ما أسباب زيادة مدفوعات فوائد الدين عن إيرادات الحكومة لأول مرة من سنوات؟
كتبت- منال المصري:
أرجع خبراء مصرفيون واقتصاديون، تحدث إليهم مصراوي، أسباب ارتفاع مدفوعات الفوائد الحكومية لمستوي قياسي في السنوات الأخيرة خلال الربع الأول من العام المالي 2023-2024 بشكل يفوق إيرادات الدولة إلى التبعات السلبية لزيادة معدلات الفائدة المحلية والعالمية، بجانب انعكاس انخفاض قيمة الجنيه على تضخم قيمة مدفوعات الفوائد.
وأظهرت بيانات وزارة المالية أن مدفوعات الحكومة عن فوائد الديون خلال الربع الأول من العام المالي الجاري شهدت قفزة كبيرة لتتجاوز قيمة الإيرادات الحكومية خلال نفس الفترة لأول مرة في السنوات الأخيرة، إن لم تكن المرة الأولى على الإطلاق.
وبحسب بيانات آخر التقارير الشهرية الصادرة عن الوزارة، سجلت مدفوعات فوائد الديون خلال الربع الأول من العام المالي الجاري (الفترة من أول يوليو وحتى نهاية سبتمبر 2023) نحو 477.5 مليار جنيه مقارنة بنحو 216.9 مليار جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي، بنسبة زيادة 120.1%.
ويبدأ العام المالي للحكومة في مصر من بداية شهر يوليو من كل عام، وينتهي في آخر يونيو من العام التالي.
وتزيد مدفوعات الفوائد عن الدين الحكومي خلال الربع الأول من العام الجاري بنحو 142.4 مليار جنيه (بنسبة 42.5%) عن الإيرادات الحكومية خلال نفس الفترة والتي بلغت 335.1 مليار جنيه، أي أن الفوائد تمثل نحو 142.5% من الإيرادات.
سطوة زيادة الفائدة
قال الدكتور مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادي، لمصراوي، إن ارتفاع مدفوعات الفوائد خلال الربع الأول من العام المالي الجاري على أساس سنوي يعد أمرا متوقعا بسبب عوامل مختلفة.
وأضاف أن من بين هذه العوامل ارتفاع معدلات الفائدة على أدوات الدين الحكومية بالجنيه (أذون وسندات خزانة) بنسبة قد تصل إلى 120% خلال الفترة المذكورة مقارنة بما كانت عليه خلال نفس الفترة من العام الماضي، بما انعكس على زيادة مدفوعات الفوائد في الموازنة العامة للدولة.
وذكر بدرة أن زيادة سعر الفائدة العالمية على الدولار يعد سببا آخر في زيادة عبء عجز الموازنة على مستوى تكلفة الإقراض بالنقد الأجنبي التي تلجأ إليه الحكومة لتغطية جزء من عجز الموازنة.
وخلال آخر 22 شهرا، وفق بيانات البنك المركزي، ارتفعت تكلفة الإقراض على الحكومة في (أذون الخزانة) بنسبة تصل إلى 126%، لتصل إلى نحو 27% في آخر طرح يوم الأحد الماضي مقارنة بنسبة 11.35% في يناير 2022.
وأدى رفع البنك المركزي سعر الفائدة بنسبة 11% خلال آخر 21 شهرا إلى زيادة ارتفاع تكلفة الفوائد على الموازنة العامة للدولة.
كان الدكتور معيط وزير المالية، قال في ديسمبر الماضي لـ"مصراوي"، إن كل 1% يكبد الموازنة العامة للدولة بين 30 إلى 32 مليار جنيه عبء دين بما يؤدي إلى زيادة تكلفة الفائدة في الموازنة العامة الدولة، وبالتالي أثر على الدين وعجز الموازنة.
وعلى مستوى الفائدة العالمية، رفع الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة بنسبة 5.25% على الدولار خلال آخر 21 شهرا ليصل إلى 5.25% و5.5%.
وزيادة الفائدة على الدولار تؤثر بشكل مباشر على ارتفاع تكلفة الإقراض على مستوى الدول الناشئة ومنها مصر لاعتمادها على القروض الخارجية في جزء من تغطية احتياجاتها التمويلية.
وبحسب بدرة، فإن ارتفاع عجز الموازنة المتوقع خلال العام المالي الجاري- المقدر في الموازنة العامة للدولة بنسبة 7%- سيؤدي إلى لجوء وزارة المالية لمزيد من الاقتراض، وبالتالي ينعكس على ارتفاع بند مدفوعات الفوائد.
واتفق محمد عبد العال الخبير المصرفي، مع الرأي السابق، على أن زيادة مدفوعات الدين تعود بشكل أكبر إلى زيادة أسعار الفائدة على الجنيه المصري، وزيادة تكلفة الإقراض الخارجي.
وقال عبد العال، لمصراوي، إن زيادة معدلات الفائدة على أدوات الدين المصرية لمستويات غير مسبوقة تسببت في ارتفاع تكلفة فوائد الدين.
وأذون الخزانة تعد إحدى الأدوات التمويلية في يد الحكومة لتغطية عجز الموازنة بسبب ارتفاع نفقاتها بأكثر من إيراداتها.
ضغوط انخفاض الجنيه
قال محمد عبد العال، إن انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار خلال هذه الفترة يعد عاملا آخر في زيادة تكلفة مدفوعات الفوائد على الدين بالعملة الأجنبية عند حسابها بالجنيه بالموازنة العامة للدولة.
وأضاف أن ارتفاع قيمة الدولار انعكس بنفس النسبة على زيادة مدفوعات خدمة الدين بالعملة الأجنبية عند حسابها بالجنيه بالموازنة العامة للدولة، فعلى سبيل المثال تختلف القيمة المعادلة للمليون دولار مع حساب الدولار بسعر 19 جنيها عن قيمته مع حساب الدولار بسعر 31 جنيها.
ويعني ذلك انعكاس انخفاض سعر الجنيه خلال الفترة المذكورة مقارنة بما كان عليه في الفترة المقارنة من العام الماضي، على تقديرات الفوائد على الدين الخارجي عند حسابها بالعملة المحلية ضمن أرقام الموازنة، حيث زاد سعر الدولار بنهاية سبتمبر الماضي (متوسط سعر البيع 30.94 جنيه) بنسبة 57.9% مقارنة بمستواه في نهاية سبتمبر 2022 (عندما كان 19.59 جنيه).
وقال مصطفى بدرة، إن تراجع قيمة الجنيه له تأثير سلبي على زيادة العبء المالي، ويؤدي إلى زيادته بنفس نسبة ارتفاع الدولار مقابل الجنيه.
مخاطر ارتفاع مدفوعات الفوائد
ومع الارتفاع الكبير، قلل بدرة من تبعات ارتفاع مدفوعات الفوائد على زيادة معدلات التضخم أو ارتفاع المعروض النقدي بالسوق، موضحا أن المركزي ليس في حاجة لطباعة نقود جديدة لتغطية مصروفات الحكومة.
وأوضح أن المالية ستلجأ إلى طرح أدوات دين بأسعار فائدة مميزة لجذب سيولة من السوق لتغطية مدفوعات الفوائد دون الحاجة إلى طباعة نقود جديدة تجنبا لارتفاع التضخم.
بينما قال عبد العال إنه طالما يوجد عجز في الموازنة العامة للدولة سيظل التضخم مرتفعا بسبب اللجوء إلى طرح المزيد من أدوات الدين، وبالتالي زيادة المعروض من النقود وبالتالي زيادة المصروفات وبالتالي الطلب بشكل غير مباشر.
وأضاف أن هناك حلولا لتقليل مخاطر مدفوعات الدين وعدم اللجوء إلى طباعة نقود، وهي تقليل الإنفاق العام على بعض المشروعات مقابل زيادة معدلات الإنتاج بهدف الحفاظ على استمرارية عجلة الإنتاج وتحسن نمو الاقتصاد.
فيديو قد يعجبك: