروي الفتى الذي يبلغ من العُمر 13 عاما، هو ووالده، سِر قرار الصغير، وكيف غمرهما الاهتمام بعد ساعات من نَشر "البوست".
في الأيام الأخيرة، شعر "مازن" أن والده يعاني ضيق اليد، يعمل لساعات طويلة، لكن ما يتقاضاه في عمله كموظف حكومي فضلا عن مهنته كـ"سباك" لا تؤتي ثمارها، لساعات ظل الفتى يفكر في طريقة تمكنه من مساندة أبيه "كنت مشترك في جروبات كتير، دخلت كتبت عليها إعلان عن شغل بابا"، لم يتردد كثيرًا، غير أن قلق دبّ في قلبه من رد فعل والده "كنت منتظر هيقولي إيه، لأنه مبيحبش يطلب حاجة من حد.. هو علمنا إنه يبقى عندنا عزة نَفس" يقولها "مازن" بفخر.
أغلق الطالب بالصف الأول الإعدادي صفحته على حاسوبه الشخصي، لم يكن يعلم أن ما كتبه سينتشر كالنار في الهشيم على صفحات "فيسبوك" المختلفة، بعد أقل من ساعة أعاد "مازن" فتح موقع التواصل الاجتماعي ليكتشف ما جرى "مكنتش منتظر اللي حصل. كان حلمي إن زبون أو اتنين بس يجوا لبابا"، تجول بعيناه في تعليقات المُهتمين لأمره، رجفة سرت في جسده كلما قرأ كلمات المحبة والدعم "مكنتش عارف غير أني أبكي من الفرحة".
داخل أحد المنازل حيث يمارس الأب عمله، كان رنين الهاتف لا ينقطع، لم يعره الرجل الثلاثيني اهتمام منُشغلًا بمهامه، غير أنه رد في نهاية الأمر لوقف سيل الاتصالات المنهالة عليه "لقيت أكتر من حد بيكلمني بيقولي شوفنالك حاجة على الفيس وعايزينك في شُغل"، فرحة دبت بقلبه، انفراجه في حاجة إليها، لكنه لم يفهم ما سِر الرزق الذي هلّ عليه في وقت واحد "قولت يمكن الناس شافوا الشغل اللي بنزله على صفحتي".
بعد الانتهاء من العمل، ذهب والد مازن إلى منزله البسيط بمنطقة إمبابة، زوجته تعد الطعام، يجلس على الأريكة لالتقاط أنفاسه، ابنه الكبير-مازن- يقترب منه، عيناه تحمل خبرا لكنه لا يتحدث، يسأله الأب برفق ماذا يخفي، يقترب الابن، يُخبره ما جرى "عرفني إنه كتب عني، والناس تفاعلت معاه، وكان خايف إني أزعله منه" يذكرها الأب. لم يُبدِ أي غضب من تصرف نجله، ألقى نظرة معه على كتابات الناس عنهما، أحس بالامتنان تجاه طفله. يقول مازن عن تلك اللحظة "لقيته حضني وقعد يكلمني إنه فخور بيا وبموقفي".
والد مازن، تعلم مهنته وهو لايزال ابن الـ 17 عاما، أجاد الصنعة في 8 سنوات، رُزق بـ3 أطفال، مازن الأكبر، ثم أحمد وهبة، لم تكن حياته وردية "لكن مراتي كانت بتقدر تمشي البيت بأقل فلوس ممكنة"، قبل أن يحصل على وظيفة حكومية منذ 7 سنوات، مقابل أجر لا يكفيه، لكن ازداد المرتب في الـ 3 سنوات الأخيرة "بقيت أخد نصه لأني بروح 3 أيام في الأسبوع والباقي بشتغل بره عشان أكفي التزامات البيت".
عشرات الاتصالات الهاتفية، تلقاها الأب في الأيام التالية لنَشر "بوست" نجله، لا يَطلبه المتصلون للعمل فقط "فيه ناس بتكملني تقول دعوة أو كلمة طيبة أو يقولوا إنهم لما يعملوا شقتهم هيكلموني"، تلك الكلمات كانت تنزل بردا وسلاما على روحه، شعوره بأن هناك من يقف بجواره بالدعاء فقط يكفيه.
الفتى الذي صار حديث وسائل التواصل الاجتماعي، يدرس في الصف الأول الإعدادي بإحدى المدارس بالدقي، مسؤول الإذاعة المدرسية، هوايته كرة القدم، لكنه يتركها طوعا في الإجازة ويمنح وقتها لوالده "بنزل معاه الشُغل بدل ما يجيب حد ياخد يومية"، يقول والده إن نجله قيادي "راجل"-بحسب تعبيره- يتحمل المسؤولية دون أن تُطلب منه.
الهالة المثارة حول الفتى الصغير، جعلته يؤمن أكثر بأن ما ينفع في الأرض هو المحبة-وفق حديثه- ويُنهي "مازن" حديثه لمصراوي مؤكدًا أن من بين مئات التعليقات التي وقعت عليها عيناه، هو تعليق يقول: "أبوك السباك أعظم من ناس كتير لأنه جاب راجل بيحبه وبيفتخر بيه وبيتكلم عنه بالشكل ده".
فيديو قد يعجبك: