جولة داخل أكبر سجن لمرتكبي الجرائم الجنسية في أوروبا
لندن (بي بي سي)
تضم مقاطعة نوتنغهامشير أكبر سجن لمرتكبي الجرائم الجنسية في أوروبا. ويثير ريكس بلومشتاين، مخرج الأفلام الوثائقية، تساؤلات بشأن طرق تأهيل هؤلاء النزلاء.
وتقول لين ساوندرز، مديرة سجن واتون، أكبر سجن لمرتكبي الجرائم الجنسية من الرجال في أوروبا وليس فقط في بريطانيا: ''إنه نموذج عظيم في إعادة الاتزان السلوكي والنفسي للنزلاء''.
وتضيف: ''نتيح للجميع هنا الفرصة للتفكر، للكهنة، للمعلمين، لقائدي الطائرات، لضباط الشرطة، لموظفي السجون، للأطباء... الذين يعانون من صعوبات التعلم، الذين يعانون من انخفاض معدل الذكاء ومشاكل الصحة العقلية.''
وشيد سجن واتون في مقاطعة نوتنغهامشير في فترة الستينيات، ويستوعب 840 نزيلا من جميع الأعمار، ويشكل مرتكبو الجرائم الجنسية ضد الأطفال نحو 70 في المئة من مجموع النزلاء، والنسبة الباقية ضد البالغين، ويعرف السجن محليا باسم مستعار هو ''قصر بيدو''.
ويقضي ما يقرب من نصف النزلاء عقوبات محددة المدة، لذلك هم يعلمون موعد الإفراج عنهم، أما النسبة الباقية فلا تعرف ذلك.
ويعد واتون مركز علاج متخصصا لإعادة تأهيل النزلاء، ويقدم مجموعة واسعة من برامج العلاج لمرتكبي الجرائم الجنسية، أكثر من أي سجن آخر في المملكة المتحدة.
وتقر غالبية النزلاء العظمى بارتكاب جرائمها، وتعمل على مواجهتها، وتتنوع الجرائم التي أدينوا بها.
وتشمل هذه الجرائم، جرائم التحرش الجنسي أو ممارسة الجنس الصريح، وسفاح المحارم، والعنف المرتبط بالجنس أو حتى القتل، وهناك جرائم أخرى مثل تحميل الصور التي تنطوي على مشاهد جنسية غير قانونية للأطفال على الإنترنت.
ومنذ الكشف عن تقارير تتعلق بالاعتداءات الجنسية لشخصيات شهيرة، مثل جيمي سافيل، وتحقيقات الشرطة المعروفة باسم ''عملية يويتري''، يقبع في السجون البريطانية حاليا أكبر عدد من المدانين بارتكاب جرائم جنسية عن أي وقت مضى.
وللمرة الأولى على الإطلاق، منحتُ فرصة غير مسبوقة لدخول سجن واتون للكشف عن ما يجرى بداخله بغرض تأهيل مجموعة من أكثر الفئات احتقارا وخشية في المجتمع.
ويقول ديف بوتر، الذي يعد واحدا من أكثر المدربين خبرة في برامج العلاج والتأهيل، إنه يجرى جمع مرتكبي الجرائم الجنسية سواء أكانت ضد الأطفال أو البالغين، معا لتفادي أي نوع من أنواع التمييز على أساس جرائمهم.
وأضاف: ''لا نعامل مرتكبي جرائم الاغتصاب أفضل من مرتكبي الجرائم الجنسية ضد الأطفال، أو مرتكبي الجرائم على الإنترنت، لأن كل جريمة خلفت ضحايا، ودمرت حياة آخرين، وبغض النظر عمن ارتكبت بحقه الجريمة، فمن المهم ألا يوجد أي تمييز.''
مايك الذي يقضي غالبية فترة شبابه في السجن، أدين منذ 28 عاما باغتصاب امرأة، 38 عاما، في منزلها.
ويعترف مايك قبل مجيئه إلى واتون بأنه احتقر السجناء من مرتكبي الجرائم الجنسية ضد الأطفال، الذين غالبا ما يُعزلون عن بقية السجناء في السجون الأخرى.
ويقول مايك: ''لم أحبهم على الإطلاق، اعتقدت أنها أدنى جريمة يمكن للشخص ارتكابها، لكن عندما نظرت إلى الجريمة التي ارتكبتها، لقد كانت ضد شخص بالغ، لا يهم، فعملية التفكير لا تزال واحدة''.
تسعى إدارة السجن لمعاملة السجناء بمساواة تامة
ويمكث مايك في واتون منذ سبعة أعوام، ويقول إن ثقافة التعامل في هذا السجن مختلفة للغاية.
ويضيف: ''لا أحد يحكم عليك، ولا حتى الموظفين، فهم لا ينظرون إليك على أنك حثالة، وهذا يشكل فرقا كبيرا.''
ويشارك سجناء مثل مايك في جلسات علاج فردية أو جماعية يصل المشاركون فيها إلى تسعة نزلاء لمحاولة إقناعهم بأنهم كانوا على ''الطريق الخطأ''.
ويقول بوتر: ''ما نفعله في واتون هو محاولة حمل السجناء على إدراك حجم الضرر الذي لحق بالآخرين ولحق بأنفسهم وطرق التعرف على المؤشرات التي تحذرهم عندما يخرجون، ليدركوا أنهم يسيرون في الطريق الخطأ مرة أخرى.''
وعلى عكس مايك، جاء ستيف إلى واتون حديثا بعد ارتكابه جريمة ضد ابنة زوجته، وظل يبكي وهو منهار أثناء مقابلتي معه.
وقال: ''بالنسبة لي شخصيا، هذا جحيم يتكرر كل يوم، نحن نتحدث عن الندم والشعور بالذنب والخزي الذي تسببت فيه، ليس فقط لضحيتي لكن لأسرتي ومجتمعي الأوسع أيضا، وأن كل شيء كنت أفعله قبل ذلك ذهب بلا طائل.''
ويعد ستيف نموذجا للعديد من السجناء في واتون، حيث لا يعد غالبية مرتكبي الجرائم الجنسية من الغرباء، بل من أفراد الأسرة، أو من الذين يعرفون الضحية.
كان من المنتظر سماعه وهو يكشف عن ألمه ويأسه، لكني، شعرت بالاضطراب لأنني تعاطفت تجاه رجل تعدى على ابنة زوجته.
وهذا هو محور القضية في واتون، وهو التعامل بإنسانية مع أناس يظن البعض أنه من المستحيل التعاطف معهم.
وتقول مديرة سجن واتون، لين ساوندرز: ''نحن هنا نتعامل مع بشر لا وحوش، نحن نتعامل مع الأب، والابن، والأخ، والجار، والعم.
فالعواطف السلبية، مثل الشعور بالخزي والذنب الذي يبديه السجناء، مثل ستيف، تعد، وفقا للموظفين في واتون، حاجزا كبيرا في عملية العلاج، إذ يركز مسؤولو السجن، بدلا من ذلك، على صفات النزلاء ونقاط قوتهم كوسيلة لمساعدتهم في التوقف عن ارتكاب الجرائم مرة أخرى في المستقبل.
بالطبع من المطلوب أن يشعر مرتكبو الجرائم الجنسية بالندم الشديد على جرائمهم، لكن عملية إعادة التأهيل في واتون، من الناحية الأخرى، تطلب من السجناء ما هو أبعد من ذلك.
ويقول بوتر: يعتقد الناس أحيانا بأنه من الصعب استيعاب مثل هذا الأمر، فكثير مما نقوم به، في الجلسات الجماعية، يهدف إلى بناء الثقة بالنفس لدى مرتكبي الجرائم الجنسية، لأن الكثير من الاعتداءات الجنسية تنجم مباشرة عن تدني مستوى الثقة بالنفس، وفي الجلسات الجماعية نحاول ونخلق شعورا بقيمة الذات.''
في نهاية المطاف، سيعود معظم مرتكبي الجرائم الجنسية إلى المجتمع، ووفقا لساوندرز، فإن معدل العودة إلى ارتكاب الجرائم انخفض بشكل مذهل، 6 في المئة فقط من بين مرتكبي الجرائم الجنسية يعودون لارتكاب جرائم مماثلة بعد خروجهم من السجن بينما تصل النسبة نفسها بين بقية سجناء الجرائم الاخرى إلى نحو 50 في المئة.
فيديو قد يعجبك: