في البرازيل: ارتياح يخفي قلقا حقيقيا
تتنفس البرازيل اليوم الاحد الصعداء، وذلك بعد نجاح منتخبها الكروي - بالكاد - من النفاذ الى دور الـ 16 من بطولة كأس العالم التي تستضيفها بفوزه بضربات الجزاء الترجيحية على منتخب تشيلي، وهو فوز كان للعارضة بعض الفضل في تحقيقه.
ويحاول البرازيليون اخفاء قلقهم، ولكنهم جميعا - وهناك 200 مليون منهم - يعرفون ان منتخبهم كاد ان يدحر من قبل التشيليين وان يحرم من المشاركة في الاحتفالية الكروية الجارية في عقر دارهم.
فلو كان البرازيليون قد خسروا مباراة الامس، لكانت كارثة توازي كارثة ماراكانازو عندما دحر منتخب اوروغواي المغمور نده البرازيلي ليفوز بكأس العالم عام 1950 في المباراة التي جرت على ستاد ماراكانا المفتح حديثا آنذاك.
شاهدت مباراة الامي من موقع مرتفع يشرف على ستاد ماراكانا الذي اعيد ترميمه للدورة الحالية، ولكنه ما زال يحمل نفس القيمة الرمزية بالنسبة لعشاق الكرة البرازيليين.
فقد كنت في عشوائية مانغويرا الواقعة على مرتفع يطل على الستاد، والذي تسكنه اسر فقيرة يقضي اطفالها اوقاتهم باللعب بالطائرات الورقية. ولكن الجميع هنا لهم احلام، احلام بحياة افضل وبالحصول على تعليم جيد وبالفوز بوظيفة دائمة.
ورغم قرب العشوائية من واحد من اشهر الملاعب في العالم، فإنها في الواقع بعيدة عنه كل البعد. فلم يسبق لأي من الاطفال الذين رأيتهم يلعبون الكرة في باحة صغيرة في العشوائية ان شاهدوا الماراكانا من الداخل إذ لا يقدرون على ذلك ماليا.
ولم يستفد سكان العشوائيات الفقراء من استضافة بلادهم للدورة التي بلغت كلفة اقامتها مليارات الدولارات. يقال إنه في الايام الاولى لترميم الماراكانا كانت هناك بعض الوظائف الانشائية البسيطة التي استفاد منها عدد من سكان مانغويرا، ولكن هذه الوظائف سرعان ما نضبت. اما الوظائف المتوفرة الآن، ومعظمها تتعلق بالضيافة والامن، فينظمها ويشرف عليها الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا، ويقوم بتوزيعها من خلال متعهديه وليس من خلال الحكومة المحلية او المتعهدين المحليين. بعبارة اخرى، لا يحصل سكان العشوائيات الا على النزر اليسير من الفرص.
جرت مباراة البرازيل وتشيلي في مدينة بيلو هوريزونتي، ثالث مدن البلاد، وقمت بمشاهدتها مع جمع من سكان العشوائية على جهاز تلفاز على سطح حانة تدعى (Bar da Nem) في اعلى نقطة في العشوائية.
الجميع في البرازيل، من اثراهم الى افقرهم ومن اكبرهم سنا الى اصغرهم، يعشقون كرة القدم حد الجنون، وكان يوم امس اعظم ايام هذه البطورة الى الآن. ورغم الانفصال والبون الشاسع الذي اصبح يفصل بين الطبقات العليا من عالم كرة القدم وعشاق الكرة الذين كنت معهم، يسعى الجميع نحو نفس الهدف الا وهو الفوز بكأس العالم.
تدير مايتي الحانة ليلا، اما في ساعات النهار فتعمل في كشك مؤقت يقدم خدمات التجميل.
قالت مايتي، وهي تطلي اظافر احدى الزبونات بالوان العلم البرازيلي، إن شيئا لم يتغير في العشوائية منذ 29 عاما وهي الفترة التي اقامت بها فيها.
ومضت للقول أهوى كرة القدم، ولكننا لا نتمكن من حضور المباريات. ولكن ليس لدي مأخذ على كأس العالم، لأنه جلب لي المزيد من الزبائن ، وذلك في اشارة الى عملها في التجميل وطلاء الاظافر.
وليس لمايتي شأن ببقية مدينة ريو دي جانيرة الكبيرة، فحياتها تتمحور حول عشوائية مانغويرا، ولكن اسوة بكل البرازيليين فهي تعشق المنتخب البرازيلي بجنون في سعيه لارتقاء ناصية المجد على ارضه وبين جمهوره.
وتقول مايتي بحماس يجب ان نصل الى الدور النهائي. يجب ان نكسب. ان البطولة لنا.
وكانت انباء الاحتجاجات والمظاهرات والغضب الذي اجتاح البلاد قبل انطلاق الدورة على تكاليف استضافة كأس العالم قد طغت على استعدادات البرازيل للحدث الكروي الكبير. وما زالت البلاد منقسمة على نفسها حول الموضوع، ولكن منذ انطلاق اولى المباريات في الثاني عشر من الشهر الحالي، طغت انباء كرة القدم على سواها.
وطالما واصل المنتخب البرازيلي تقدمه في البطولة، ستبقى اسطورة الوحد الوطنية حية هي الاخرى في ضمائر البرازيليين.
يوم امس، وعندما كان مصير المنتخب في المباراة امام تشيلي معلقا بين كفي عفريت، عاد الكثيرون للتفكير بما قد يحدث لو خسر البرازيليون المباراة لا سمح الله.
ساد الحانة التي كنت جالسا فيها توتر صعب الاحتمال. فالنساء والرجال الحاضرون، وكانوا قد استهلكوا كميات لا بأس بها من الجعة، يصرخون على جهاز التلفاز لتشجيع المنتخب البرازيلي - الذي لم يظهر بمستوى متميز على غير عادته.
وفيما دخلت المباراة مرحلة اليانصيب المتمثلة بضربات الجزاء الترجيحية، بدأت افكر في احتمال عودة كل الخلافات والانقسامات لتطفو الى السطح مرة اخرى في حال خسر المنتخب البرازيلي المباراة.
ولكن، ولحسن حظنا نحن الذين افرحنا التوحد والاستقرار الذي جلبه كأس العالم الى شوارع ومدن البرازيل، اوقف تنفيذ حكم الاعدام في اللحظة الاخيرة عندما صدت العارضة ضربة اللاعب التشيلي خارا.
وكانت النسوة يصلين في الحانة التي كنت فيها عندما كان لاعبو الفريقين ينفذون ضربات الجزاء، وعندما كانت الكفة تتأرجح بين المنتخبين. وربما استجابت السماة لصلواتهن، بتحويلها حارس المرمى خوليو سيزار من شرير الدولة الاخيرة (2010 في جنوب افريقيا) الى بطل الدورة الحالية بانقاذه ضربتين تشيليتين.
كان الشعور بالارتياح ملموسا، إذ بدأت النسوة بالصراخ واطلق الاطفال الالعاب النارية بينما ملأ الرجال اقداحهم بالجعة مجددا.
ولكن مما لا شك فيه ان على المنتخب البرازيلي ان يقدم اداء افضل بكثير اذا كان له ان يصل الى المباراة النهائية وان يلعب على ارض الماراكانا.
وطالما ظل البرازيليون مؤمنين بالمنتخب ويؤيدونه، فإنهم سيلقون خلافاتهم جانبا، ولكن مما لا شك فيه ان حجم التوقعات اصبح غير محتمل لا لشيء الا لأنه في البرازيل وعندما يتعلق الامر بكرة القدم لا يوجد خيار اسمه الفشل.
فيديو قد يعجبك: