ما سر ''الصراحة'' الإسرائيلية؟
لندن – (بي بي سي):
يشتهر الإسرائيليون بالصراحة في كلامهم، وهي خصلة لا يكون زائرو البلد دائما معتادين عليها. لكن ما الذي يكمن وراءها؟
وهناك مزحة قديمة يذكر فيها أن صحفيا سأل إسرائيليا وروسيا وأمريكيا ''عذرا، هل يمكنني معرفة رأيك في نقص الغذاء في إفريقيا؟''
فرد الروسي ''ماذا تعني كلمة (رأي)؟''، وتساءل الأمريكي ''ماذا تعني كلمة (نقص)؟''. أما الإسرائيلي فتساءل ''ماذا تعني كلمة (عذرا)؟''
وقبل أن يتهمني أي شخص بوضع الناس في قوالب، أرى أن مغزى المزحة صالح مع أي جنسية.
إلا أنني، وأثناء رحلة لتغطية إخبارية في إسرائيل، صادفت هذه السمة الخاصة، التي يمكن وصفها بأنها صراحة مطلقة أو فظاظة سلوك، والتي أصبحت معتادة لمن يزورون إسرائيل باستمرار لدرجة أنهم يتعاملون معها باعتبارها مصدرا للدعابة.
في الواقع، واجهت هذا الأمر يوميا، من سائق سيارة الأجرة الذي جادلني بشأن الوجهة التي كنت أقصدها، مرورا بموظف الاستقبال في الفندق الذي أصر على أن فشلي في فتح باب غرفتي بسبب مشكلة فيّ وليس في المفتاح، وصولا إلى موظف بالمتحف الذي تعجب من طلبي الحصول على إذن بالتقاط الصور.
ناهيك عن بائعة الآيس كريم ذات الوجه الجامد التي صاحت تسألني ''ماذا تريد؟''، وذلك عندما تخطاني في الطابور إسرائيلي مسن أزعجه انتظاري بصبر.
أدرك أن تخطي الدور في الطابور أمر يحدث في كل مكان، وأن بائعة الآيس كريم ربما كانت تمر بيوم عصيب، وأن أيا من هذه المواقف لا يثبت شيئا. إلا أن هذه المواقف دفعتني للتفكير. هل كان كل هذا قلة ذوق؟ أم أنه سوء فهم ثقافي؟ أم أنه شيء أعمق من ذلك بكثير؟
وفي محاولة مني لتسليط بعض الضوء على ذلك، توجهت بالسؤال إلى شالوم شفارتز، أستاذ علم النفس الاجتماعي بالجامعة العبرية في القدس.
وأجابني ''هناك ميل ما لأن نكون مباشرين، وهو أمر شائع في إسرائيل أكثر منه في مناطق أخرى كثيرة. وأغلب الإسرائيليين يدركون (أنهم معروفون) بهذه السمعة''.
إذا، هل من الممكن أن تكون الكياسة قد تضاءلت في المجتمع الإسرائيلي نتيجة كونه مجتمعا يضم ثقافات عديدة؟
شفارتز لا يعتقد أن هذا صحيح، وله نظرية بديلة.
ويقول ''يوجد هنا اتجاه عملي قوي للغاية يدعمه المرء بأن يكون مباشرا وألا يضيع وقته وجهده في التنميق''.
''ربما ينبع ذلك جزئيا من ثقافة الجيش التي جاء منها كثيرون، حيث يكون مطلوب منك أن تكون صريحا وتركّز على المهمة (المكلف بها)''.
ويرى شفارتز أيضا أن ما قد يبدو أنه سوء تعامل اجتماعي مع الأجانب ربما يساعد واقعيا في تفسير الإنجازات البارزة لإسرائيل.
فإسرائيل تعتبر قصة نجاح اقتصادي، وقوة في مجال الابتكار التكنولوجي ورائدة في مجال الأبحاث العلمية والطبية على مستوى العالم.
ويوضح شفارتز الأمر قائلا ''ما يراه البعض وقاحة في علاقات العمل يساهم في شيء ما. بمعنى أن هناك درجة أقل من القلق عندما يكون لديك رأي وتقوله بأسلوب صريح. حينها يمكن للأفكار أن تخرج أكثر بأسلوب أكثر صراحة.''
وهناك احتمال ضئيل أن ميل الإسرائيليين إلى الصراحة جاء جزئيا نتيجة للأوضاع الصعبة التي يعيشونها في الشرق الأوسط.
حتى أن لديهم كلمة في العبرية هي ''دُغْري'' والتي تعني ''صريح'' أو ''متواضع''.
واشتهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باستخدام هذه الكلمة، عندما قال للرئيس الفلسطيني محمود عباس في مقر الأمم المتحدة إن الحديث ''دغري'' هو الأسلوب الوحيد لتحقيق السلام.
وبعد هذا الموقف، أعجب إسرائيليون بهذا المصطلح، لدرجة أنهم أصبحوا يرتدون قمصانا مطبوع عليها هذه العبارة.
لكن الإسرائيليين لا يستحقون فعليا أن تنتشر عنهم صفة الفظاظة، بحسب تامي لانكوت ليبوفيتز وهي من أبرز المشتغلين بمجال تصحيح الصور العامة في البلاد.
وتقول ليبوفيتز، التي عملت على تدريب مدراء تنفيذيين وسياسيين على فن آداب المعاملة لأكثر من 30 عاما، إن الإسرائيليين حساسون جدا.
ويتوافق تحليلها مع كلمة ''صابرا'' بالعامية العبرية والتي تعني إسرائيلي أصلي. وهي مشتقة من اسم نبات الصبّار الشائكة من الخارج ورقيقة من الداخل. هذه الصفات ربما تقدم أفضل وصف للإسرائيليين.
فيديو قد يعجبك: