إعلان

روايات إنسانية مؤلمة عن الأوضاع في السجون المصرية

01:19 م الجمعة 08 يناير 2016

تبلغ أعداد المعتقلين في مصر حوالي 41 ألف شخص، بحسب

لندن – (بي بي سي):

 

"دخّلوا شتوي للعقرب". الشتوي، بلغة المصريين، هو الملابس الشتوية. أما العقرب فهو أحد أسوأ السجون سمعة في مصر.

والشعار هو هدف حملة تهدف إلى إبقاء قضية أوضاع السجون وأماكن الاحتجاز المصرية، التي تشغل آلاف الأسر، حية بإلقاء الضوء باستمرار على معاناة السجناء في مختلف سجون مصر.

"عندما فُتحت الزنزانة .. شممت رائحة، أول مرة أشمها .. رائحة الموت أهون منها"، يقول طبيب من محافظة الإسكندرية بعد زيارته مكان احتجاز في قسم شرطة، اضطر للانتقال إليه بصحبة والديّ أحد المحتجزين.

المحتجز شاب مصاب بمرض السكري يُدعى عمرو حسني، 20 عاما.

يقول الطبيب إن عمرو "بحاجة إلى تدخل جراحي سريع لإصابته بخراج أدى إلى تورم إصبع قدمه وارتفاع في درجة الحرارة، وضغط الدم."

ويضيف الطبيب أن السلطات رفضت نقل الشاب للمستشفى، وطلبت منه إجراء الجراحة في مكان الاحتجاز، وهو ما تعذر لعدم جاهزية المكان، فاكتفى الطبيب بإعطاء مريضه بعض المضادات الحيوية.

حسب رواية الطبيب لبي بي سي فإن المكان مكدس بشكل لا يسمح للمحتجزين بالجلوس، وإن والديّ حسني يدفعان 50 جنيها يوميا ليتمكن ابنهما من الجلوس لمدة ثلاث ساعات في مكان احتجاز آخر، بنفس السجن، بالتناوب مع محتجزين آخرين.

حالات تكدس

وحسب تقرير نشرته منظمة العفو الدولية في يونيو الماضي، تُقدر أعداد المعتقلين في مصر بحوالي 41 ألف شخص.

وتقول المنظمة إن معتقلين "تعرضوا للضرب أو المعاملة السيئة في أثناء القبض عليهم أو احتجازهم.. وتوفى بعضهم على ما يبدو بسبب التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أو الأوضاع غير الملائمة في أقسام الشرطة".

وفي مايو الماضي، أقر المجلس القومي لحقوق الإنسان، وهو مؤسسة حكومية، بوجود مشاكل في الرعاية الصحية داخل السجون، ورفض بعض المستشفيات استقبال السجناء المرضى. وعرض المجلس في تقرير رسمي بعض حالات اضطر فيها سجناء للإضراب عن الطعام بسبب رفض السلطات فحصهم طبيا خارج السجن.

ورصد حالات تكدس في عدد من السجون، كانت أشدها في سجون طرة، وأوصى بإعادة توزيع المعتقلين في العنابر للتقليل من كثافتها.

ويسري الأمر ذاته على أماكن الاحتجاز في أقسام الشرطة. وأرجع المجلس هذا الوضع إلى "الأعداد الكبيرة ممن هم رهن الحبس الاحتياطي."
وفي مواجهة الانتقادات الداخلية والخارجية، نفت وزارة الداخلية المصرية مرارا صحة الروايات عن اتهامات بالتعذيب وعقاب السجناء.

وتقول الوزارة إن كافة السجون تخضع للإشراف القضائي وللتفتيش المفاجئ من جانب النيابة العامة. وتؤكد أن النيابة "لم تتلق شكاوى من أي من النزلاء بشأن إساءة معاملة أو التعدي عليهم".

واستمرت الانتقادات وتسربت معلومات عن حالات تعكس الأوضاع السيئة للسجناء والمحتجزين.

تعديل القانون

وفي أكتوبر الماضي، عدل الرئيس عبد الفتاح السيسي قانون تنظيم السجون. وقالت السلطات حينها إن الهدف هو "التأكيد على الحق في الرعاية الطبية والتأهيل، والزيارة."

واستبشرت أسر السجناء والمحتجزين بالتعديل.

وجاءت الرعاية الصحية للسجناء على رأس تعديلات القانون التي أعطت للسجين حق الخضوع لكشف طبي، وتلقي العلاج في المستشفيات الحكومية والجامعية التي يُحال إليها.

وبعد شهرين تقريبا أعلنت وزارة الداخلية عن إرسال قوافل طبية إلى عدد من السجون، لفحص وعلاج النزلاء.

إلا أن الكثيرين ما زالوا يشكون من تدهور الحالة الصحية لذويهم داخل السجون وأماكن الاحتجاز "بسبب ظروف الإعاشة غير الملائمة."



وبحسب تقرير نشره مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، شهد شهر نوفمبر وحده وفاة 13 شخصا في أماكن الاحتجاز، ثلاثة منهم بسبب الإهمال الطبي، وتسع حالات نتيجة التعذيب، بالإضافة إلى حالة انتحار. كما شهد الشهر ذاته 75 حالة إهمال طبي للمعتقلين المرضى.

صهيب عماد أحد أشهر حالات الإهمال الطبي، كما تقول عائلته التي أشارت إلى أن ابنها اعتُقل في فبراير 2014، بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين وتكوين عصابات لضرب ضباط الشرطة وأساتذة الجامعة.

وتشكو الأسرة من أن ابنها، التي قالت إنه لا يزال طفلا، تدهورت حالته بعد اعتقاله بحوالي ثمانية أشهر، "بسبب ظروف الإعاشة غير الملائمة، والرطوبة المرتفعة، وضعف التهوية في مكان احتجازه بقسم دكرنس للأحداث، بالقرب من مدينة المنصورة، شمالي مصر."

"ظهرت التهابات في ساقه اليمنى، واستطعنا الحصول على موافقة لإجراء عملية جراحية تتطلب الإقامة في المستشفى لمدة أسبوعين. لكن الشرطة عادت لاصطحابه بعد خمسة أيام فقط، رغم عدم وجود مكان ملائم للراحة والنقاهة في محبسه"، بحسب رواية والدة صهيب لـ بي بي سي.

"الحرية للجدعان"

ملف الأوضاع الطبية والمعيشية هو أحد القضايا التي تتبناها "الحرية للجدعان"، وهي واحدة من الحملات الراعية لجهود الدفاع عن حقوق المعتقلين والسجناء.

ويقول خالد عبدالحميد، المتحدث باسم الحملة، إن الأمراض الجلدية مثل الجرب، وأمراض البرد هي الأكثر انتشارا في السجون نتيجة تردي ظروف الإعاشة.

وحسب تقارير الحملة، فإن المرضى، وكثيرون منهم مصابون بفيروس الالتهاب الكبدي سي وأمراض السرطان، يعانون إهمالا طبيا من حيث توفير الأدوية ونقلهم إلى المستشفيات لتلقي الإسعافات وجلسات العلاج اللازمة.

ومع حلول فصل الشتاء وموجة البرد القاسية، عاد سجن العقرب، الذي يصفه عبد الحميد بأنه أشبه بمكان "للتصفية بدون رصاص"، إلى الأضواء.

يقول عبد الحميد إن العقرب هو السجن الوحيد الذي رُصدت به شكوى التجويع. "فالطعام عادة ما يقدم بدون ملح، ولا يُسمح بدخول الوجبات، كما تُقلص الكميات في الكثير من الأحيان إلى النصف".

ومؤخرا، يشكو ذوو المعتقلين من منع دخول الأغطية والملابس الشتوية لذويهم، فدشنوا حملة ضد هذا المنع، تحمل اسم "دخّلوا شتوي للعقرب".

تقول والدة صهيب إن أعراض المرض عادت للظهور عليه

وأكدت سيدة مصرية أن زوجها المعتقل في هذا السجن يشكو وغيره من النزلاء من منع دخول الأغطية الشتوية والملابس.

وتقول السيدة، التي اختارت الإشارة إليها باسم نهى إنه "أحيانا نلجأ للتحايل على الإجراءات، بأن يبدل السجين ملابسه مع أحد الزوار الذي يرتدي ملابس شتوية".

من بين نزلاء سجن العقرب، الباحث هشام جعفر، رئيس مؤسسة مدى، الذي اعتُقل في أكتوبر 2015، ووجهت إليه تُهم الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين وتلقي رشوة من جهات دولية.

وبحسب زوجته، منار الطنطاوي، فقد مُنعت عنه الزيارة منذ اعتقاله، وفشلت كل محاولات إدخال ملابس شتوية أو أدوية.

وقالت منار: "حاول محاموه استخراج تصريح لزيارته، لكن موظف النيابة أضاع الطلب المقدم، ورفض قبول طلب جديد".

ولاحقا، تمكنت منار في ديسمبر الماضي من رؤية زوجها "لدقيقتين من خلف حاجز زجاجي، هي مدة الزيارة التي سمحت بها السلطات قبل أيام من زيارة وفد حقوقي للسجن."

وكان وفد من المجلس القومي لحقوق الإنسان قد زار سجن العقرب في الخامس من الشهر الجاري، للوقوف على التطورات في ظروف الإعاشة، والتحقق من الشكاوى التي وردت بخصوص الرعاية الطبية والصحية، ومنع دخول الملابس الشتوية والزيارات.

ونقل الوفد تأكيد إدارة السجن "التزامها بمواد القانون فيما يتعلق بالزيارات، وظروف الإعاشة."

كما ذكر، في بيان، أن إدارة السجن أبلغت الوفد برفض مقدمي الشكاوى مقابلته، فلم تسمح الإدارة للوفد بتفقد زنازينهم.

"إجراءات تعسفية"

وعادة ما يعتمد السجناء على ما تجلبه أسرهم من متعلقات وطعام للمساعدة في تجاوز مصاعب الإقامة في السجن، وهو ما يعرف بـ "الزيارة". وهو حق كفله قانون تنظيم السجون.

لكن الأسر تشكو من "إجراءات تعسفية"، بحسب وصف خديجة جعفر، زوجة الناشط إسماعيل الإسكندراني الذي أُلقي القبض عليه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لدى عودته إلى مصر من ألمانيا.

تقول خديجة إنها لم تتمكن حتى الآن من زيارة زوجها أو تزويده بأي من سبل الإعاشة.

وتضيف "لا أعرف أي شيء عن حياته بالداخل، لكن المحامين يقولون إنه في الغالب يتشارك مع زملائه فيما يجلبونه من طعام وأغطية".

ورغم تأكيدات السلطات المستمرة على التزامها بنص القانون في الإعاشة وسُبل الرقابة القانونية على السجون، يرى حقوقيون أن تعديل القانون لم يحقق أي تحسن في أحوال السجناء، خاصة في غياب آلية واضحة تُمكن المعتقلين من التواصل مع ذويهم والتأكد من سلامتهم.

ورغم محاولات بي بي سي الحثيثة، لم تستجب وزارة الداخلية المصرية، التي يتبعها قطاع السجون، لطلبات الحصول على تعليق عن أوضاع السجون بعد تعديل القانون.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: