أزمة المهاجرين: لماذا لا تسمح دول الخليج باستقبال السوريين
لندن – (بي بي سي):
صور اللاجئين السوريين العالقين على الحدود وفي محطات القطارات، ناهيك عن الصورة المفزعة للطفل، آلان كردي، ذي السنوات الثلاث، الذي لفظه البحر المتوسط ميتا على سواحل تركيا، شجعت على تعالي الأصوات للمطالبة بتقديم المزيد لمساعدة أولئك الفارين من الحرب.
وركز الغضب بشكل خاص على دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية والبحرين والكويت وقطر وسلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة)، التي أبقت أبوابها موصدة تماما أمام اللاجئين.
ووسط الانتقادات، من المهم أن نتذكر أن دول الخليج لم تقف إلى جانب اللاجئين السوريين ولم تفعل لهم شيئا.
ويبقى سخاء الأفراد، في بعض الأوقات، تجاه اللاجئين ملحوظا بشكل واضح.
وجمع أشخاص خيرين ما مجموعه مئات الآلاف من الدولارات، وعند سؤال العاملين في الصناعات الوطنية (على سبيل المثال، شركة قطر للبترول) عما إذا كانوا يرغبون في استقطاع جزء من رواتبهم كل شهر للاجئين في سوريا، أجاب الكثيرون بالإيجاب.
وقدمت دول الخليج ما مجموعه 900 مليون دولار، من خلال جمعيات خيرية وتبرعات فردية، لمساعدة اللاجئين السوريين.
لكن، في الوقت الذي استمرت فيه الحرب في سوريا، فإن الموارد المقدمة لإعاشة اللاجئين في المخيمات أصبحت غير كافية.
وكان العالم مضطرا لإيجاد حلول أخرى للتعامل مع حركة هذا العدد الكبير من السكان، ونظرا لأن السوريين أرهقوا من الحرب والمعاناة في مخيمات اللجوء، في ظل ضعف الأمل في تحسين الظروف الاجتماعية أو المالية، فإنهم بدأوا في مغادرة منطقة النزاع بحثا عن مستقبل أكثر أمنا وازدهارا .
باختصار، توفير الغذاء والمأوى للاجئين الذين يعيشون في مخيمات كان حلا لمشكلة الأمس. القضية الأكثر إلحاحا الآن إيجاد مكان أمن ما يقيم فيه مئات الآلاف من الناس، وهنا حيث بدأت دول الخليج البحث بجد عن إجابات.
مخاوف عدم الاستقرار
في الوقت الذي سمحت فيه دول الخليج لبعض المواطنين السوريين بدخول أراضيها (السعودية أكدت أنها استقبلت 500 ألف سوري منذ عام 2011)، كعمالة مهاجرة في المقام الأول، لم يكن هناك سياسة واضحة من أي من هذه الدول لإيجاد مأوى للاجئين الذين يتوافدون بصورة جماعية دون كفيل أو تصاريح العمل .
لتفسير هذا يتطلب الخوض في عمق مخاوف دول الخليج بشأن الاستقرار السياسي داخل حدودها، والغوض أكثر في أسئلة أكبر حول الهوية المدنية وفكرة ماذا تعني كلمة مواطن في دول الخليج.
في عام 2012، عندما بدأت الحرب مع بشار الأسد تُبرز بشكل أوضح المنافسة الموجودة بين المصالح العربية الخليجية السنية وحلفاء إيران، بدأت المخاوف العميقة تعم دول الخليج من أن السوريين الموالين للأسد سيسعون للتسلل الى الخليج للانتقام.
وبدأت بصورة عاجلة عمليات التدقيق وفحص المسافرين السوريين إلى الخليج، وأصبح من الصعب على السوريين الحصول على تصاريح عمل أو تجديد تصاريح الإقامة.
لم تتغير السياسة بعد في قطر، المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص، وتشعر ببالغ القلق إزاء احتمال رد الموالين للأسد.
واستمرت الشائعات في الخليج، على مدى السنوات الثلاث الماضية، حول مشتبه بهم في الانضمام لخلايا إرهابية قبض عليهم بهدوء واحتجزوا، وذلك على الرغم من عدم إلقاء الضوء بصورة علنية على عدم وجود دليل مباشر على وجود مؤامرة من جانب مؤيدي الأسد.
التوازن الديمغرافي
بالإضافة إلى ذلك، فإن تدفق الآلاف من السوريين في آن واحد يهدد بتغيير التوازن الديمغرافي الحساس للغاية، الذي تعتمد عليه دول الخليج لإدامة وجودها.
على سبيل المثال، عدد المواطنين في الإمارات وقطر يزيد قليلا عن 10٪ من السكان المقيمين. الغالبية العظمى من السكان هم من العمالة الاقتصادية الوافدة.
ويسمح للأجانب بالإقامة، فقط إذا كان لديهم أو لدى أزواجهم وظائف بدوام كامل - ليس هناك إمكانية أن يبقى بشكل دائم حاليا في الخليج بدون عمل – وعندما تنتهي عقود عملهم يعود جميع المهاجرين إلى بلدانهم.
هذه هي الطريقة التي يعمل بها الخليج - مع ارتفاع معدل استبدال وإحلال العمالة الماهرة المنخفضة والعالية، والذي يسمح لسكان الخليج العربي الأصليين الحفاظ على وضعهم المهيمن، دون تجاوز من جانب العرب من بلدان أخرى أو عمال جنوب آسيا.
الخطاب الصامت
وبالتالي فإن فكرة الآلاف من الأجانب القادمين من دون عمل أو أي تاريخ واضح للعودة، أمر غير مريح للغاية لدول الخليج.
ليس هناك سابقة (ولا حتى عند نزوح الفلسطينيين عام 1948) تشبه حجم التهديد الحالي الذي يمثله التهديد الديموغرافي اللاجئين السوريين للهوية الخليجية والتركيبة الاجتماعية. ودول الخليج ليس لديها ببساطة ردا على الأسئلة التي تطرحها أزمة اللاجئين السوريين.
فمن الصعب جدا أن نرى كيف يمكن لهذه المخاوف المتأصلة من التغيير الديموغرافي وتهديدات تواجه الهوية المدنية أن تتغير أو تنقلب بسبب الضغط الجماهيري أو الدبلوماسية، خاصة من الدول الغربية.
وهناك القليل جدا من الحديث العام عن الضغط على الأسر الحاكمة في الخليج لتغيير المسار.
وعلاوة على ذلك، تشعر النخب الخليجية أن هذه الفوضى ما كانت لتحدث، في المقام الأول، لو أن الغرب كان قد تدخل بشكل عاجل للتعامل مع الأسد ونظامه. ومن المحتمل أن لا تلقى مناشدات من الدبلوماسيين الغربيين آذانا صاغية وتسقط على آذان صماء في دول الخليج.
فيديو قد يعجبك: