بعد تحذير الصندوق.. هل تفقد مصر احتياطي النقد الأجنبي من أجل سعر الصرف؟
كتبت- منال المصري:
استبعد مصرفيون، تحدث إليهم مصراوي، استنزاف مصر احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي بعد تحذيرات كريستالينا جورجييفا الرئيس التنفيذي لصندوق النقد الدولي مؤخرا، بسبب تأخرها عن العودة لتطبيق سياسة سعر صرف مرن للجنيه مقابل العملات الأجنبية.
وتوقع المصرفيون، الذين تحدث إليهم مصراوي، احتمالية عودة مصر لمرونة سعر الصرف- ترك تحديد سعر الجنيه مقابل الدولار وفق العرض والطلب- في العام المقبل، بشرط وجود حصيلة لديها من النقد الأجنبي بأكثر من 5 مليارات دولار لتلبية طلبات الاستيراد وعدم حدوث انخفاض حاد غير متوقع للجنيه مقابل الدولار.
كانت كريستالينا جورجييفا الرئيس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، حذرت من استنزاف مصر احتياطياتها الثمينة ما لم تخفض قيمة عملتها مرة أخرى، مشيرة إلى أن مصر تؤخر ما لا مفر منه، وكلما طال الانتظار، أصبح الأمر أسوأ، بحسب مقابلة مع شبكة بلومبرج نشرتها أمس الأول.
ويأتي ذلك وسط توقعات مختلفة بشأن متى يمكن أن يجري صندوق النقد الدولي مراجعتيه الأولى والثانية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يتعاون في تنفيذه مع مصر منذ ديسمبر الماضي ويموله بقرض قيمته 3 مليارات دولار على شرائح تصرف في 46 شهرا.
وجاءت تصريحات جورجييفا في ظل ارتباط مصر بسداد التزامات خارجية مستحقة عليها في عام 2024، تصل قيمتها إلى نحو 29.229 مليار دولار (شاملة فوائد وأقساط الدين) على أن تسدد نحو 19.434 مليار دولار في 2025.
وقال محمد عبد العال، الخبير المصرفي، لمصراوي، إن احتمالات فقدان مصر احتياطي النقد الأجنبي بسبب عدم مرونة سعر الصرف مستبعدة تماما، وهو ما لم يحدث على مدار تاريخها، ويرجع ذلك إلى عقيدة ثابتة لدى البنك المركزي.
وأضاف أن البنك المركزي على مر السنوات الماضية أعاد بناء الاحتياطي النقدي مع كل موجة انخفاض لرصيده بسبب الأزمات الاقتصادية.
وبحسب عبد العال، دائما ما يحرص البنك المركزي على الاحتفاظ باحتياطي نقد أجنبي يكفي واردات أكثر من 3 شهور وفق المعايير الدولية، رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
ووفق بيانات البنك المركزي، يكفي احتياطي النقد الأجنبي واردات مصر لعدد 5.6 شهور.
كانت مصر فقدت نحو 7.8 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي خلال الفترة من مارس إلى أغسطس 2022 على أثر التبعات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية، لكن الاحتياطي عاد لتحقيق مكاسب بنحو 1.82 مليار دولار خلال آخر 13 شهرا ليصل إلى 34.970 مليار دولار في نهاية سبتمبر، بمعدل نمو 5.3% خلال الفترة.
وجاءت مكاسب الاحتياطي في الشهور الـ 13 الأخيرة على من أزمة نقص النقد الأجنبي التي تعاني منها مصر، حيث يعد بناء احتياطي النقد الأجنبي أحد الإجراءات المتفق عليها ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تتعاون فيه مصر مع صندوق النقد.
وأضاف عبد العال أن مصر لديها تدفقات من 5 مصادر رسمية من النقد الأجنبي تساعدها على استخدامها لسداد الالتزامات الخاريجة وبناء الاحتياطي النقدي.
وبجانب هذه التدفقات من النقد الأجنبي من المصادر الرسمية على مصر، فإن لدى الحكومة برنامج للطروحات لبيع الدولة حصصا مملوكة لها للقطاع الخاص بما يمكنها من جذب نقد أجنبي، وفق عبد العال.
وأضاف أن عودة مصر لاتباع سعر صرف حر لن يحدث قبل العام المقبل بعد الانتخابات الرئاسية، وبشرط توافر حصيلة بأكثر من 5 مليارات دولار لتلبية الطلب في السوق، وتجنبا لانخفاض غير متوقع للجنيه مقابل الدولار وانفلات سعره في السوق السوداء.
وأوضح عبد العال أن عودة مصر لمرونة سعر الصرف بدون حصيلة كافية من النقد الأجنبي سيدخلها في دوامة متتالية من الخفض المتكرر بعد أن ارتفع الدولار 95% مقابل الجنيه على مدار سنة ونصف.
وقالت سهر الدماطي، نائب رئيس بنك مصر سابقا، لمصراوي، إنه لا يمكن لمصر أن تستنزف احتياطياتها من النقد الأجنبي، فرغم أزمة نقص النقد الأجنبي يواصل الاحتياطي النقدي النمو تزامنا مع التزام المركزي بسداد المستحقات الخارجية على مصر في مواعيد استحقاقها.
وأوضحت أن مصر لديها مصادر من النقد الأجنبي من السياحة وقناة السويس والصادرات وغيرها، تساعدها في الاحتفاظ باحتياطي من النقد الأجنبي لا يقل عن المعايير الدولية على الأقل.
وبلغ إجمالي حصيلة مصر من 5 مصادر للنقد الأجنبي نحو 94.1 مليار دولار خلال العام المالي الماضي المنتهي في يونيو 2023 مقارنة بنحو 102.5 مليار دولار بالعام السابق بانخفاض بنحو 8.4 مليار دولار، وفق لما جمعه مصراوي من بيانات ميزان المدفوعات للعام المالي 2022-2023، والمنشورة على موقع البنك المركزي.
وأكدت الدماطي أن عودة مصر لسعر صرف مرن لن يتم إلا في حالة توفر حصيلة من النقد الأجنبي تكفي الطلب من أجل إدارة عملية تحرير سعر الصرف وحماية الجنيه من انخفاض غير متوقع.
وأضافت أن خفض الجنيه بدون تدفقات من النقد الأجنبي سيؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار وتسارع معدلات التضخم وزيادة الأسعار وارتفاع الدين العام بما يؤدي إلى أضرار كبيرة.
واتفق المدير التنفيذي في إدارة صناديق الاستثمارات بإحدى الشركات المالية، مع رأي محمد عبد العال وسهر الدماطي، بصعوبة فقدان مصر الاحتياطي من النقد الأجنبي الخاص بها من أجل الحفاظ على استقرار سعر الصرف.
وقال إن تصريحات مديرة صندوق النقد الدولي "مجرد حديث مرسل" لن يكون له تبعات سلبية على مصر.
ورسائل مديرة صندوق النقد الدولي التحذيرية لمصر جاءت بعد أن أجل الصندوق إجراء المراجعة الأولى لبرنامج مصر للإصلاح الاقتصادي منذ مارس الماضي وذلك تزامنا مع عودة سعر الجنيه للاستقرار بعد أن شهد هبوطا حادا خلال الفترة منذ مارس 2022 حتى مارس الماضي، ارتفع معه سعر الدولار بنسبة 96% مقابل الجنيه خلال نفس الفترة.
ويرجع تأجيل إجراء المراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح إلى انتظار الصندوق منذ مارس لتطبيق مصر بعض الإجراءات ومن أهمها العودة إلى الالتزام بمرونة سعر الصرف، إلى جانب تحقيق بعض التقدم في برنامج الطروحات الحكومية وبيع حصص تمتلكها الدولة في شركات وأصول، وهو الملف الذي شهد تطورا ملحوظا في الأسابيع والشهور الأخيرة.
اقرأ أيضا:
"تؤخر ما لا مفر منه".. جورجييفا: مصر ستنزف احتياطياتها ما لم تخفض الجنيه
فيديو قد يعجبك: