العراق: العنف في الأنبار يجبر الآلاف على النزوح
بعد أسابيع من القتال بين القوات العراقية وجماعات متشددة في محافظة الأنبار، اضطر المدنيون إلى الفرار إلى مناطق آخرى طلبا للأمان. ويبدو الأمر صعبا للغاية، لكن هناك أماكن آمنة للجوء بما في ذلك المناطق التي يقطنها الشيعة العراقيون، حسب مراسل بي بي سي في بغداد ناهد أبو زيد .
من الصعوبة الحديث بأي قدر من اليقين عن الوضع في الأنبار، التي تعد أكبر المحافظات السنية في العراق، في ظل المعلومات الشحيحة والحرب الدعائية من كلا الجانبين.
ومع ذلك، فإن الشيء المؤكد هو أن أحد الآثار الناجمة عن العنف في الأنبار يتمثل في وجود أكبر موجة من النازحين في العراق منذ الإقتتال الطائفي خلال الفترة من 2006 وحتى 2008.
وأشار تقرير صدر مؤخرا عن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى أن عدد النازحين داخليا وصل إلى 140,000.
وفر نحو 65,000 شخصا من منازلهم في الأسبوع الثالث من شهر يناير/كانون الثاني وحده، تحت وابل من القصف من الجيش العراقي والخوف من الجماعات المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة.
وتقول مصادر من داخل مدينة الرمادي مركز المحافظة وكذلك بلدة الفلوجة التي شهدت بعضا من أشرس المعارك، إنه لا يكاد يمر يوم واحد من دون سماع نداءات المساجد للتبرع بالدم ومطالبة أصحاب المهن الطبية بالانضمام إلى المؤسسات القليلة التي لا تزال تعمل حتى الآن، وطلب المتطوعين لتقديم المساعدات في عملية إجلاء المدنيين.
ووردت تقارير بأن صباح كرحوت، رئيس مجلس محافظة الأنبار، طلب مساعدة دولية لمئات العائلات التي لا تجد طعاما ولا مأوى.
وتحولت طرق الإمداد الرئيسية في مدينة الأنبار إلى ساحات قتال، مما تسبب في تفاقم النقص في الغذاء والوقود والإمدادات الطبية، نتيجة الحصار العسكري للمدينة لعدة أسابيع.
وقال بيتر كيسلر، المتحدث باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين: العديد من المدنيين غير قادرين على مغادرة المناطق المتضررة من النزاع والتي تعاني من نقص حاد في الغذاء والوقود .
وأضاف: وتتحدث التقارير عن أن السكان لا يجدون نقودا لشراء الغذاء وليست لديهم المستلزمات المناسبة للأحوال الجوية الممطرة. الأطفال لا يذهبون إلى المدارس، والظروف الصحية غير ملائمة، ولاسيما بالنسبة للسيدات .
وقد فر الآلاف من النازحين إلى العاصمة بغداد والمحافظات المجاورة الأخرى، بينما توجه البعض إلى مناطق بعيدة مثل مدن إقليم كردستان العراق في الشمال.
وفي ظل عدم وجود خطة حكومية واضحة للتعامل مع الأزمة الإنسانية، فإن الاستجابة الدولية الوحيدة حتى الآن تتمثل في قيام الأمم المتحدة بإقامة مخيم للاجئين في كردستان العراق في الآونة الأخيرة.
وخلاف ذلك، تترك الأمور للسلطات المحلية أو مجالس المحافظات، أما في المناطق النائية فيستقبل الناس بعض العائلات النازحة في منازلهم.
وحين زرت محافظة كربلاء ذات الأغلبية الشيعية رأيت مباشرة آثار المأساة.
ويظهر التعب والرعب واليأس على وجوه العائلات النازحة لدى وصولها إلى نقطة العبور الوحيدة بين الأنبار و كربلاء.
وتقول تلك العائلات إن أجزاء كبيرة من المدن والقرى باتت مهجورة تقريبا إلا من الجماعات المسلحة.
ومن المفارقات أن هذا الحاجز الذي كان يتسم بالخطورة الشديدة أثناء النزاعات الطائفية في الماضي بات الآن هو شريان الحياة الوحيد للسنة الذين فروا من الأنبار للبحث عن أماكن آمنة بين الشيعة في كربلاء.
وبصوت خافت ، قالت أم أحمد، وهي على وشك الولادة ويرافقها ثلاث سيدات من أقاربها وأصدقائها، إنها جاءت من الفلوجة. وقالت سيدة تجلس بجوارها: إنها على وشك الوضع، ولكن لا نستطيع نقلها إلى أي مكان آمن. نأمل أن نأخذها إلى أحد مستشفيات كربلاء في الوقت المناسب بغية إنقاذها وإنقاذ طفلها .
وفي العادة، يطلب من القادمين السير على الأقدام والعثور على سيارة أجرة على الجانب الآخر، ولكن الجنود استثنوا أم أحمد من ذلك وسمحوا لها بالعبور بالسيارة.
وفي كربلاء، أمر رجال الدين الشيعة بفتح دور الإقامة المخصصة لزوار العتبات المقدسة في المدينة. وقال مسؤول شيعي: يمكن لإخواننا وأخواتنا العراقيين وأسرهم من الأنبار البقاء هنا طالما يشعرون أن ذلك ضروريا .
وعلى بعد نصف ساعة بالسيارة من الحدود الإدارية توجد بلدة عين تمر الزراعية، والتي تحولت مكتبتها المحلية ذات الموارد المحدودة إلى مركز لإغاثة النازحين.
وقد استقبل أبو علي، وهو أحد شيوخ القبائل في عين تمر، عددا من الأسر القادمة من الفلوجة في دار ضيافته وهو يتفقدهم بانتظام لمعرفة احتياجاتهم.
وفي قاعة كبيرة مغطاة بالسجاد، قالت تلك الأسر إن الحديث عن الانقسام بين السنة والشيعة لا يوجد سوى في رؤوس الساسة العراقيين.
وبدت علامات الأسى على وجه مصطفى، وهو صبي يبلغ من العمر 11 عاما ويطمح أن يكون طبيبا أو مدرسا في المستقبل، عندما سألناه عن السبب وراء عدم ذهابه للمدرسة. وقال إنه يفتقد زملائه بالمدرسة ولا يعرف أي شيء عنهم.
وإذا لم يتمكن هؤلاء اللاجئين من العودة إلى ديارهم قريبا، فإن مصطفى وأصدقاءه الجدد من النازحين يريدون أن يسمح لهم بالالتحاق بالمدرسة المحلية، حتى لا يفقدوا الأمل في مستقبل أفضل.
فيديو قد يعجبك: