إعلان

هجمات باريس وتأثيراتها المحتملة على سياسات الحدود واللجوء الأوروبية

10:17 ص الإثنين 16 نوفمبر 2015

لندن (بي بي سي)

أعلنت فرنسا الحداد لمدة 3 أيام، فيما وصف رئيسها فرنسوا هولاند الهجمات التي تعرضت لها العاصمة باريس ليلة الجمعة بأنها تعد ''عملا حربيا موجها ضد فرنسا،'' وقد خطط لها ''خارج فرنسا".

وفي هذه المواقف، تتوقف الحياة السياسية العادية.

لكن فترة الحداد وما يرافقها من تعليق للنشاط السياسي لن تخفي الحقيقة القائلة إن الهجمات التي شهدتها باريس سيكون لها آثار سياسية واسعة جدا.

أولا، أزمة المهاجرين

''بُعدٌ جديد''
تقول السلطات اليونانية إن واحدا على الأقل من المهاجمين قد يكون مر بجزيرة ليروس ضمن مجموعة مكونة من 69 مهاجر. ويبدو أن هذا الرجل سُجِّل في اليونان وأُخذت بصماته هناك.

ولكن من السابق لأوانه الجزم بأن جواز السفر المسجل في اليونان والذي عثر عليه في مسرح احدى العمليات في باريس يعود قطعا لأحد المهاجمين.

ولكن وزارة الداخلية الصربية تقول إن حامل الجواز (السوري) عبر الى صربيا في السابع من أكتوبر الماضي وطلب حق اللجوء فيها.

وإذا ثبت أن الجواز يعود للمهاجم بالفعل، ستتخذ أزمة المهاجرين ابعادا جديدة.

وبالفعل، بدأت هذه الأبعاد بالظهور في بولندا على سبيل المثال. فقد قال وزيرها الجديد للشؤون الاوروبية كونراد شيمانسكي يوم أمس ''إننا لن نقبل أي لاجئين ما لم نحصل على ضمانات أمنية".

وكان من المفروض أن تستضيف بولندا، بموجب خطة الاتحاد الأوروبي لتوزيع اللاجئين، 4500 من هؤلاء، ولكن يبدو هذا الامر مشكوكا به الآن.

وفي ملاحظات بدت وكأنها تتحدى الموقف الالماني المرحب باللاجئين، قال وزير بولندي آخر ''علينا أن نعرف بأننا كنا خاطئين وسذج ومثاليين (في التعامل مع أزمة اللاجئين)".

من جانبه، حذر رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر الأحد من مغبة الاستسلام لما وصفه بـ ''ردود الفعل الوضيعة'' فيما يخص أزمة اللاجئين.

وفي حقيقة الأمر، فإن أي اثبات بأن طرق تدفق اللاجئين استخدمت من قبل ارهابيين سيضاعف من المشاكل التي تواجهها المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل. فقد تدنت شعبية ميركل بالفعل، وهي تتعرض لضغوط تجبرها على اغلاق حدود المانيا بوجه اللاجئين - مما سيمثل هزيمة سياسية لها.

شبهت ميركل يوم أمس أزمة اللاجئين بالتحديات التي واجهتها المانيا إبان فترة اعادة توحيدها أوائل التسعينيات، لكن اعادة توحيد الشعب الالماني الواحد تختلف اختلافا جذريا عن قبل مليون لاجئ ينحدرون من حضارات غريبة.

من جانبه، قال مدير وكالة المخابرات الداخلية الالمانية هانز يورغ ماسن بالحرف الواحد ''لاحظنا اسلاميين يلتقون بلاجئين معينين في مراز الاستقبال. نعرف بـ 100 حالة كهذه".

من المرجح أن تتمسك ميركل بموقفها الحالي على المدى القصير على الأقل وتقاوم الضغوط المتصاعدة ضدها.

كما تعلم ميركل أنها لو أغلقت حدود بلادها، فإن عواقب ذلك ستشعر بها كل الدول الأوروبية حتى منطقة البلقان، إذ سيتكدس اللاجئون وتتصاعد التوترات بين الدول الأوروبية الوسطى والجنوبية بشكل خطير. لذا ستحاول المستشارة الالمانية التواؤم مع الأزمة في الوقت الراهن رغم الانطباع السائد بأنها فقدت السيطرة على زمامها.

ثانيا، هناك الآثار المحتملة للهجمات على حرية التنقل بين الدول الأوروبية المكفولة باتفاقية شينجين. إن هذا المبدأ الاوروبي الاساسي - والذي يوصف بالدرة في التاج الاوروبي - يتعرض للخطر بالفعل الآن.

فقبل أيام قليلة فقط، قال رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك (البولندي) ''إن مستقبل شينجين في خطر والوقت يمضي. علينا استعادة السيطرة على حدودنا الخارجية".

مما لا شك فيه أن هجمات باريس زادت هذا الموضوع حراجة، فقد اثبتت التحقيقات وجود صلات بين بلجيكا والمهاجمين، وقد اعتقل عدد من المشتبه بهم قرب بروكسل.

وسيتعين على الجهات التحقيقية معرفة كيفية انتقال المهاجمين واسلحتهم عبر الحدود، وما اذا كانت الاجراءات الحدودية ستوقفهم ام لا.

وعلقت عدة دول أوروبية منها المانيا بالفعل العمل باتفاقية شينجين. أما فرنسا، فقد اعادت العمل بالإجراءات الحدودية بشكل مؤقت. لا ينبغي التقليل من التصميم الاوروبي على الدفاع عن شينجين، ولكن اذا طالت عودة الدول الاوروبية الى اعتماد الاجراءات الحدودية سيتضاعف التهديد الذي يتعرض له مبدأ اوروبا المفتوحة الموحدة.

ثالثا، من الواضح أن التنظيم الذي يطلق على نفسه اسم ''الدولة الاسلامية'' قد غير استراتيجيته.

''موضوع حساس''
فهو مستعد الآن لمهاجمة أي بلد يقرر الانضمام الى التحالف العسكري الذي يحاربه. ويهدف التنظيم من خلال العمليات الدراماتيكية - كهجمات باريس - الى تقويض ارادة الشعوب الاوروبية في استخدام القوة في سوريا.

ولكن اذا كان التنظيم مستعدا لشن عمليات كبيرة داخل اوروبا، تصبح قضية ضبط الحدود قضية أكثر حساسية جدا.

وأخيرا، ستفاقم هجمات باريس من الشعور السائد في أوروبا بأن الحدود ليست آمنة في وقت تحيط بالقارة مناطق حروب واضطرابات.

تأمل انجيلا ميركل في التوصل الى صفقة مع تركيا يعاد بموجبها اللاجئون، ويمنع اولئك الذين يسعون لبناء حياة جديدة في اوروبا من النزوح اليها، وربما حتى تعقب الارهابيين بينهم.

فتركيا اصبحت الآن بعد الهجمات الاخيرة البلد المحوري في أزمة اللاجئين حتى أكثر من ذي قبل.

ويبدو أن أوروبا مستعدة لعقد صفقة مع الرئيس رجب طيب اردوغان بهذا الشأن مهما انتقدت ميوله السلطوية.

فهجمات باريس عمقت مشاعر انعدام الامان في اوروبا، وهي مشاعر لابد لليمين المتطرف أن يحاول استغلالها لصالحه.

ولكن نجاحه في هذا المسعى ليس مضمونا، ففي فرنسا عقب الهجوم الذي استهدف المجلة الكاريكاتيرية الساخرة ''تشارلي إبدو''، لم تجن الجبهة الوطنية ارباحا آنية. ولكن مما لاشك فيه أن الهجمات الأخيرة زادت من تعقيد وحساسية أزمة اللاجئين.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان