مهارات طهي الطعام ربما ظهرت "منذ ملايين السنين"
لندن (بي بي سي)
توصلت دراسة حديثة إلى أن الشمبانزي يتمتع بغالبية القدرات العقلية اللازمة لطهي الطعام.
ويشير هذا إلى أن القدرة على طهي الطعام لها جذور عميقة للغاية وربما نشأت لدى أسلاف البشر منذ ملايين السنين.
كما تشير نتائج الدراسة، التي نشرتها دورية "رويال سوسايتي" العلمية، إلى أن الإنسان ربما طور القدرة على الطهي بعد وقت قصير من تعلمه كيفية التحكم في النار.
وربما كان من المفاجئ أن حتى سلق البيض يتطلب مهارات عقلية متطورة. في الوقت الذي تميل الحيوانات إلى البدء في تناول أي طعام تجده أو تقتنصه، فإن بوسع الإنسان تخزين وطهي طعامه، حتى في حالة الجوع، لإدراكه أن الانتظار سيفضي إلى تناول طعام أفضل مذاقا.
ويبدو أن قدرتنا على لعق الشفاه تعبيرا عن المذاق الشهي والطعام المعد بطريقة جيدة كان بمثابة قفزة في التخيل مشابهة لما يتطلبه إنتاج الأعمال الفنية وتطوير اللغة وابتكار التكنولوجيات - وهي الأمور التي تجعلنا متفردين كبشر.
أمهر الطهاة
متى تطورت لدينا هذه القدرة؟ لمعرفة ذلك أجرى فليكس وارنكن، بجامعة هارفارد، مسابقة لاختيار "أمهر الطهاة" شملت سلسلة من التجارب على الشمبانزي لرصد ما إذا كان لديه القابلية للطهي.
ومن الواضح أن الشمبانزي لا يستطيع الطهي لذا لا يوجد ما يدعو إلى إعطائه حقيبة تسوق وتركه في مطبخ مع الآنية المتنوعة، على الرغم من أن المشهد قد يبدو مسليا.
وبدلا من ذلك أجرى وارنكن سلسلة من التجارب لاختبار مهارات معرفية يحتاجها الشمبانزي كي يستطيع الطهي. وسعى إلى رصد إذا كانوا يفضلون الطهي بدلا من تناول الطعام النيء، وإذا كانوا يستطيعون الانتظار حتى طهي الطعام النيء، وأيضا إذا كانوا يضعون الطعام النيء في صندوق يستبدله العلماء بطعام مطهو مسبقا.
ووجد وارنكن أنهم تجاوزوا جميع الاختبارات وأكثر.
فلماذا لا يطهو الشمبانزي الطعام؟
يعتبر عنصر عدم السيطرة على النار أحد الأسباب إلى جانب أسباب أخرى، حسبما يقول وارنكن، من بينها أن عملية الطهي تتطلب ما يصفه بـ"مهارات اجتماعية" لا يمتلكها الشمبانزي.
ويقول وارنكن إن تجاربه أظهرت أن المهارات العقلية اللازمة للطهي التي توافرت لدى الإنسان القديم قبل 5 إلى 7 ملايين عام ظهرت للمرة الأولى في فنون الطهي عندما استطاع الإنسان استخدام النيران إلى جانب القدرة على الثقة بالآخرين وعدم الاستيلاء على الطعام من خلف الظهور.
واستطرد قائلا "الثقة عنصر في عملية الطهي كي تمارس داخل مجموعة اجتماعية". وأضاف "هذا مطلوب إلى جانب القدرات النفسية الفردية التي نستهدفها في تجاربنا".
وكان الدافع من الدراسة هو بحث النظرية الجدلية مفادها أن الطهي ضروري لنمو حجم مخ الإنسان. وهذه الفكرة التي طرحها عالم الأحياء ريتشارد رانغام، وهو أيضا من جامعة هارفارد، مفادها أن الطهي مكن أسلافنا من تناول المزيد من البروتين، وهو ما ساعد في نمو أدمغتهم.
وبحسب وارنكن، تشير نتائج الدراسة إلى أن كل شيء أصبح في مكانه الصحيح بمجرد أن تعلم كيفية التحكم في النار، وهو ما يدعم أفكار رانغام.
ومضى قائلا "لإثبات هذه الفرضية يجب على الإنسان أن يكون قد تبنى فكرة الطهي في مرحلة مبكرة نسبيا خلال عملية تطوره".
ويقول خبراء في تطور الإنسان إن من "المثير" أن يشترك الشمبانزي مع الإنسان في العديد من القدرات النفسية الضرورية، لكنهم يعتقدون أن دراسة الشمبانزي لا تضيف الكثير لقصة الإنسان.
سهولة الهضم
وقال كريس سترينغر، بمتحف التاريخ الطبيعي، في لندن "الطهي كان شوطا مهما للإنسان من حيث جعل اللحوم أسهل للهضم وتحييد مسببات الأمراض والسموم، وكذلك دوره الاجتماعي، لكن أفضل دليل على قدرة الإنسان على إشعال النار عند الرغبة في هذا ظهر خلال الـ400 ألف عام الماضية".
ومن جهته، يقول فريد سبور، الأستاذ في علوم تطور الإنسان في الكلية الجامعية في لندن "لم تحدث عملية الطهي حتى 300 ألف إلى 400 ألف عام مضت. وهو ما يعد متأخرا خلال مسيرة استمر 7 ملايين عام من تطور الإنسان. لذا نقول بصراحة، من يكترث بأن أوائل البشر ربما أحبوا فكرة الطعام المطهو؟ ربما أحبوا تناول جثث الحيوانات النافقة التي طُهيت طبيعيا بعد محاصرتها في حرائق السافانا، لكن هذا لا يعد طهيا".
وماذا عن الفكرة التي مفادها أن تأدية الطهي إلى نمو حجم المخ؟
يقول سبور "ظهرت فكرة نمو المخ مبدئيا قبل نحو 1.5 مليون عام وحدثت طفرة كبيرة (في هذا السياق) قبل نحو 500 ألف عام".
وأضاف "ومن ثم فإن الأكل بطريقة مناسبة جعل هذا ممكنا، لكن بالنسبة لما إذا كان طهو الطعام لعب دورا منذ 1.5 مليون عام يعد سؤالا بلا جواب، لأنه لا يوجد دليل أو يوجد دليل محدود على وقوع هذا الأمر في هذا الوقت. من الأكثر ترجيحا أن طهو الطعام بدأ منذ 500 ألف عام".
فيديو قد يعجبك: