هل غيرت حوادث الاغتصاب المجتمع الهندي؟
لندن - بي بي سي
أثار حادث الاغتصاب الجماعي الذي شهدته الهند وأودى بحياة طالبة تبلغ 23 عاما داخل إحدى الحافلات في دلهي موجة من الغضب الدولي والمحلي. وقد دفع الحادث، الذي وقع في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، السلطات الهندية إلى وضع قوانين صارمة لمكافحة حوادث الاغتصاب.
وتكشف الكاتبة والصحفية نيلانجانا روي كيف تسبب الحادث في تغيير المجتمع الهندي.
" إنهم لا يفهمون" هكذا قالت طالبة جامعية ممن شاركوا في تظاهرات رايسينا هيل في العام الماضي وهي تلتقط أنفاسها من تأثير الغازات المسيلة للدموع وترتجف بعد تعرضها لرشاشات المياه.
حدث ذلك في اليوم الأول من الاحتجاجات التي شهدتها دلهي في ديسمبر/ كانون أول الماضي وخرج فيها الالاف، معظمهم من الطلبة، إلى منطقة رايسينا هيل مطالبين الحكومة بتطبيق العدالة.
كانت الطالبة المتظاهرة تعاني من شدة السعال جراء استشناق الغاز المسيل للدموع وقالت من جديد وهي تشير إلى مقر الحكومة في دلهي "إنهم لم يتعرضوا لتجربة كهذه، إن أبنائهم لا يستقلون الحافلات، إنهم لا يفهمون ما نريد."
يذكر أن الفتاة التي أشعلت موجة الاحتجاجات كانت قد توفيت. كانت الفتاة عائدة إلى منزلها بعد مشاهدة فيلم (حياة باي) في أحد المراكز التجارية في حي ساكيت في دلهي، واستقلت هي وصديقها حافلة لكنها لم تصل إلى مقصدها.
إتساع الفجوة
هاجم أربعة رجال كانوا يستقلون الحافلة الفتاة وصديقها. اعتدوا بالضرب المبرح على صديقها واغتصبوا الفتاة وتركوها تموت متأثرة بإصاباتها البالغة بعد الاعتداء الوحشي الذي استمر لمدة ساعة.
وطوال العام التالي للحادث اتسعت الفجوة بين المتظاهرين في الشوارع والمؤسسات الحكومية بشكل كبير.
ولم يكن غريبا أن تشهد دلهي تظاهرات فقد خرجت النساء إلى شوارع دلهي احتجاجا على ما يتعرضن له من عنف يومي في مناطق عديدة في الهند. (ففي أكتوبر/تشرين الأول من ذلك العام خرجت النساء في أحد أحياء ولاية هاريانا معبرين عن غضبهن إزاء ما تعرضن له من حوادث عنف، ومحتجين على تزايد حوادث الاغتصاب في الولاية وحالة اللامبالاة لدى الحكومة).
كان المشهد غير عاديا لأن الطالبات اللائي خرجن في مناخ بارد للاحتجاج كن يتحدثن، على نحو خاص، عن ما تشتهر به المدينة من اللامبالاة وعن حوادث التحرش والعنف في الشوارع ، خاصة ضد النساء. خرجت النساء لتقلن "كفى" وليطالبن لا بالحماية وإنما بالحرية.
مقاومة شرسة
وعلى مدى الأشهر التالية كان ذلك هو مطلبهم: الحرية. الحرية في الشوارع، الحرية داخل غرف النوم، الحرية في كل مكان.
جاء رد الفعل على تلك الاحتجاجات عنيفا وفوريا. فقد سارع السياسيون ورجال الدين وحتى مسؤولي الشرطة إلى التعقيب بنفس القوة. أنحوا زيادة حوادث الاغتصاب إلى رغبة النساء في مزيد من الحريات، وإلى الصدام بين التقاليد العريقة والمفاهيم الجديدة القادمة من الغرب، وإلى ارتداء النساء ملابس غير مناسبة وخروجهن إلى الأمكان الخطأ في أبهى زينة دون احترام الحدود.
وفي مطلع العام الجديد قدمت اللجنة المكلفة بمراجعة القوانين الهندية الخاصة بجرائم العنف والتي رأستها القاضية فيرما تقريرا بشأن سلامة المرأة وطالبت اللجنة بتحقيق المساوة التي طال تأجيلها.
وضعت اللجنة خطة واضحة وخطوات تفصيلية للإصلاح. وعندما نظمت الصحفية ناميتا بهاندار حملة بعنوان (أوقفوا الاغتصاب فورا) وطلبت بتأييد توصيات لجنة فيرما حصلت على توقيع 319 ألف شخص.
لكن السلطات لم تعبأ بالتقرير وكذلك بالعديد من المطالب بإحداث تغيير في مؤسسات الدول على مدى ذلك العام. فقد رفض البرلمان طلبا باعتبار اغتصاب الزوج لزوجته جريمة مبررا رفضه بأن ذلك قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الأسرة الهندية، كما أوقف الحاولات بوضع أي سياسي يتهم بالاغتصاب أو الاعتداء الجنسي تحت المساءلة.
لكن تغيرا أخر حدث في شهر ديسمبر/كانون الأول. تراجعت الاحتجاجات، وتراجعت قوى المتظاهرين ولكن بقيت أصواتهم قوية.
وبدأت أولى علامات التغيير تظهر في وسائل الإعلام. فالقاضيا التي كانت تعتبر من "قضايا المرأة" وتنشر في الصفحات الداخلية للصحف بدأت تظهر كعنوانين رئيسية في الصحف وفي برامج التلفزيون، وبدأت البلاد تناقش العنف الجنسي في المجتمع.
وفي دلهي، وفي أماكن أخرى في البلاد، تزايد التضامن بين النساء والتقدميين من الرجال وكذا مجتمع مثليي الجنس، ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسيا، كما بدأت تتأسس شبكات اتصالات جديدة.
صوت أعلى
لقد وحدت هذه القضايا صفوف النساء والرجال في شتى أرجاء المجتمع بمختلف طبقاتهم.
وبعدما كانت الأصوات النسائية قليلة في الماضي، أصبح هناك العشرات: طالبات ومحاميات وحقوقيات وربات بيوت وأناس يجمعهم معتقد واحد وهو "أنه حان الوقت لتغيير حياتنا".
عندما أصدرت المحكمة العليا حكما في الحادي عشر من ديسمبر/كانون الأول يعيد تجريم الأنشطة الجنسية "المخالفة لنظام الطبيعة" بما فيها الممارسات المثلية للجنس، سرعان ما بدأت موجة من الاستياء والدعوة لإحلال العدالة والمساواة وحقوق جميع المواطنين والنساء وأعضاء مجتمع مثليي الجنس، ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسيا، تماما مثلما حدث في ديسمبر/كانون الأول 2012، وطالبت تلك الدعاوي بالعيش دون خوف وبكرامة.
لكن شيئا قد تغير في الهند ولا سيما في دلهي.
لا تكمن القضية في الهند في أعداد حوادث الاغتصاب أو تلك الأمور الإحصائية، فمشكلة "الاغتصاب" في الهند لا تقارن بمثيلتها في كثير من الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة. الهند تعاني من قضية المساواة في الحقوق، وقد رأت لجنة فيرما ذلك حينما طالبت بحركة ثانية لحرية المرأة.
وبعد عام من ذلك لم تخفت تلك الهتافات أمام الاستجابة الضعيفة من جانب المؤسسات أو المقاومة من جانب المسؤولين والسياسيين.
وسيبقى هذا هو مطلب الجيل الجديد من الهنود الحرية في حياتهم الشخصية وفي اختياراتهم الجنسية والتعامل باحترام مع حقوقهم في محيط العمل والحركة في الشارع بلا خوف.
فيديو قد يعجبك: