إعلان

تعاطفًا مع المنتحر

حسان خاطر

تعاطفًا مع المنتحر

حسام خاطر
09:48 م الإثنين 05 يونيو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كثيرًا ما نطالع عبر شاشات التلفاز وصفحات المواقع الإلكترونية الإخبارية أخبارًا من نوع "انتحار سائق لمروره بضائقة مالية.. ربة منزل تشنق نفسها بسبب خلافات زوجية"، والتي زادتها حدتها في الأونة الأخيرة، وتصيب البعض من مرهفي الحس بـ"الاكتئاب"، ويعزوها البعض الآخر إلى إصابة أبطالها بمرض نفسي، مع وضع نظرة المجتمع الدونية للمرضى النفسيين بين هلالين.

ولا يدري هؤلاء أن الإقدام على الانتحار، أشجع قرار يمكن أن يتخذه امرؤ في حياة ما بين البابين، اللذين يدلف من أحدهما ويخرج من الآخر، ويحضرني هنا مشهد "انتحار بن ويشا" من فيلم "سحابة أطلس"، بطولة توم هانكس وهالي بيري، المقتبس عن رواية تحمل الاسم ذاته للروائي البريطاني ديفيد ميتشل، فعندما يقرر الممثل البريطاني "بن ويشا" الإجهاز على حياته المحطمة والبائسة، يرفع مسدسه من على الطاولة بعد أن ينهي كتابة رسالة إلى محبوبه، ثم يتقدم بخطى ثابتة نحو حوض الاستحمام، حيث يستلقى على ظهره، ويشرع في النظر بعظمة وحزن هادئين إلى المسدس قبل أن يصوب رصاصة منه نحو رأسه، منهيًا نحو 3 عقود من الخزي المجتمعي.

هكذا قرر السائق المتعثر ماليًا، والذي تلاحقه الديون أينما ذهب، وهكذا تشجعت ربة المنزل، التي استحالت حياتها كابوسًا مع زوج يضربها، ولا يقدرها، ولا يشاركها أعباء الحياة.

أرجو ألا يفهم البعض كلامي على أنه دعوة للانتحار الجماعي، على غرار الدعوات "الفنتازية" لنشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، للقفز فوق ميدان التحرير في كل ذكرى لثورة 25 يناير، أو تلك المراهقة، التي تعاني من تفاهة الفضاء الإلكتروني، فتزعم انتحارها، لجمع المتابعين، ثم تعاود الظهور في مشهد بهلواني يمثّل صفعة على وجوه المتعاطفين.

بل أحمل دعوة صريحة للتعاطف مع المنتحرين من أبناء الطبقة الكادحة من هذا الشعب، لأنه مظلوم ومقهور، دعا ربه أنه مغلوب واستعجل الانتصار، ولما لم يستطع تعجل الذهاب إلى ربه.. ورغم كل الشعارات التي تخون اليأس، إلا أن الإنسانية يجب أن تنتصر للسائق وربة المنزل وتجلد كل سلطة أرسلتهما إلى اللحد مُكرهين.. فهل من الممكن –على سبيل المثال- أن تعيش أسرة مكونة من 6 أشخاص بمبلغ 10 جنيهات في اليوم، في الوقت الذي تباع فيه "الصابونة" بـ8 جنيهات.

أتذكر ذلك الشاب الأربعيني، غير القادر على مغالبة دموعه في ميدان التحرير، لا يهم في أي عهد، فهو شاب كل عهد ومرحلة اقتصادية صعبة تمر بها البلاد.. يضرب رأسه بيده من فرط "الغلب": "والله نفسي أخش على عيالي بكيس برتقان.. مش عارف". أخشى أن يكون هذا الشاب قد انتحر.

وكي لا ينتحر الشاب، وكي لا ينتحر السائق وربة منزل آخرين، بعدما أصبح البؤس واليأس سمة هذه الأيام، لابد من إيجاد سبيل ومخرج مؤقت للروح والجسد من مشنقة الحكومة المنصوبة في غرف نومنا.. لا تسلم رأسك أبدًا لهذا الحبل المعقود بل عليك أن تمر من خلاله كراقصة باليه مرنة العظام غير القابلة للكسر لا تعترف بقوانين نيوتن في الجاذبية.

دع رأسك تتوه في حلقة يذكر فيها اسم الإله –أيًا كان هذا الإله- فعليك أن تحيا وأن تحيا وأن تملأ كل جوارحك بالأمل فـ"الله حي". حتى لو كنت ملحدًا عليك أن تتعلق بخطاب روحاني يتحدى المادة وينتصر لحق الإنسان في حياة أفضل حتى لو كان هذا الخطاب مصدره إنسان..

أرواحنا ضعيفة ومعطوبة تحتاج إلى قرار أشجع من الانتحار، إن حالة الوجد الإلهي التي ستدخل فيها ستنقل روحك من مرحلة العنف والتوتر والظلمة إلى مرحلة اللاعنف.. تمامًا كما المهاتما غاندي الذي قاوم الاحتلال البريطاني بكل أسلحته في الهند وجنوب إفريقيا بجلسات التأمل، إذ كان يجلس متحديا الأسلحة والدبابات مغمضًا عينه صارفًا ذهنه عنها إلى قوة أكبر منها وهي قوته الروحية.

فالوحدة الروحية خيار حتمي، ومقاومة الغشم وغياب العدالة الاجتماعية قرار سلمي، وسبل الاحتجاج وتهيئة الأجواء لحياة أفضل كثيرة ومبدعة، فعليك بالتأني والصبر وأن تهدي ظالمك حبل المشنقة بدلًا من أن تعلقه لنفسك.. فيوم استرداد المظالم يرونه بعيدًا ونحن نراه قريبًا!

إعلان

إعلان

إعلان