السمندل الصيني العملاق القادم من عصر الديناصورات
(بي بي سي):
لا يحدث كثيرا أن تجد حيوانا يمكن أن يُشار إليه بأنه "سيد العرين"، لكن مثل هذا الوصف يبدو منطبقا تماما على ذكور حيوان السمندل الصيني العملاق.
فلدى كل من هذه الحيوانات عرينٌ للتفريخ تحت الماء، يكون عادة عبارة عن تجويف ضخم أسفل الصخور أو الشقوق، وتسمح تلك الحيوانات للعديد من إناثها بدخول مثل هذا التجويف لوضع مجموعات كبيرة من البيض فيه. ثم يتولى ذكر، يمكن أن يُطلق عليه اسم "سيد العرين"، حراسة البيض والعناية به إلى ما بعد فقسه بأكثر من شهر.
ويعد حيوان السمندل الصيني العملاق الحيوان البرمائي الأكبر الذي لا يزال على قيد الحياة في العالم، إذ يصل طوله إلى 1.8 مترا، وهو طول لا يبلغه العديد من بني البشر. كما أن هذه الحيوانات قد تصل إلى أوزان ثقيلة كذلك، ربما تبلغ نحو 50 كيلوجراما للواحد منها.
لكن وللمفارقة الصارخة، لا يتجاوز طول صغار هذه الحيوانات البرمائية ثلاثة سنتيمترات.
ويقول أندرو كْننيغام من جمعية علوم الحيوان في لندن بالمملكة المتحدة: "تخيل أن يصل أحد حيوانات سمندل الماء تلك التي تعيش في بركة بالحديقة إلى ذلك الحجم. إنه لأمر مثير للإعجاب والخوف؛ أن يرى المرء أحد هذه الحيوانات حيا وفي طور البلوغ أمامه وجها لوجه."
وقد استوحيت العديد من الخرافات والأساطير التي تتضمنها الثقافة الصينية من تلك الحيوانات البرمائية.
وفي هذا الإطار، يُعتقد أن رمز "ين ويانغ" الشهير، الذي يرمز إلى التضاد بين الطاقات المختلفة بالنسبة للصينيين، كان في الأصل عبارة عن حيوانيّ سمندل صينييّن عملاقيّن يلتفان على بعضهما البعض، على نحو متناغم.
وفي بعض الأحيان، يُطلق على حيوان السمندل اسم "وا وا يو"، وهو ما يعني "السمك الطفل"، وذلك لأن نداء الاستغاثة الذي تطلقه هذه الحيوانات يشبه بكاء الأطفال.
وتنحدر هذه الكائنات كذلك من أصل عريق، فالأسرة التي تنتمي إليها، وتحمل اسم "كرايبتوبرانشيدي"، يصل عمرها إلى نحو 170 مليون عام.
وفي أغلب الأحيان، يُطلق على حيوانات السمندل العملاقة التي تعيش في الوقت الحالي اسم "الحفريات الحية"، نظرا إلى أنها لا تزال مشابهة للغاية لتلك الحيوانات التي كانت تعيش قديما، وتمت لها بصلة قرابة.
ويقول كْننيغام إنه لم يطرأ تغيير كبير على حيوانات السمندل هذه، مقارنة بما كانت عليه، خلال الحقبة التي كانت تعيش فيها الديناصورات من فصيلة "تيرانوصور ريكس" على وجه الأرض.
لكن هذه الكائنات المذهلة أصبحت نادرة على نحو متزايد في البرية، فمنذ خمسينيات القرن الماضي؛ تراجعت أعدادها بشكل كبير.
وفي الوقت الراهن، تُدرج حيوانات السمندل الصيني العملاق ضمن الكائنات المهددة بالانقراض بشدة على القائمة الحمراء للكائنات المُهدَدَة، التي يعدها الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة.
وبشكل كبير، يُنحى باللائمة في ما يحدث في هذا الصدد على عمليات إنشاء مزارع تربية حيوانات السمندل، ذاك النشاط الآخذ في التنامي في الوقت الحالي. ويحمل هذا النشاط المسؤولية على الرغم من أن عمره لا يتجاوز عقدا واحدا من الزمن.
فحيوانات السمندل تُعتبر طعاما شهيا، رغم كونها كائنات حية تحظى بالحماية من الصيد. أكثر من ذلك، فإن الحجم الهائل لهذه الحيوانات يجعلها مصدرا للغذاء والربح.
ونتيجة لذلك، وفي أغلب الأحيان، تصطاد تلك البرمائيات من البرية لزيادة أعداد الحيوانات التي تربى في هذه المزارع. ويمكن أن يجني من يمارسون أنشطة الصيد غير المشروع تلك أرباحا طائلة من وراء ذلك.
ولكن كلما زادت أعداد حيوانات السمندل التي تصطاد من البرية، تباطأت وتيرة عودة عدد من يعيش منها في البرية إلى مستواه الطبيعي، نظرا لأن صغار هذه الحيوانات تستغرق العديد من الأعوام حتى تصل إلى سن البلوغ الجنسي.
ويقول كْننيغام إن الصيد غير القانوني للسمندل الصيني العملاق كان أكثر يسرا، عندما كانت هذه البرمائيات موجودة بشكل أكبر في الطبيعة. ولكن مع تحول هذا الحيوان إلى كائن أكثر ندرة، استخدمت وسائل ذات طابع مدمر بشكل أكبر في عمليات صيده.
وتتضمن هذه الوسائل أصابع الديناميت، والصيد باستخدام التيار الكهربائي، فضلا عن استخدام المبيدات الحشرية التي تحتوي على مادة البيرثرين، التي لا تسمم السمندل فحسب، وإنما كذلك غالبية الكائنات التي تعيش معه في الماء.
ولسوء الحظ، كما يقول كْننيغام، لا تُفرض عقوبات صارمة على من يُقبض عليه وهو يمارس عمليات الصيد هذه. الأكثر من ذلك، بحسب ما يضيف كْننيغام: "هناك تقارير عن قيام بعض الوكالات المسؤولة عن حماية السمندل بشرائه من الصيادين ثم بيعه للمزارع" التي تقوم بتربيته.
وفي داخل هذه المزارع، تتفشي الأمراض المعدية بسرعة كبيرة، مما يشكل خطرا على السمندل البري. كما أن تهجين النوع البري من هذه الحيوانات مع ذاك الذي يتم تربيته في المزارع، لا يمثل أمرا جيدا للنوع الأول، إذ أن سمندل المزارع يميل إلى أن يكون أكثر توالدا.
وأفاد تحقيق جرى مؤخرا بشأن الأنشطة الخاصة بإقامة مزارع تربية السمندل، ونُشر في مجلة "أوريكس"، بأن هذه الكائنات قد تنقرض قريبا في البرية، إذا تواصل تراجع عدد من يعيش منها هناك على المنوال الذي تتقلص به حاليا.
ولكن ثمة أنباء جيدة في هذا الشأن، إذ يقول أنصار الحفاظ على البيئة إنهم باتوا في وضع يمكنهم من حماية السمندل الصيني العملاق، بعدما تمكنوا من تحديد طبيعة التهديدات التي تواجهه.
ويرى أندرو كْننيغام أن إغلاق مزارع تربية السمندل لا يمثل خيارا قابلا للتطبيق. ويوضح رأيه في ذلك بالقول إن إنشاء هذه المزارع يمثل "نشاطا ضخما للغاية؛ استثمرت الحكومات في الصين، سواء على المستوى المركزي أو الإقليمي أو المحلي، الكثير من الأموال فيه."
ويتمثل الحل البديل بنظر كْننيغام في إدارة هذه المزارع على نحو أكثر كفاءة. ما يضمن، على سبيل المثال، منع عمليات إطلاق سراح أي حيوانات سمندل تعيش بداخل المزارع، للعيش في البرية.
ففي الماضي، كانت الحكومة تشجع على القيام بمثل هذا الأمر بغية زيادة عدد حيوانات السمندل التي ترتع في البرية. لكن خطوة مثل هذه؛ قد تجلب أضرارا أكثر مما تؤدي إلى منافع، حسبما يقول كْننيغام.
فالحيوانات التي يُسمح لها بالخروج للعيش في البرية لا تخضع لفحص طبي بهدف التأكد من عدم إصابتها بأمراض، ولذا فقد تنشر تلك البرمائيات العوامل المسببة للأمراض بين نظيراتها في البرية.
كما أنه لا تجري أي اختبارات لتحديد ما إذا كان التركيب الجيني لمثل هذه الكائنات ملائما للبيئات التي يتم إعادة توطينها فيها أم لا. علاوة على ذلك، فلا يتم إخضاع حيوانات السمندل، التي يتم إطلاقها للعيش في البرية للمراقبة، كما أنه لم يتم إجراء تقييم شامل من شأنه تحديد ما إذا كانت خطة مثل هذه، تُكلل بالنجاح أو تُمنى بالفشل.
ولهذا السبب يقترح أندرو كْننيغام وزملاؤه أيضا الإبقاء على الفصل ما بين حيوانات السمندل التي تحيا في البرية وتلك التي تعيش في الأسر، والتفرقة بينها. فعلى سبيل المثال، يمكن لصق رقاقة دقيقة بجسد تلك البرمائيات التي تحيا في الأسر، ليسهل ذلك التعرف على السمندل البري، نظرا لأنه سيكون غير موسوم برقاقات من هذا النوع.
ويضيف كْننيغام: "نقترح أيضا تبني تدابير تحسينية فيما يتعلق بمكافحة الأمراض وضمان الأمن الحيوي في المزارع، مثل وضع الحيوانات الواردة حديثا للمزرعة قيد الحجر الصحي، ومعالجة مياه الصرف الصحي، للحيلولة دون تصريف المياه الحاملة لمسببات الأمراض من داخل المزرعة إلى البرية."
وهكذا، فإذا ما تقلص عدد حيوانات السمندل التي تهلك بسبب المرض داخل المزارع، فربما يقلل ذلك من الحاجة إلى تعويض النقص الناجم عن ذلك عبر اصطياد حيوانات أخرى تعيش في البرية.
ولكن حتى الآن، يقول كْننيغام إن الأفق بالنسبة للسلمندر البري لا يزال قاتما، على الرغم من أن هناك عشرات الملايين من هذه الكائنات تعيش في المزارع، والتي يبلغ عدد المعروف منها 43 مزرعة.
ولن يتسنى لأعداد السلمندر البري أن تعود إلى ما كانت عليه بحق قبل أن تتغير توجهات البشر حيال التعامل هذا الحيوان، وهو هدف يعكف أنصار الحفاظ على البيئة وحمايتها على السعي لتحقيقه حاليا.
ويقول كْننيغام إن السلمندر "أحد أكثر الأنواع الحية المدهشة الموجودة على ظهر هذا الكوكب. والصينيون بحاجة لأن يتعلموا كيف يقومون برعاية هذه الكائنات الخاصة للغاية. وفقط إذا ما حدث ذلك، وعندما يحدث بالفعل، سيكون (لتلك الكائنات) مستقبل."
فيديو قد يعجبك: