لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في الذكرى الـ 93 لمولده.. محمد حسنين هيكل ضوء لا ينطفئ في الصحافة والثقافة

12:28 م الأربعاء 21 سبتمبر 2016

القاهرة – (أ ش أ):

فيما تحل بعد غد "الجمعة" الذكرى الثالثة والتسعين لمولد الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل وهي اول ذكرى تحل بعد رحيله عن الحياة الدنيا فان "ضوء هيكل مازال ساطعا في الصحافة والثقافة وهو حقا ضوء لا ينطفئ لأنه قبس من روح مصر الخالدة".

وبمجد الانجاز واصالة الصحفي المثقف، يبقى محمد حسنين هيكل قيمة غالية ورمزا عزيزا للجماعة الصحفية والثقافية المصرية فيما تبقى كتاباته وافكاره ومواقفه تضئ دروبا وتشعل بروقا وتلهم جموع المثقفين على امتداد الوطن العربي الكبير من المحيط الى الخليج.

ومن هنا فليس من قبيل المبالغة القول بأن محمد حسنين هيكل الذي رحل عن الحياة الدنيا في السابع عشر من شهر فبراير الماضي تحول بالفعل على مدى رحلته الطويلة والثرية مع الكلمة لأسطورة لن تموت وايقونة باقية للأبد في بلاط صاحبة الجلالة وعالم الكلمة.

ولا يمكن لأي منصف ان يمارى في أن رحلة هيكل لما يقرب من الـ 75 عاما بين الصحافة والسياسة كما هي بين الصحافة والثقافة تشكل نموذجا وامثولة "لمجد الانجاز" لصحفي كان يغوص في بحر العمر ساطعا عبقا ومسكونا بالإبداع فلا تزيده تلاوين الخريف الا القا وتألقا.

وتشهد قوائم مبيعات الكتب في مصر والعالم العربي وحتى في الغرب على ان محمد حسنين هيكل رغم رحيله عن الحياة الدنيا مازال طرفا رئيسا في الحياة الثقافية ومازالت كتاباته تثير الجدل بين مؤيدين ومعارضين لتستنفر الحواس وتطرح الاسئلة المحرضة على التفكير.

ولئن كان محمد حسنين هيكل قد رفض دوما "اضفاء القداسة" على اي تجربة انسانية بما في ذلك التجربة الناصرية التي كان صوتها الأكثر تأثيرا ولسانها الأعظم بلاغة فلن يكون من المناسب او المستساغ رفض اي مراجعات او انتقادات لكتابات هيكل وافكاره وحتى مواقفه مادامت مثل هذه المراجعات النقدية ملتزمة بأدب الحوار وقيمة الاخلاص للبحث عن الحقيقة.

ومن النماذج المقبولة لتلك المراجعات النقدية ما كتبه الدكتور فؤاد زكريا استاذ الفلسفة الذي قضى في الحادي عشر من مارس عام 2010 فيما خاض معركة فكرية مع محمد حسنين هيكل في ثمانينيات القرن الماضي عندما اصدر كتاب "كم عمر الغضب: هيكل وازمة العقل العربي" ردا على الكتاب الشهير لهيكل :"خريف الغضب".
وفيما يتهم مثقفون عرب السياسة بازدراء الثقافة فان هيكل "الأستاذ" و"عميد الصحافة العربية" الذي وصفه البعض بأنه "اعظم صحفي في القرن العشرين" هو صاحب مقولة:" لا سياسة بلا ثقافة ولا ظهير للسياسة الا الثقافة" كما انه المهموم دوما بأحوال الصحافة في مصر والعالم العربي وعالم الجنوب على وجه العموم حتى انه شارك في خريف عام 1960 في ندوة نظمتها جامعة كولومبيا الأمريكية عن الصحافة في العالم النامي.

ومحمد حسنين هيكل ولد يوم الثالث والعشرين من سبتمبر عام 1923 ببلدة باسوس في القليوبية اي العام الذي عرفت فيه مصر اول دستور في تاريخها الحديث كثمرة من ثمار ثورة 1919 غير انه عاش فترة طفولته في القاهرة المعزية ما بين الغورية والحسين والأزهر وهي المنطقة الأثيرة لأديب مصر النوبلي نجيب محفوظ.
واذ تأثر في طفولته ببراعة والدته في الحكي وكان يصل لمسامعه صوت امه وهي تقرأ لأبيه في كثير من الليالي سيرة الظاهر بيبرس واسطورة "الأميرة ذات الهمة" فانه وقع مبكرا في عشق القراءة منذ ان عرف الطريق للكتب التي يحتفظ بها خاله "سلام" في بيت جده لوالدته وراح ينهل من كتب التراث وترجمات الادب والأساطير الشعبية.

ولمحمد حسنين هيكل نحو 40 كتابا اولها كتاب "ايران فوق بركان" الذي صدر عام 1951 واغلب كتبه ترجمت للغات عديدة وبعضها كتب اصلا بالإنجليزية ووصفه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بأنه "رجل صناعته الكلمة" لتبقى العلاقة الفريدة بينهما نموذجا دالا للعلاقة الوثيقة بين السياسة والصحافة.

وكتب هيكل مقدمات للعديد من كتب كبار المثقفين في مصر والعالم مثل كتاب "كرومر في مصر" لمحمد عودة وكتاب "ماذا يريد العم سام" للمفكر الأمريكي نعوم تشومسكي وكذلك كتاب "الأساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية" للمفكر الفرنسي روجيه جارودي ناهيك عن كتاب "غزة-اريحا سلام امريكي" للمفكر الفلسطيني الأصل والراحل العظيم ادوارد سعيد.

وهو وان كان اسمه يقترن بجريدة الأهرام في عصرها الذهبي فقد شغل ايضا منصب وزير الاعلام والارشاد القومي في عام 1970 كما شغل قبل ذلك كأحد ابرز نجوم مؤسسة اخبار اليوم رئاسة تحرير جريدة الاخبار ومجلة اخر ساعة وتولى صياغة العديد من خطب الرئيس جمال عبد الناصر وكتابه "فلسفة الثورة" الصادر عام 1953 فضلا عن الميثاق الوطني الذي اعلن عام 1962.

وبدا محمد حسنين هيكل حريصا على منح فرصة المشاركة في عملية صنع القرار بالمواقع التي شغلها لمثقفين بارزين مثل الدكتور عبد الوهاب المسيري والدكتور عبد الملك عودة اللذين كانا من اهم اعضاء فريقه اثناء شغله منصب وزير الاعلام بينما كان الطابق السادس بصحيفة الاهرام في ظل قيادته يفخر بكوكبة مجيدة من المثقفين المصريين وفي مقدمتهم توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وحسين فوزي ويوسف ادريس ولويس عوض.

وفي الوقت ذاته ، كان الأستاذ محمد حسنين هيكل حريصا على مد الجسور مع مثقفين بارزين على مستوى العالم مثل الأديب ووزير الثقافة الفرنسي الراحل اندريه مالرو والفيلسوف الوجودي الراحل جان بول سارتر وكذلك الصحفي الفرنسي الكبير اريك رولو والمفكر الراحل ادوارد سعيد بينما حق لتجربته الصحفية العريضة ان تكون موضع اهتمام باحثين واكاديميين في الداخل والخارج وان تناقش الجامعات عدة اطروحات للماجستير والدكتوراه حول منجزه الصحفي .

وسواء بالكلمة المكتوبة في الصحف والكتب او عبر الشاشة الصغيرة ، سعى الأستاذ محمد حسنين هيكل الذي يفضل وصفه "بالجورنالجي" للإجابة على تساؤلات تبدو محيرة مثل السؤال الكبير :مصر والمصريون الى اين؟!.

ولأنه قبس من روح مصر ومصدر للحكمة ، فان الحوار مع هيكل انطوى دوما على اهمية استثنائية وكثيرا ما طال قضايا الثقافة والفكر والأدب والابداع والهوية فيما كان "الأستاذ" قد دعا في مقابلة تلفزيونية "لثورة ثقافية مفرداتها تقديم صحيح الدين وصحيح التاريخ وصحيح العلم" وهو ما استدعى تعليقا من جانب المفكر السيد يسين الذي اعتبر"اننا بحاجة ملحة لثورة ثقافية ترسخ جذور الدولة الحديثة والمواطنة وتقضي على منابع التطرف واتجاهات الارهاب".

وقال السيد يسين ان الأستاذ محمد حسنين هيكل في تحديده لملامح الثورة الثقافية المثلثة الأبعاد والتي تقتضي ترسيخ قيم صحيح الدين وصحيح التاريخ وصحيح العلم حدد بذلك محاور اساسية يمكن ان تقوم عليها النهضة المصرية الجديدة .

وفي المقابل لن تنسى الذاكرة الثقافية والصحفية ان محمد حسنين هيكل هو الذي حرص على حضور ندوة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الاهرام في عام 1973 لمناقشة بحث أعده السيد يسين بعنوان :"الشخصية العربية بين صورة الذات ومفهوم الآخر".

ومن المفارقات فى مسيرة هيكل الصحفية- الثقافية المديدة ان منصب رئاسة تحرير مجلة الهلال الثقافية العريقة عرض عليه وهو مازال في شرخ شبابه لم يتجاوز العشرين عاما الا بسنوات قليلة فيما كان نقيب الصحفيين الراحل والكاتب الكبير كامل زهيري قد باح يوما ما بأنه يعتبر ان اكبر اخطائه تركه رئاسة تحرير مجلة الهلال بمتعتها الثقافية حتى وان كان قد انتقل لمواقع قيادية اعلى في الصحافة المصرية.

اما محمد حسنين هيكل فقد ظل يحلق بين الصحافة والسياسة بزاد ثقافي اصيل فيما اسهم بدور كبير في المرحلة التأسيسية لمجلة "وجهات نظر" الثقافية المصرية وكان قرائه ينتظرون الاصدار الشهري لهذه المجلة من اجل متعة قراءة هيكل وهو "يتمشى ويتجول" في اروقة الماضي والحاضر ويبحر كعادته بين الصحافة والسياسة بقدرات ثقافية فذة.

وحتى اخر مقابلة تلفزيونية قبيل رحيله مضى هيكل يشعل بروقا تضئ العتمة وسط المعركة على روح مصر وهى معركة ثقافية بالدرجة الأولى فيما يشدد دوما على ان الثقافة عنصر مهم من عناصر الاستراتيجية المصرية.

وبقدر ما جاءت رحلة هيكل بين الصحافة والسياسة مرتكزة على الثقافة وهو المعبر عن قيم ثقافية وانسانية وايجابية اصيلة مثل قيمة العمل وتجاوز اللافعل فقد اوضح انه" فى الصحافة لا تفيد المجاملة ولا يشهد لك الا ما تستطيع ان تقدمه وتضع عليه اسمك".

ولعل اهمية عامل التكوين الثقافي للصحفي تتجلى بكل الوضوح فى نهج الأستاذ محمد حسنين هيكل حيث "المعالجة بالعمق والحفر المعرفي عند الجذور والتحليق بأجنحة المعرفة نحو افاق المستقبل" والتأكيد على اهمية عدم نزع الأحداث عن سياقاتها التاريخية فيما كان قد استعاد مرحلة اعداده في بدايات مسيرته الصحفية المديدة ليقول :"هذا الاعداد كان بالأساس ثقافيا.. وثقافيا هنا تعنى المشاهدة والتفكير والاطلاع والمعايشة" مؤكدا ايضا على عامل التنشئة في بيت "يحمل استعدادا ثقافيا كبيرا".

وقال محمد حسنين هيكل :"الكتب جزء مهم في كل بيت اذهب اليه. .في الإسكندرية.. فى الغردقة.. في المنزل الريفي في برقاش" فيما يرى ان الثقافة هي "حصيلة كل المعارف التي تتوافر للإنسان من خلال معايشة الحياة والتاريخ والزمن ..ولذلك فمن الخطأ ان نتصور ان الثقافة هي الفن فقط او الرسم فقط او الأدب فقط".

واذا كان المفكر الاستراتيجي الراحل جمال حمدان لم يعرف عنه ادنى نفاق او شبهة مجاملة لأحد على حساب الحقيقة فان لرأيه كل الأهمية عندما وصف محمد حسنين هيكل بأنه احد اعظم الصحفيين المعاصرين فى العالم ان لم يكن اعظمهم على الاطلاق .

اما المفكر والكاتب المغربي عبد الاله بلقزيز فيقول:"فى امكانك وانت تقرأ للأستاذ محمد حسنين هيكل او تستمع اليه متحدثا ان تحسبه اكبر من صحفي واكثر: مؤرخ.. باحث استراتيجي.. رجل دولة مرموق فى موقع القرار.. باحث فى علم السياسة.. مفكر. .الخ".
ويضيف بلقزيز:"ولن تكون متزيدا حين تفترضه على هذا النحو وتحمل عليه هذه الصفات جميعا فقد نجح في ان ينتج نصا صحفيا عصيا على التعيين الحصري من شدة ما اكتنزه من ادوات وموارد ليست مما يعتاد حسبانه من عدة الصحافة وعتادها".

ومن ثم فان محمد حسنين هيكل -كمل ينوه عبدالاله بلقزيز- هو "في جملة عدد جد قليل من الصحفيين في العالم المعاصر تقرأ كتبه ويحتفظ بها فى المكتبات الشخصية ويرجع اليها عند الحاجة" معيدا للأذهان ان عشرات الكتب التي اصدرها هيكل "باتت مراجع معتمدة للمؤرخين وعلماء السياسة والباحثين فى مجالات الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية والتاريخ السياسي العربي المعاصر" .

ومع تعدد ابعاد الكتابة عند هيكل فانه اصر دوما على تعريف نفسه بأنه "صحفي" او بتعبيره الاثير "جورنالجي" وهو ما يفسره عبد الاله بلقزيز بأنه ليس من باب التواضع وانما تعبير عن مفهوم يتبناه محمد حسنين هيكل للصحافة باعتبارها " نمط من المعرفة والكتابة والتفكير قوامه الجمع المنظومي بين مجالات معرفية شتى" مضيفا:" وفى هذا التعيين لمعنى الصحافة انتقال استراتيجي للمفهوم بل واعادة تأسيس جديد لمعنى الصحافة".

ومحمد حسنين هيكل صاحب الكتاب الشهير عن "ازمة المثقفين" الذي صدر عام 1961 كمحصلة لمناقشات استمرت ثلاثة اشهر مع لفيف من المثقفين المصريين يحفظ عن ظهر قلب مئات ان لم يكن الاف الأبيات من عيون الشعر العربي وهو الذى ارتبط بصداقة وثيقة للغاية مع الكاتب الراحل توفيق الحكيم كما استطاع في اشد الأوقات قتامة بالنسبة لحرية التعبير ان يدفع شرورا عن بعض هؤلاء المثقفين الكبار كالحكيم ونجيب محفوظ.

وهيكل الذي اهتم بقضايا "القوة الناعمة لمصر" كان يعيد للأذهان ان الكثير من مشاهير الصحافة والأدب فى العالم عملوا فى الصحافة المصرية الصادرة بلغات اجنبية او كمراسلين لكبريات الصحف العالمية في مصر اثناء الحرب العالمية الثانية ومنهم على سبيل المثال جورح اورويل وقد تعلم الكثير من بعضهم .

ولم يترك محمد حسنين هيكل أي فن صحفي لشأنه وانما استخدم كل فنون الصحافة ومزج بينها مزجا ابداعيا ليحولها احيانا الى فن واحد، فكان بحق فى تفرده مجمع الصحافة وايقونتها غير انه اوضح قاعدة مهنية هامة بقوله :"ان الصحفيين ليسوا ادباء او مفكرين او فلاسفة يتحدثون عن معنى الوجود وصيرورة الكون لكنهم يتحدثون عن الحياة اليومية ومتابعة اخبارها ولذلك فمن المهم شرح وتحليل الخبر طبقا لقاعدة: لارأى إلا على قاعدة خبر".

واذا كان الصحفيون والمثقفون المصريون والعرب يفخرون بتسابق صحف عالمية على النشر للأستاذ محمد حسنين هيكل فضلا عن كتبه التي صدرت اصلا بالإنجليزية عن كبريات دور النشر الدولية فان طريقة "الأستاذ" في الكتابة كانت ومازالت فاتنة لكل عاشق للكلمة ومتذوق لجماليات اللغة ناهيك عن اعلاء "الوثائق" التي لا يكاد يكتب شيئا وهو عنها بمعزل بكل ما يعنيه ذلك من حجية وصدقية للكلمة .
سلام عليه في الذكرى الأولى لمولده بعد رحيله من الحياة الدنيا.. انه حقا تاج صاحبة الجلالة وفخرها في الرحلة الطويلة بين الصحافة والسياسة والثقافة.. انه محمد حسنين هيكل الذي تحول بالكلمة الى "ضوء لا ينطفئ"..ضوء من مصر وقبس من روحها الخالدة !.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان