نازحو تاورغاء الليبية مشردون في بلادهم يحلمون بالعودة إلى مدينتهم
طرق وعرة، ربما لا يمكنك أن تراها وأنت تمر على الطريق لمطار طرابلس الدولي. وقبله بعدة كيلومترات تصل إلى بوابة حديدية تفصل بين العالم الخارجي وبين عالم النازحين من مدينة تاورغاء الذين يعيشون في مخيم طريق المطار.
الطريق غير ممهدة. فالمنازل على الجانبين مدمرة والعيون خائفة تبحث عن تاورغاء، التي دمرت وشُرّد سكانها، بعد أن كانت عامرة بسكانها الذين ينشدون الآن العودة إليها.
ذاقوا القتل والاغتصاب والتهجير، كما يقولون. ومنهم من لا يُعرف مكانه حتى الآن؛ فهو إما مفقود أو أسير لدى قوات مدينة مصراته.
يمتد المخيم لعدة كيلومترات ويسكنه أكثر من ثلاثة آلاف تاورغي، وهو واحد من خمسة مخيمات تضم نازحي تاورغاء.
داخل المخيم بدا الأمر سيئا للغاية.
ستة عشر مترا كل هي كل ما تعيش فيها الآن سيدة كبيرة في السن هي وثلاثة من أبنائها، بعد أن كانت تملك في الماضي – قبل سقوط القذافي – منزلًا كبيرًا يرتفع لأكثر من ثلاثة طوابق.
بساط أخضر بسيط على الأرض، أوانٍ نحاسية قليلة، موقد يعمل على الغاز، هذه هي أدوات المعيشة للسيدة العجوز.
السيدة التي، لم تخبرنا باسمها، اكتفت بسرد حكايات عن حياتها في مدينة تاورغاء، والتي دمرت على يد قوات من مدينة مصراته المجاورة إبان الثورة الليبية في فبراير 2011.
منزلها المكون من غرفة واحدة، لا يختلف كثيرا عن بقية منازل مخيم طريق المطار.
حكت لنا السيدة العجوز كيف كانت حياتها فى الماضي. كان لها أبناء وبنات وزوج ولكن بين عشية وضحاها دمرت المدينة وقتل الأبناء والزوج وفقد الجيران.
تبعد تاورغاء عن طرابلس نحو 200 كيلو تجاه الشرق، ولها ساحل على البحر المتوسط يمتد لأكثر من مئة كيلو متر.
تعود أصول الخلاف بين مصراته وتاورغاء إلى ما قبل ثورة 17 فبراير، حيث دعم القذافي تاورغاء، فيما استبعد أهالي مصراته. وبدأت تاورغاء في شن هجمات على مصراته، وإبان الثورة. ودعم جزء من سكان تاورغاء القذافي وانخرطوا في قواته.
ويقول مفتاح رقيعه، وهو أحد سكان تاورغاء بالفعل خرجت كتائب من مدينة تاورغاء باتجاه مصراته وبعض الشباب التاورغي أُرغم على المشاركة مع القذافي الذي استغل لون بشرة أهل تاورغاء الداكنة لخلق نوع من الاختلاف العرقي بين تاورغاء ومصراته .
ويضيف مفتاح خلال حديثه لبي بي سي يبدو أن لدى البعض رغبة في استثمار هذا الخلاف لاستغلال ثروات تاورغاء من أراض زراعية ونخيل وموارد مياه طبيعية غزيرة ونفط .
مخيم طريق المطار ليس مخيمًا بالمعنى المعروف. فقد كان في الماضي معسكرًا لعمال إحدى شركات النفط، ولكن إبان الثورة خرج العمال وظلت المساكن وراءهم إلى أن جاء أهالي تاورغاء وسكنوا المعسكر.
أخبرنا القائمون على المخيم بأنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام، الأول يضم مساكن أعيان تاورغاء وشيوخ المدينة. والقسم الثاني يؤوي مساكن لأهالي تاورغاء. وبكل مسكن حمام. والجزء الثالث مخصص فيه غرفة واحدة لكل أسرة مع حمام مشترك.
لا يمكنك أن ترى داخل المخيم أي شبكات للصرف الصحي أو خزانات للمياه، هم يستخدمون حاويات صغيرة لنقل المياه لداخل المنازل.
ليست المياه والصرف الصحي أقسى مشاكلهم. فهناك مشكلة أكبر بالنسبة لهم هي الخوف من اعتداء قوات مصراته عليهم. هذا الأمر يمثل بالنسبة لهم الهاجس الأكبر.
مبروك ميدويسي، ليببي من تاورغاء ويرأس جمعية الصبر الخيرية بداخل المخيم، وتقدم عدة خدمات لأهالي المخيم ما بين مساعدات معيشية وإنسانية. إلا أن المشكلة الأكبر بالنسبة له هي غياب الدعم.
يقول ميدويسي لبي بي سي نحاول أن نقدم مساعدات لأهالي المخيم تتضمن مساكن داخل المخيم ومياه شرب نظيفة، نحاول أن نبذل جهدنا ولكن ينقصنا الأموال لكي نضمن توفير الخدمات بشكل دائم .
كيف يمكن تحقيق المصالحة بين تاورغاء ومصراته؟. سؤال طرحته بي بي سي على رئيس لجنة الحوار الوطني بالمؤتمر الوطني الليبي محمد الحراري. فرد قائلا أفضل الطرق هو الحوار المباشر بين تاورغاء ومصراته، ونحن بالفعل عقدنا نحو ثلاث جلسات للحوار بينهم، وهناك جلسات أخرى قادمة .
وأضاف قائلا نأمل في خلال الفترة القادمة أن نرى نتائج ملموسة للحوار بينهما .
واتفق محمد التومي، عضو المؤتمر الوطني، مع الحراري في أن الحوار هو أفضل الطرق لحل الخلاف بين مصراته وتاورغاء، مضيفًا أن الخلاف ليس فى مصلحة أحد.
وقال التومي لبي بي سي هناك من يحاول استغلال الخلاف بين تاورغاء ومصراته لتحقيق مصالح شخصية ويتحدث باسمهم وربما لا ينتمي إليهم، والضحايا الحقيقيون للأسف غير ممثلين.
فيديو قد يعجبك: