أجمل الأسواق عمارة في العالم
لندن (بي بي سي)
في الفترة التي سبقت عصر النهضة الصناعية، اعتاد الناس على شراء طعامهم من مناطق سكناهم، التي كانت في الغالب ردهات وأسواق جميلة مغطاة. الصحفي جوناثان غلانسي يصف لنا أجمل هذه الأسواق.
في مسألة الحصول على الطعام طازجاً، يمكن التمييز بين كل من الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة، وبقية العالم من جهة أخرى. فالانتقال السريع والمبكر إلى التصنيع في كل من الدولتين أدى إلى فجوة بين غالبية السكان وبين الأرض التي كانوا يوما ما يزرعونها.
التبريد، وخطوط السكك الحديدية، والنمو العمراني، وانتشار السيارات، كلها أسباب أدت إلى ارتفاع عدد الأسواق الكبيرة التي يطلق عليها اسم السوبر ماركت، بطعامها المغلف، وبضائعها ذات تواريخ الصلاحية المحددة، والأغذية التي تحمل العلامات التجارية وتخضع للترويج والدعاية.
إن وصول الشاحنات المحملة بالبضائع إلى محلات السوبرماركت على أطراف المدن أدى إلى إغلاق المتاجر التي تديرها العائلات، وتراجع قيمة الشوارع التجارية، وتدهور التفاعل بين المشترين والمنتجين والبائعين للمواد الغذائية.
لعبت الأسواق المغطاة في كل من بريطانيا وأمريكا الشمالية دور السوبر ماركت، كما هو الحال هذه الأيام في كثير من أرجاء العالم، حيث يدقق الناس النظر في الطعام الذي يرغبون في شرائه، ويرغبون في الاستمتاع بالأجواء الإحتفالية التي توفرها الأسواق المغطاة.
فضلا عن هذه الجوانب الإيجابية، تضاهي الأسواق المغطاة- المصممة بطريقة جذابة لتحقيق الدور الذي أنشئت من أجله، وهو تزويد المدينة بالطعام بطريقة ممتعة وملائمة- في أهميتها مقار المجالس البلدية وأماكن العبادة.
وبرغم الاعتماد المتصاعد على الطعام المصنع ومحلات السوبرماركت، تواصل الأسواق المغطاة ازدهارها في عدد من المدن الكبيرة في كل من بريطانيا والولايات المتحدة.
"السوبرماركت"
من أكثر الأماكن إثارة للاهتمام في مدينة لوس انجليس السوق المركزي الكبير في ساوث برودواي. افتتح ذلك السوق المركزي عام 1917 في الدور الأرضي من مبنى هومر لوخلين، وصممه المهندس المعماري المولود في بريطانيا جون ب باركنسون، واستفادت من خدماته الأجيال المتعاقبة من المهاجرين.
واليوم يشكل الأمريكيون الهيسبانيك 80 في المئة من المتسوقين هنا، وهي حقيقة تجد ترجمتها في تنوع الفواكه الطازجة، والخضراوات، والأطعمة الأسبانية الجاهزة. وتعرض معظم هذه المحلات بضائعها تحت لوحات عرض أمريكية تتدلى من أقواس خرسانية لمبنى مصمم بطريقة مبتكرة، حيث أقام فرانك لويد رايت أشهر معماري أمريكي الأستوديو الخاص به هنا.
التصميم المعماري لسوق بايك بليس في سياتل يتميز بالتداخل بين أشكال مختلفة تعود لعام 1907، عندما افتتحت واجهته المائية لأول مرة. والسوق الذي تبلغ مساحته 3600 متر مربع على مبنى من عدة طوابق على سفح أحد المرتفعات. ويعرض في السوق كل شيء من الأسماك الطازجة القادمة من المحيط الهادي إلى الأشغال اليدوية المحلية.
وتعود ملكية السوق إلى الحكومة، ويؤي 500 شخص، ويقدم الطعام والبهجة لعدد آخر. وبالطبع بإمكانك تناول طبق السوشي هنا، على الرغم من أنه في أيامه الخوالي وقبل أن يقر الكونغرس قانونا عام 1942 أرسل بموجبه اليابانيون إلى معسكرات اعتقال طيلة مدة الحرب العالمية الثانية، كان للعائلات الأمريكية اليابانية بصمتها المميزة هنا، حيث تملك هذه العائلات 80 في المئة من المحال في هذا السوق.
ويشهد سوق بايك بليس ازدهارا هذه الأيام، وهو بديل في وسط المدينة للطعام المصنع عالمياً، وللمحلات التي تحمل علامات تجارية معروفة. إن كنت من المحظوظين، فسوف ترى متجر سول أمون، لسمك الكود، وهو محل أسطوري متاخم لمحل بيور فود أند فيش. هنا نشأ السوق وقت واحد مع شخصياته الشهيرة منذ زمن طويل.
وتعتبر دول أوروبا والشرق الأوسط أهم الأماكن التي تضم الأسواق ذات الجمال المعماري المبهر. وعلى الرغم من المنافسة الشديدة من الكنائس الفخمة والقصور المنيفة، فإن الزائر لمدينة البندقية قد لا يفتنه الجمال المعماري لسوق بيشيريا، وهو سوق السمك المغطى المحاذي لجسر ريالتو.
لقد أقيم سوق السمك هنا منذ عام 1907، على الرغم من وجود مبنى القوطية الجديد الذي صممه المعماري دومينيكو رابولو، والرسام تسيزار لورينتي.
انظر إلى ما يتوج الأعمدة التي تدعم السقف، حيث تظهر فيها رؤوس الأسماك بدلا من أوراق النباتات كما جرت العادة.
هذه الأسواق تتنافس في روعة الفن المعماري، وكذلك في عرضها للأطعمة الطازجة للبيع هنا وفي سوق الفواكه والخضراوات المسمى ايربيريا المجاور.
وأفضل طريقة للوصول لهذا السوق من خلال عبَّارة (زورق) تنطلق من سانتا صوفيا على الجانب الآخر من القناة الكبرى (جراند كانال).
بهذه الطريقة ترى أنواع الأسماك التي لا نهاية لها، والمياه، والقوارب، القنوات المائية، وعدد من المأكولات المعروضة، والفن المعماري المميز، والتي تلتقي كلها في مكان واحد من مدينة البندقية.
خبز يومي
هذه الأسواق الإيطالية والأمريكية تشترك في مواصفات معينة. باريس أيضا لها تقليد طويل في الأسواق اليومية المغطاة في أنحاء متعددة من المدينة.
هذه الأسواق هي نماذج مصغرة من السوق المركزي الكبير "لي آل"، أي بطن باريس، حيث استمدت هذه التسمية من عنوان رواية للكاتب ايميل زولا نشرها عام 1873 بعنوان (لو فونتر دي باري).
ومع أن هذا القصر لبيع الطعام الذي يعود بناؤه إلى أواسط القرن التاسع عشر وصممه المهندس المعماري فيكتور بالتارد، هدم ذلك القصر في عام 1971.
من بين الأسواق المغطاة الثلاث عشرة المتبقية، يعتبر سوق مارشيه لاشابيل أكثر الأسواق التي حظيت بالعناية الجيدة. وهو يوحي بما كان عليه حال سوق "لي آل" الذي يفتقده الجميع. وتعرض في هذا السوق الأطعمة من البرتغال وشمال أفريقيا، ويميزه تزاحم المتسوقين الذين يؤمون هذا السوق وغيره من أسواق باريس في كل يوم.
وكانت هذه الأسواق الفرنسية أنيقة وذات تصاميم جميلة. الذي يباع هنا في نهاية الأمر أكبر أهمية من الفن المعماري.
وهذا ما لا ينطبق على سوق فلنسيا المغطى المعروف باسم ماركادو سنترال. ومن دواعي السعادة أن الغذاء المعروض للبيع في هذا المبنى الأسباني الرائع في تصميمه المعماري طيب المذاق وممتع كالبناء الذي يضمه.
السوق الذي صممه المعماريان الكتالونيان فرانسيسكو غوارديا وألخاندرو سولار، بقبابه الرائعة والمكسو بالسيراميك الملون، والموزاييك والزجاج المطلي، اكتمل بناؤه عام 1928. اليوم يضم ألف طاولة تعج بالأطعمة الشهية.
ولا يمكن لمن ترعرعوا على ثقافة السوبرماركت إلا أن يحدقوا بإعجاب ويأكلوا في ذهول، هذا ما يمكن أن يكون عليه وما يعنيه الطعام الطازج، وهو متوفر للجميع وكل يوم وبدون تكلفة إضافية.
ومن أعظم الأسواق المغطاة مساحة وجمالاً أيضا هي أسواق الشرق الأوسط. ومن المؤسف أن أفضل هذه الأسواق على الإطلاق سوق المدينة في قلب مدينة حلب الذي يعود بناؤه إلى عام 1450، وقد تعرض لدمار كبير في الصراع الذي تشهده سوريا حالياً.
هنا، يوجد ثمانية أميال من الشوارع المغطاة، كثير منها تحت أقبية من الحجر الجميل. مكان تتراقص فيه الظلال تحت ضوء الشمس، ويضم آلاف المحال المزدحمة بالأغذية والتوابل والأقمشة، كان هذا السوق لقرون طويلة من أعظم الأماكن التي امتزجت فيها الأديان والثقافات، ويؤمل أن يعود إلى مجده السابق.
في روتردام، المدينة التي يقطنها أناس ينحدرون من ثقافات مختلفة، يعملون ويتسوقون، افتتح سوق جديد مغطى في منطقة لورينز بالمدينة.
هذا المبنى الضخم الملون الذي صمم على شكل حدوة حصان، على يد شركة (MVDRV) المعمارية يضم طاولات الطعام والزهور، وكذلك محلات الأزياء الجديدة، وشققاً بهيجة، ومقار لشركات و مشاريع جديدة.
ويضم كذلك مدرسة لتعليم الطبخ للراغبين في صناعة أشهى أطباق الطعام الطازجة. إن التصميم المعماري لهذا السوق المغطى لا يوحي فقط بأنه سوف يبقى على حاله، ولكن بأنه سيكون له مستقبل جذاب وممتع أكثر من أي سوبرماركت آخر من هنا حتى لوس أنجليس.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: