طموحات إيران النووية تغذي مخاوف إسرائيل وشكها
القدس (بي بي سي)
حينما أجرت السلطات الإسرائيلية، هذا الشهر، مناورة كبيرة لاختبار أجهزة الدفاع المدني، فعلت ما في وسعها كي يبدو الأمر حقيقيا.
ودوت صافرات الإنذار الكئيبة للتحذير من الغارات الجوية في شوارع المدن الكبرى وميادينها.
وقاد المعلمون مجموعات مدربة جيدا من الأطفال سريعا إلى أقبية أسفل ممرات المدرسة .
ولم تبذل نشرات الأخبار الوهمية في الإذاعة أي جهد لتمويه مصدر الهجوم التخيلي، حيث كان مصدره حزب الله، الجيش بالوكالة، الذي تدعمه إيران وتحافظ على بقائه في جنوب لبنان.
وربما تكون المناورات إجراء روتينيا لكن التوقيت يشير إلى شعور أكبر بالحاجة الملحة إليها، إذ جاءت في الوقت الذي حددت فيه القوى الكبرى بقيادة الولايات المتحدة موعدا نهائيا للمحادثات الدبلوماسية مع إيران، التي تعرض تخفيفا في العقوبات الاقتصادية الخانقة مقابل وضع سقف يمكن التحقق منه لطموحات إيران النووية.
ويتخوف القادة الإسرائيليون من أن تلك القوى الدولية لا تفهم إيران بنفس الطريقة التي يفهمونها هم بها.
وتصر إسرائيل بشدة على منع الإيرانيين من امتلاك سلاح نووي وترى بما لا يدع مجالا للشك أن طهران أكبر تهديد يواجه الشرق الأوسط، بل وربما العالم كله.
العقلية الإسرائيلية
ونتيجة لعدد من الأسباب المختلفة، يتخوف الإسرائيليون من أن القوى الدولية بقيادة الولايات المتحدة المتفاوضة مع الإيرانيين لا يساورها الخوف بنفس القدر أو درجة الإصرار الشديدة.
ويبدي الإسرائيليون مخاوفهم من أن أوروبا تعجلت حينما اعتبرت أن استبدال الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد بحسن روحاني، الأكثر مرونة، دليلا على تغير سياسي حقيقي وليس مجرد واجهة سياسية لإعطاء انطباع جيد بدون أن تجلب نتائج حقيقية بهدف خداع الأوروبيين.
وربما يكونوا مستعدين للمخاطرة في إبرام اتفاق، كما تذهب التحليلات الإسرائيلية، للمساعدة في تعزيز تغير سياسي لم يكن في الواقع أمرا حقيقيا.
وهناك خوف من أن يرى باراك أوباما إعادة تأهيل إيران الثورية كنوع من الإرث الدولي الشخصي، هي لحظته المشابهة للحظة "نيكسون في الصين".
ولكن وقبل كل شيء، هناك خوف حقيقي وقائم من أن إسرائيل هي أكثر الأهداف المحتملة لأي قنبلة نووية.
ومن الجدير ذكره أن إيران، بالطبع، تنفي بصورة قاطعة أنها تحاول امتلاك قنبلة نووية، وتصر على أن برنامجها لتخصيب اليورانيوم يهدف إلى الاستخدام المدني السلمي، مثل توليد الكهرباء وعلاج السرطان.
الكاتب الإسرائيلي، رونين بيرغمان، الذي يعد واحدا من أفضل المحللين في الشؤون الأمنية والاستخبارية، يقول إنه من السهل قياس مدى عمق ووجود المخاوف لدى الإسرائيليين العاديين.
ويضيف: "في ذروة التوترات مع إيران، وكشخص يُنظر إليه على أن لديه قدرا من المعلومات عن هذه القضية، كان هناك أشخاص يسألونني في الشارع كل يوم، وكل ساعة، ليس إذا لكن متى سيضغط الرئيس أحمدي نجاد على الزر الأحمر بمجرد امتلاكه هذا الزر".
ويتابع: "لا أعتقد بأنه سيمتلكه، لكنها العقلية الإسرائيلية، وهي أنه بمجرد أن يضع الإيرانيون أيديهم على رأس نووي فسيوجهونه صوب إسرائيل".
"عدو عنيد"
إسرائيل ليست طرفا في المحادثات بين إيران والقوى الدولية لكنها تعمل خلف الكواليس باستماتة لتشديد المواقف الأمريكية والأوروبية، بحجة أنه يمكن -بل يتعين- عرض صفقة أصعب أمام الإيرانيين.
فالنقاط التفصيلية مهمة. فهل يتعين على مفتشي الأسلحة النووية الدوليين، على سبيل المثال، أن يكون لديهم الحق في القيام بزيارات مفاجئة للقواعد العسكرية الإيرانية، والمنشآت الصناعية في المناطق النائية بالصحراء للتأكد من أن طهران لا تخدعهم.
وقال لنا ضابط متقاعد من جهاز الاستخبارات السري، الموساد، أن القضايا المتعلقة بإيران تستنفذ معظم وقت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وجهدها.
ولن تشمل هذه الحسابات برنامج إيران النووي فحسب، بل تمتد لدعمها أعداء إسرائيل، مثل حزب الله في لبنان وحركة الجهاد الإسلامي وحماس في غزة.
لذلك، تنظر إسرائيل إلى إيران على أنها عدو عنيد وحيوي وخطير، لكنها لا تنظر إليها على أنها عدو لا يمكن إيقافه.
ويعتقد وزير الاستخبارات الإسرائيلي السابق، دان مريدور، أن العقوبات الشديدة الحالية ضد إيران تؤتي ثمارها لأنها تشمل مثل هذه الإجراءات المالية المشددة، مثل حرمانها من التعامل مع أنظمة الدفع لتسيير تجارتها الدولية.
وهدف إيران الآن هو تخفيف حدة تلك العقوبات أو إلغاؤها، لكن مريدور يقول إنه يتعين على المفاوضين بقيادة الولايات المتحدة الحذر من تخفيف قبضتهم.
وأضاف لنا: "إنهم (الإيرانيون) جادون وأذكياء، لكنهم يفهمون كذلك ما يطلق عليه الألمان بالسياسة الواقعية".
وتابع: "عندما يكون ضغط كبير على الاقتصاد من قبل الاتحاد الأوروبي والأمريكيين وغيرهم، سترى تغيرا في الوجه وربما تغيرا في السلوك من الجانب الإيراني. لذلك لا أعتقد بأننا بهذا الضعف ولا أعتقد أنهم بتلك القوة".
وأردف: "إذا تصرفنا بذكاء يمكننا إرجاء العمليات، وتحريك الأمور كما هو مأمول في اتجاه أفضل".
ضربة استباقية؟
ويظهر العديد من أعداء إسرائيل في الشرق الأوسط النفاق، فلا أحد في المنطقة يشك في أن الدولة اليهودية نفسها تمتلك أسلحة نووية لسنوات طويلة، ولا أحد يخدع بسياستها الطويلة في رفض مجرد التعليق على القضية.
لكن إسرائيل ترى أن إيران حالة مختلفة.
ويعتقد بعض الإسرائيليين بما لا يدع مجالا للشك بأن هناك احتمالا في أن الزعماء الدينيين في البلاد يريدون القنبلة كي يتمكنوا من تنفيذ تهديدهم بمحو إسرائيل من على الخريطة.
لكن آخرين يخشون من أن إيران تطمح إلى تعزيز قدراتها باعتبارها قوة إقليمية عظمى، بحيث لا يجرؤ أحد على محاولة السيطرة عليها.
وكقوة ثورية، ترى إيران نفسها بالفعل كدولة مصدرة للثورة، أو مصدرة للإرهاب، كما ستراها إسرائيل والولايات المتحدة.
وكأكبر قوة للشيعة في العالم الإسلامي، تشعر إيران بأن لديها الحق في تسليح وحماية المجتمعات الشيعية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، كما هو الحال في لبنان والعراق وسوريا واليمن.
ويتمثل كابوس إسرائيل في أن هذه السياسات التدخلية الأكيدة في شؤون الآخرين ستكون أقوى في حالة امتلكت إيران ثقة استراتيجية إضافية والتي ستتحقق بامتلاك القنبلة.
وهذا هو السبب وراء سيطرة تكهنات حول شن إسرائيل هجمات جوية استباقية وقائية ضد البنية التحتية النووية لإيران لسنوات عديدة على المحادثات بشأن هذه القضية.
لكن خبير الاستخبارات، رونين بيرغمان، يقول إن التهديد لا يزال جزءا من المعادلة ككل.
وهاجمت إسرائيل بالفعل منشآت نووية في العراق عام 1981 وسوريا عام 2007 ولا تزال ملتزمة بالسياسة التي أكد عليها رئيس الوزراء السابق مناحيم بيجن بأن إسرائيل لن تسمح مطلقا بأي عدو يسعى لتدميرها بالحصول على الوسائل لتنفيذ هذا التهديد.
ويقول بيرغمان إن "هذا هو السبب في أن أي رئيس وزراء إسرائيلي سيأمر القاذفات بمهاجمة المشروع النووي الإيراني إذا حصلت على معلومات استخباراتية موثوقة بأن إيران اقتربت بشدة من تصنيع قنبلة".
الاستعداد للأسوأ
وأي هجوم على إيران سيقابل بالرد من طهران، الذي سيكون إما مباشرة من خلال قوات الصواريخ الإيرانية أو من خلال حزب الله على الحدود الشمالية لإسرائيل.
وكانت مناورات الدفاع المدني الأخيرة في المدن الإسرائيلية جزءا من الاستعدادات لهذا السيناريو المروع.
يمكن أن تجد على الإنترنت فيلما إسرائيليا محليا مروعا يتضمن تأثيرات خاصة يصور هجوما نوويا إيرانيا على إسرائيل ويحمل اسم "اليوم الأخير".
ويجب على إسرائيل أن تعتمد على المفاوضين الذين تقودهم الولايات المتحدة لضمان أن مثل هذا الهجوم يظل ضربا من الخيال.
وحتى تصل هذه العملية إلى النقطة الأخيرة، فإن حالة الشك والقلق ستظل تسيطر على إسرائيل.
فيديو قد يعجبك: